07-يونيو-2022
تحاول إسرائيل استغلال حقل كاريش من أجل فرض نفسها كمصدر للغاز (Getty)

تحاول إسرائيل استغلال حقل كاريش من أجل فرض نفسها كمصدر للغاز (Getty)

وصلت منصة إنتاج الغاز العائمة التابعة لشركة أنيرجيان بور اليونانية، يوم السبت، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، لترسو قبالة سواحل مدينة حيفا، عند حقل الغاز كاريش (شارك). حيث أعلنت الشركة الحاصلة على رخصة إنتاج الغاز من حقل كاريش وحقل تانين، عن بداية العمليات التشغيلية لمنصة الإنتاج في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، فيما يتوقع أن تتمكن الشركة من تحقيق أول تدفق للغاز خلال الأشهر الثلاث القادمة من العام الحالي. يأتي ذلك وسط استنكار رسمي لبناني باعتبار أن حقل كاريش يقع ضمن منطقة متنازع عليها حدوديًا، وصمت إسرائيلي.

يأتي العمل في الحقل بعد جمود المفاوضات غير المباشرة التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية بين لبنان وإسرائيل

ورست المنصة على بعد 90 كم من مدينة حيفا، في نقطة ساحلية هي الأقرب إلى الشواطئ اللبنانية، فيما يأتي العمل في الحقل بعد جمود المفاوضات غير المباشرة التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية بين لبنان وإسرائيل التي كانت قد استئنفت خلال العام الماضي، دون التوصل إلى اتفاق على النقطة الحدودية التي سيتم التفاوض عليها. وأشارت صحيفة العربي الجديد إلى أن التفاوض الإسرائيلي اللبناني يدور حول 4 خطوط: الخط الأول وهو الخط الإسرائيلي، الذي يخرق "البلوك" رقم 9 في لبنان. الخط الثاني وهو خط الوسيط الأمريكي السابق، فريديريك هوف، الذي يمنح لبنان 500 كيلومتر مربّع إضافي من مياهه. والخط الثالث هو الخط 23 المسجّل لدى الأمم المتحدة، الذي يمنح لبنان 360 كيلومترًا مربعًا إضافيًا. أما الخط الرابع فهو الخط اللبناني المعروف باسم "الخط 29"، الذي حددته خرائط الجيش اللبناني العام الماضي، ويتضمن حقل كاريش، ويحصل لبنان بموجبه على 1430 كيلومترًا. فيما توقفت المفاوضات نتيجة إصرار إسرائيلي على بدايتها من الخط 23، مقابل المطلب اللبناني الذي اشترط بدايتها من الخط 29.

وعقب دخول منصة إنتاج الغاز إلى حقل كاريش، أجرى الرئيس اللبناني ميشال عون مباحثات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وطالب الجيش بتزويده بالمعطيات الدقيقة، مشيرًا "إلى أن المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لا تزال مستمرة، وبالتالي فإن أي عمل أو نشاط في المنطقة المتنازع عليها يشكل استفزازًا وعملًا عدائيًا". فيما أشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن لبنان أودع لدى الأمم المتحدة قبل أسابيع، رسالةً يؤكد فيها تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، وأن حقل "كاريش" يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها. وجرى تعميمها في حينه على كل أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق المجلس تحت الرقم S/2022/84 بتاريخ 2 شباط 2022 وتم نشرها بحسب الأصول.

 وطلب لبنان في الرسالة من مجلس الأمن عدم قيام إسرائيل بأي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها، تجنبًا لخطوات قد تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين. كما أكدت الرسالة أن لبنان ما زال يعول على نجاح مساعي الوساطة التي يقوم بها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين للتوصل إلى حل تفاوضي لمسألة الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة".

من جانبه قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن "محاولات العدو الاسرائيلي افتعال أزمة جديدة، من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها ويتمسك لبنان بحقوقه فيها، أمر في منتهى الخطورة، ومن شأنه إحداث توترات لا أحد يمكنه التكهن بتداعياتها". داعيًا للعودة إلى المفاوضات.

وكانت البحرية الإسرائيلية قد قامت بتأمين منصة إنتاج الغاز منذ مغادرتها قناة السويس الأسبوع الماضي، فيما وافقت لجنة الاقتصاد في الكنيست على لوائح تحظر الحركة البحرية في محيط منصة التشغيل. وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن إسرائيل كانت قد أعلنت في وقت سابق أن أي ضرر يلحق بمنصة الغاز سينظر إليه بوصفه إعلانًا للحرب. مضيفةً أن تل أبيب أبلغت لبنان عن نيتها تشغيل منصة الغاز في المنطقة، مدعيةً أن منطقة عمل المنصة الجديدة، ليس محل نزاع. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل لا تنوي الرد في الوقت الحالي على لبنان، لتفادي إضفاء الشرعية على الطرح اللبناني بحسب الصحيفة.

أما التفاعل الإسرائيلي مع وصول منصة إنتاج الغاز فقد كان محدودًا. ففي اليوم الأول رحبت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار بوصول المنصة، وقالت إنها تأمل في أن تبدأ المنصة بالعمل سريعًا وأن تحقق النتائج المطلوبة. فيما زعمت وزارة الطاقة أن المنصة ستعمل في منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية، وليس في المياه المتنازع عليها، وهذا ما أعادت الهرار التأكيد عليه في اليوم التالي لوصول المنصة، وحذرت لبنان من تهديد إسرائيل. أما المدير التنفيذي لشركة أنيرجيان بور ماثيو ريجز فقال "سيوفر المشروع أمن الطاقة لإسرائيل والمنطقة"، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يحفز المنافسة في اقتصاد الطاقة الإسرائيلي ويقلل من أسعار الغاز في إسرائيل، وضمان مصدر إضافي لإمدادات الغاز، سعيًا لاستقلال إسرائيل في مجال الطاقة.

والإصرار الإسرائيلي على استخراج الغاز، رغم أن المفاوضات مع لبنان لم تستكمل بعد، يأتي في سياق أزمة الغاز التي خلقتها الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تريد إسرائيل أن تستغلها وتطرح نفسها باعتبارها مصدرًا جديدًا للغاز وقادرة على تلبية جزء من الاحتياجات الأوروبية. خاصةً أن "دبلوماسية الأنابيب" كانت ناجعةً مع إسرائيل في تجربتها مع الدول العربية مثل الأردن ومصر التي تصدر إليهما الغاز. كما أنها ساهمت في إعادة الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة من أجل تحقيق تفاهمات حول الغاز في البحر المتوسط. وتنوي إسرائيل البحث عن حصتها في سوق الغاز بأوروبا كما سبق وأعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية. كما يرتبط ذلك في محاولة إقناع أمريكا للعودة للاستثمار في مشروع الأنابيب الذي ينطلق من إسرائيل إلى قبرص واليونان، من أجل تزويد أوروبا بالغاز، بعد انسحاب أمريكا منه لأسباب بيئية.

وقررت إسرائيل أن تخصص 40% من احتياطيات الغاز من أجل التصدير الخارجي. ويتعزز ذلك مع مفاوضات أجرتها إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز عبر أنابيب تمر في مصر، وهي نية كانت قد تحدثت عنها وزيرة الطاقة كارين الهرار، عندما قالت إن إسرائيل سوف تساعد أوروبا على تنويع مصادر الغاز. فيما سبق وأشارت أن تصدير الغاز للدول المجاورة وغير المجاورة سوف يمنح إسرائيل قدرًا كبيرًا من النفوذ الاستراتيجي.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قد تطرق في خطابه الأخير إلى النزاع الحدودي وحقول الغاز، قائلًا: "موضوع استخراج الغاز من البحر ممكن جدًا جدًا، ويحلّ مشاكل لبنان لكن ذلك يحتاج جرأة"، معتبرًا أن مشكلة لبنان لن تحل إلّا عبر النفط والغاز في المياه الإقليمية. وأضاف "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الثروة بينما كيان العدو يُبرم عقودًا لبيع نفطه".

 وفي أول رد من حزب الله على الخطوة الإسرائيلية، قال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم إنهم مستعدون للقيام بدورهم فيما يتعلق بالضغط والردع واستخدام الوسائل المناسبة بما ذلك القوة، في حال أعلنت الدولة اللبنانية أن إسرائيل تنتهك المياه والغاز اللبناني، مشيرًا إلى أن الأمر يتطلب قرارًا حاسمًا من الدولة، وأن الحزب سوف يتصرف بغض النظر عن تبعات تحركه، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة واسعة. واتفق رئيس الجمهورية عون ورئيس الوزراء ميقاتي، على دعوة المبعوث الأمريكي إلى لبنان لمناقشة استئناف المفاوضات، والعمل على إنهاء القضية بأسرع وقت ممكن، لمنع إمكانية اندلاع تصعيد.

ومنصة الغاز التي يمكن أن تشعل حربًا وتحولت إلى نقطة توتر منذ يومها الأول، هي المهمة الأولى للقوة البحرية في جيش الاحتلال حاليًا، فقد أشارت القناة الـ12 الإسرائيلية عن نشر الرادارات وأجهزة استشعار تحت الماء من أجل كشف أي عملية يمكن أن تتعرض لها المنصة. بالإضافة إلى استخدام السفن الحربية والغواصات وقبة حديدية بحرية. فيما كشفت البحرية الإسرائيلية يوم أمس، عن تمكنها من اعتراض طائرة مُسيّرة مفخخة، العام الماضي خلال معركة "سيف القدس" أرسلت من غزة إلى منصة غاز إسرائيلية، تقع قبالة مدينة عسقلان، في رسالة لا تبدو منفصلةً عن التوتر الذي ينتج عن تشغيل حقل كاريش للغاز.

في السياق، اقتصر تفاعل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على الإجراءات الأمنية، فيما نقل عن وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس قوله إن إسرائيل تعمل على استخراج  الغاز من حقولها البحرية فقط. وحديث غانتس الذي جاء في اجتماع داخلي لحزبه أشار إلى أن هذه القضية مدنية، والمؤسسة الأمنية معنية بتأمين المنصة فقط، وما يتصل بالحدود المتنازع عليها مع لبنان سيتم حله من خلال المفاوضات وبرعاية أمريكية.

منصة الغاز التي يمكن أن تشعل حربًا وتحولت إلى نقطة توتر منذ يومها الأول، هي المهمة الأولى للقوة البحرية في جيش الاحتلال حاليًا

وكانت شركة أنيرجيان بور قد اتخذت القرار النهائي بالاستثمار في حقل كاريش، في آذار/مارس 2018، باعتباره الحقل الذي سوف يحقق أكبر عائد والأقرب من الشاطئ، ويحتوي على 1.41 تريليون قدم مكعب من الغاز، فيما استثمر لتطويره 1.7 مليار دولار أمريكي.