27-أكتوبر-2015

نورس شلهوب/ فلسطين

استيقظتُ برأسٍ متيبسة، ولتجنب انتظار الفجر المتأخر قررت أن أُشغل نفسي بما سأكتبه اليوم بدأت بعصف ذهني لكل ما يمكن أن يكتب عنه، ولم أجد من أفكار في تلك الرأس التي أحمل إلاّ أفعى مفترسة تلاحق مراسل تلفزيوني، عرض أزياء للمقعدين، فيلسوف يتحدث مع كلب، عرس في محطة حرارية تحترق، وصورٌ لانهاية لها.

هل تعرف يا عزيزي الفرق بين الخيال والحقيقة؟ هي ببساطة أن تغمض عينيك وتفكر بما ستراه بعد فتحهما، لا تتخيل ما سيحصل، لا حركة لا عمق، لا وهم. بنادق ودم هذا كل شيء. سكون يحيط بكل شيء أحمر، حاولت العطس بعد ذلك ولم أستطع. كل ما أملكه الآن هو نصف مقال ومخيلة فارغة في مدينة فارغة، وجغرافية افتراضية وعرة للغاية. أذكر أن هناك مخرجًا سينمائيًا زار في الماضي مدينة سراييفو وخرج منها دون أن يقول أيّة كلمة. فقط اكتفى برسم دوائر حمراء متداخلة فيما بينها. 

سمعتُ مرةً أحدهم يقول أن ألسينور واقع وهاملت خيال، ورد عليه آخر إذن فالمتخيل أوهام والواقع شكوك. أظن بأنهما قد وقفا إلى جانب ذاك القاتل أثناء جولته الأخيرة. في المرة القادمة سأكتب كل ما يُقال أمامي حتى أستطيع أن أنجز مقالًا.

أُحاول أن أجد تعريفًا واضحًا للصورة وعكسها، يقول عنها ذلك الرجل أنها تمثل صفوة الفعل الإنساني الحديث. عندما يتقابل زمنان في صورة واحدة عندها تتشكل الصورة وعكسها.
سألت صديقي الكاتب عن ماذا نكتب؟ فما كان منه إلاّ أن كتب على محرك البحث بعض الكلمات وبدأ ببحثه الذي لم يُفضِ إلى أي نتيجة. ولعلنا فشلنا في ترتيب درجة الأهمية لكل تلك النتائج. 
لم تسعفني مخيلتي بعد إلاّ ببعض الصور القادمة من هناك، يقولون إن مجزرةً قد وقعت هناك. نعم لا بأس.
أطمر جسدي في حفرةً صغيرةً ضيقة وأُبقي الرأس موجهًا للريح ولعدد كبير من الجياد المسرعة يرتطم  بها بقوة يُدمىّ ويموت. 
عجوز تركض خلف دبابة، أطلقت النار على رأسها حين شعرت بالتعب.
فتاة ترمي نفسها في بئر أخضر. 
وأخرى بيضاء في التسعين بشفاه ممتلئة رُجمتُ ثمانون رجمةً بطيئة. 
يخيل إليّ أن الأبدية بحجم دعسة قدم، ويخيل إليّ أيضًا بأنني أستطيع أن أعيشها. 
يقولون أن مجزرةً قد وقعت هناك. نعم لا بأس.
ولدت في مجزرة، من أب ميت، وأم عاصية، أسمتني جدتي أنتيجون.
أنا بنت أوديب الملعونة. 
أريد أن أدفن نفسي وليحيا إخوتي من بعدي.
كانت هناك امرأة صغيرة في قرية صفراء بعيدة قالت بأنها رأت العذراء المقدسة، وعندما علم الكبار بذلك أغلقوا فمها بالتراب. لم تمت اختناقًا به بل عانت من هضمه، وفيما بعد قتلها صورة العذراء. 
أقود سيارتي مساءً ومعي أشلاء من أحب، وألاحظ بأنهم يكبرون كل يوم حتى أصبحوا يسيرون بي بعيدًا إلى هناك. إلى المجزرة التي حدثت هناك. 
أُقيم كل يوم حفلة صوتية لآلات حديدية في مقهى ثقافي، تُمزق لحمي وأُخزنها جيدًا لعشرة سنوات قادمة سأحتاجها بكل تأكيد. 
هناك سهمٌ أضل طريق مرسله وعاد إليه. أقف متجهةً نحو البحر أفكر بأصوات من فيه.
في زمن الخرافات يقولون بأن هناك رجالًا زحفوا من أرض وجاؤوا يقتلون أرض أخرى.
لربما كنت هناك أشاهد مايحدث.

أستيقظ مرةً أخرى بعد استغراقي في كل هذا لأجد أنني مدعوة لحضور حفلة للحياة اليومية بعنوان مجزرة، تشجعتُ لحضورها لعلني أستطيع أن أكتب مقالًا جيدًا عن تلك الحفلة. 

اقرأ/ي أيضًا:

وهذه هويتي

الحرب في خمس عشرة دقيقة