27-ديسمبر-2015

يستنكر بعض السودانيين حفلات التخرج وطقوسها (أ.ف.ب)

تعتبر حفلات التخرج، بالنسبة للطلاب الجامعيين في السودان، غاية يستجمعون لها كل مدخراتهم وأشواقهم، وتكاد الفرحة بها لا تقل عن فرحة الحصول على وظيفة. خلال الأعوام العشرة الأخيرة، تغير شكل ومحتوى حفلات التخرج، وانتقلت من داخل الجامعات إلى قاعات الأفراح العامة، وأصبحت الأسر تستعد لها وتعد الحلويات والكعك والأزياء الجديدة، وتنحر الذبائح كأنه يوم عيد، ورغم كل ذلك لا يحصل الطالب على شهادته الجامعية يوم التخرج، وإنما ينتظر لأكثر من عام بعد ذلك ليصبح من حملة الشهادات المعتمدة، بسبب بطء الخدمة الوطنية وإجراءات استخراج الشهادة.

خلال السنوات الأخيرة، تغير شكل ومحتوى حفلات التخرج، وانتقلت من داخل الجامعات إلى قاعات الأفراح العامة، وأصبحت الأسر تستعد لها

قبل ستة أشهر من التخرج، وبالتحديد في منتصف السنة الرابعة لطلاب المساق الأدبي، والسنة الخامسة لطلبة المساق العلمي، يبدأ العد التنازلي لحفل التخرج، حيث ينتظم الطلاب في مجموعات تضع الترتيبات النهائية، والتي يسبقها في العادة "زفة" تنطلق من داخل الجامعة حتى القاعة المؤجرة، تتقدمهم فرقة موسيقية، بالطبول والأهازيج، بينما تحرص الفتيات على الذهاب إلى محلات الحلاقة والزينة منذ فجر ذلك اليوم.

وتقضي الفتيات الجامعيات بقية صباح ذلك اليوم في تصفيف الشعر ونقوش الحناء وارتداء الفستان الذي يشبه فستان الزواج مع ألوان زهرية، واللافت في طقوس التخرج أنها تشبه طقوس الزواج تمامًا، حيث يستبق الطالب ذلك اليوم بحفل حناء يسمى "البارتي" ويختار كل واحد الفتاة التي تضع على يده ورجله نقوش الحناء، شريطة أن تكون زميلته في الجامعة، بجانب الأغاني التي يحرص جميع الخريجين على اختيارها، وربما يقضي الطالب أكثر من شهر وهو يتعلم رقصة محددة، ويقدمها في ليلته السعيدة وسط حفاوة الأهل والأصدقاء.

يقول منتصر الفادني لـ"ألترا صوت"، وهو أستاذ بالثانوية، إن "حفلات التخرج في الماضي كانت تقام لطلاب الثانويات، وكانت تنتظم البرامج الثقافية والمعارض التي يقدم فيها الطلاب إبداعاتهم". يحاول منتصر أن يقارن حفلات التخرج بين الأمس واليوم ويوضح: "شاهدت قبل فترة شريط فيديو لحفل تخرج وكان عبارة عن مسخرة حقيقية وأمر مخجل، حتى أن والد الخريج الجامعي أصيب بصدمة، بسبب رقص ابنه بطريقة لا تليق بالرجال ولا بالجامعات".

يضيف منتصر: "لم تكن ظاهرة حفلات التخرج بهذه الطريقة السلبية موجودة، هي اليوم أشبه بزواج مع وقف التنفيذ"، ويشير إلى أن حفلات التخرج كانت تقيمها الروابط الإقليمية واتحادات الطلبة، وكانت ذات صبغة علمية ومجتمعية حيث يقدم الطلاب بعض ما استفادوا منه خلال سنوات الدراسة الجامعية.

ولا يخفي منتصر الفرح الذي تقابل به الأسر انتهاء سنوات الدراسة الجامعية. ويقول لـ"ألترا صوت": "الاحتفالات الأسرية كانت أهم من الآن وأكبر، عندما تخرّج أخي الأكبر ذبح والدي كبشًا، وجدي ذبح ثورًا، وكانت احتفالات التخرج في الثانويات الأبرز، حيث تقام مهرجانات مشهودة، تحرص فيها إدارات المدارس على وجود كبار الشعراء أمثال مصطفى سند والهادي آدم ومحيي الدين فارس، والفنانين أمثال وردي ومحمد الأمين ومصطفى سيد أحمد".

في السابق، كانت احتفالات التخرج في الثانويات السودانية هي الأبرز، إذ تقام مهرجانات مشهودة، وتحرص إدارات المدارس على حضور كبار الشعراء

في نهاية سنة 2012، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قرارًا يقضي بمنع حفلات التخرج خارج الجامعات، ووجه القرار إدارات الجامعات إلى إقامة حفلات التخرج للطلاب داخل الحرم الجامعي، وتحت إشراف إدارة الجامعة والأساتذة، وجاء ذلك القرار على خلفية الحفلات الراقصة، والاختلاط بين الجنسين، والذي رأت فيه الوزارة عرضًا مخلًا وخادشًا للحياء. واستنكر وزير التعليم العالي خميس كندة إقامة حفلات التخرج بالقاعات والأندية الليلية، وما نتج عنها من ظواهر وسلوكيات تتنافى مع قيم وتقاليد المجتمع السوداني، على حد وصفه.

غضب وزارة التعليم العالي جاء عقب احتجاج بعض ولاة أمور الطلاب وحملة إعلامية انتقدت تلك المظاهر والاختلاط بين الجنسين والرقص المشترك، وقد ظهر في موقع "يوتيوب" فيديو لحفل تخرج أحد طلاب كليات الطب بالسودان وهو يرقص بطريقة مثيرة، وحوله بعض الفتيات وهن يخلعن أرديتهن، ذلك المقطع تكرر في أكثر من حفلة تخرج، حيث يحرص الخريجون على إقامة حفلات تتضمن عروضًا هستيرية صاخبة، مما أثار ردود أفعال واسعة ومستنكرة.

"المظاهر الجديدة غير تربوية"، بهذه العبارة يعلق الخبير التربوي أحمد النعيم، ويضيف النعيم أن "من حق الطلاب أن يفرحوا بتخرجهم، ولكن قبل كل ذلك عليهم أن يراعوا الذوق العام، وأن يحترموا أولياء أمورهم فلا يقدموا عروض رقص تنتقص من مكانتهم، وتقدم انطباعًا سلبيًا عنهم". ويضيف: "الجانب الأخلاقي أهم من الجانب الأكاديمي، ويجب أن يبرز في هذه اللحظة بالتحديد".

ويشير النعيم إلى أن "الطلاب يحرصون على حفلات التخرج التي تقام خارج سور الجامعة، وأصبحوا يستعجلونها على نفقتهم الخاصة، وفي أندية عامة، كما أن الغناء والصخب والتصوير في ازدياد"، وطالب بضوابط اجتماعية وإدارية تمنح حفلات التخرج "وجهًا مقبولًا". وبالرغم من هذه الاحتجاجات والقرارات الرسمية، إلا أن حفلات التخرج لم تختف من الأندية والقاعات بشكل نهائي، بل أصبحت أكثر صخبًا وانتشارًا وتكلفة، وتختزن صورًا يختلف السودانيون حول تقييمها.


___

اقرأ/ي أيضًا:

أي مستقبل لطلبة الدراما والموسيقى في السودان؟

طلبة السودان ..في اللاشيء يقضون إجازاتهم