03-نوفمبر-2018

تسعى السلطات العراقية إلى فرض تضييقات على الحرية (أ.ف.ب)

في 23 تشرين الأول/ أكتوبر قدّم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، برنامجه الحكومي، متضمنًا قضايا كثيرة تخص السياسة والاقتصاد، حتى نمط الحكم الداخلي، بما فيه التعامل مع الحريات العامّة، التي حملت نقطة أثارت سخط عدد من الصحفيين والكتاب العراقيين، وأطلقوا عدة تساؤلات عنها، إذ جاء في فقرة من البرنامج تشير إلى ضرورة "التصدي لمنع سوء استخدام الحريات والإضرار بالحق العام"، وعدّ النشطاء هذه الفقرة غامضة وربما تؤول إلى منع الكلام وحرية التعبير في المجال العام مستقبلًا أو في الأربع سنوات المقبلة وما بعدها.

أوعزت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية إلى كافة الوسائل الإعلامية بضرورة إيقاف أي إساءات تصدر بحق "الرموز الوطنية والدينية"،  دون توضيح المفهوم

يتمتع العراق منذ 2003 بمساحة وإن كانت محدودة، من حرية التعبير، وبالرغم من وجود قتيل الرأي، فإن سجين الرأي اصطلاح شبه غائب حتى الآن، رغم محاولات رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، التضييق على الرأي والنشاط السياسي والصحافة، وهي المحاولات التي فشلت وتم التصدي لها بشكل واسع. حيث يعتبر العراقيون أن حرية التعبير هي المكسب الوحيد بعد خراب وطنهم نتيجة للغزو الأمريكي، مع ذلك، وبين فترة وأخرى، تصدر مضايقات أو "أوامر" للتضييق على حرية الرأي والإعلام من قبل الهيئات التابعة للحكومة أو المؤسسات الرسمية، خاصة في أيام الاحتجاجات والغضب الجمعي من السلطة.

 الإساءة لـ"الرموز الوطنية والدينية"

في اليوم الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تلقت المؤسسات الصحفية العراقية كتابًا من هيئة الإعلام والاتصالات، اعتبره الصحفيون بداية للتضييق على حرية الصحافة والرأي، حيث أوعزت الهيئة إلى كافة الوسائل الإعلامية بضرورة إيقاف أي إساءات تصدر بحق "الرموز الوطنية والدينية"، لافتة إلى أن "القنوات التي ستخالف القرار سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها".

واعتبر ناشطون ومراقبون، أن هذا الأمر بداية لمحاولات إسكات الرأي العام عما يحدث في العراق من فساد وصفقات وخراب في مؤسسات الدولة، إضافة إلى بيان وقعت عليه مجموعة من الصحافيين العراقيين لرفض خطوة هيئة الإعلام، وإعلان عدم الالتزام بتعميم الهيئة.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. إعادة إنتاج قوانين "البعث" ضد الأقليات

 وتضمن البيان الذي اطلع عليه "ألترا صوت": "تلقينا صباح اليوم، كتابًا من هيئة الإعلام والاتصالات (المستقلة) يوجه بإيقاف أي إساءات تصدر بحق الرموز الوطنية والدينية.. ونحن جمع من الصحفيين والإعلاميين العراقيين، نبدي استغرابنا الشديد وتحفظنا على اللهجة الآمرة التي استخدمتها الهيئة متجاوزة المادة الثامنة والثلاثين من الدستور العراقي، الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والإعلام والاجتماع والتظاهر السلمي".

وأضاف البيان، أن "هذا الكتاب مقدمة فضفاضة تستبق قيدًا دكتاتوريًا مستبدًا يراد فرضه على الأقلام العراقية الحرة في الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة، وقد يتطور الأمر ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها، ما سيلحقنا بالدول المستبدة"، مشيرًا إلى أن هذا "يخرجنا من إطار الديمقراطية التي قاتل ويقاتل العراقيون منذ خمسة عشر عامًا لأجل التمسك بها وتطويرها والحفاظ عليها من كل ما قد يعيد عجلتها إلى الوراء، حيث الزمن المظلم ومحافل الاستبداد وقطع الألسن التي ظن العراقيون أنهم خرجوا منها".

لم تتوقف هيئة الإعلام والاتصالات عن الوقوف مع مسار السلطة العراقية بكل تحركاتها واتجاهاتها، كما أنها أقدمت في أوقات سابقة على إغلاق وحجب الكثير من الوسائل الإعلامية 

وأوضح البيان أنه "إذ نعلن عدم التزامنا بهذه القيود، نطالب الهيئة المعنية بتوضيح هذا الأمر والكشف عن معنى الرموز الوطنية والدينية، كما نؤكد أننا إذ نلتزم بالمعايير الوطنية والأدبية والأخلاقية التي ترتبط بجوهر المهنة وتطلعاتها نحو عراق حر وديمقراطي".

إغلاق القنوات وحجب المواقع الصحفية!

لم تتوقف هيئة الإعلام والاتصالات عن الوقوف مع مسار السلطة العراقية بكل تحركاتها واتجاهاتها، كما أنها أقدمت في أوقات سابقة على إغلاق وحجب الكثير من الوسائل الإعلامية التي حملت انتقادات لأداء الحكومة العراقية، مثل إغلاق مكاتب القنوات، مثل البغدادية والبابلية إضافة إلى قناة الجزيرة، مع حجب مواقع صحيفة العربي الجديد وصحيفة الشرق الأوسط، وأعداد كثيرة من وكالات الأنباء المحلية.

وبهذا الصدد، أبدى مرصد الحريات الصحفية امتعاضه الشديد من محاولة ترهيب وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من قبل هيئة الإعلام والاتصالات، عن طريق تهديدها مباشرة بالغلق في حال المساس بـ"الرموز الوطنية والدينية"، معتبرًا بيان هيئة الإعلام الأخير رسائل تشويش على عمل وسائل الإعلام والصحفيين، مطالبًا أعضاء البرلمان بالوقوف ضد هذه القرارت التي لم تكن الأولى، إذ أغلقت الهيئة وسائل إعلامية كثيرة مع حجب مواقع صحفية مهمة.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة لعام 2018.. العداء ضد الصحفيين يزداد عالميًا ويتضاعف عربيًا

هيئة الإعلام توضح بشكل غير واضح!

بعد احتجاج الصحفيين على ما قالته هيئة الإعلام والاتصالات، أصدرت الهيئة بيانًا توضيحيًا لكتابها السابق، قالت فيه إنها "تعرب عن موقفها الداعي إلى تمكين وسائل الإعلام في الاستفادة من مساحة حرية التعبير الممنوحة لها، بموجب الدستور وبما ينسجم مع قواعد ولوائح مدونات السلوك المهني والبث الإعلامي، وهو ما تلتزم به وفقًا للقوانين النافذة والسياسة العامة التي تنتهجها الهيئة في التعاطي مع وسائل الإعلام"، مضيفة: "كما وتقتضي مسؤوليتها ممارسة دورها التنظيمي والتوعوي الذي يجنب تلك الوسائل ما أمكن من الوقوع في خرق تلك المدونات، الأمر الذي يعرضها للمساءلة ويفرض على الهيئة بموجب قانونها النافذ اتخاذ إجراءاتها وهو ما أرادت الهيئة توضيحه في إعمامها الصادر لكافة وسائل الإعلام"، مبينة أنها "هيئة دستورية مستقلة"، مستدركةً: "لكنها جزء من منظومة الدولة التي تتلقى منها بين فترة وأخرى &عمامات رسمية تتطلب مراعاة عدد من الظواهر الحساسة في ساحة المجتمع تراعى فيها المصالح العليا للبلاد ووحدة المجتمع العراقي".

وعد صحفيون وناشطون بيان الهيئة، اعترافًا رسميًا بأنها تتحرك بأوامر السلطة، وليست مستقلة، إضافة إلى أنها لم تتطرق إلى النقطة التي بسببها كان احتجاج الأسرة الصحفية وهو عدم المساس بـ"الرموز الوطنية والدينية"، حيث كان الصحفيون يطالبون الهيئة بنشر أسماء "الرموز الوطنية" بسخرية وبشكل جاد، ليتجنبوا انتقادهم حتى لا يتعرضوا إلى المساءلة القانونية!

غيروا الدستور لإعدام المعبرين عن رأيهم!

في هذا السياق، طالبت القيادية الكردية سروة عبد الواحد، هيأة الإعلام والاتصالات على إثر البيان بالاعتذار من الصحفيين، مشيرة بسخرية إلى تغيير الدستور لـ"تعاقبوا وتعدموا من يعبر عن رأيه بحرية". كما سخر ناشطون بنفس الطريقة من البيان، متسائلين إنه إذا كانت الهيئات المستقلة تمنعنا من الحديث عن "رموز الخراب" وتصدر هكذا أوامر، فما هو دور الميليشات الحاملة للسلاح والتي تقف أمام حتى الذي يشتم الرموز غير العراقية، الإيرانية مثالًا!

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟

أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا