حصر السلاح بيد الدولة وترحيل الفلسطينيين.. معضلات جديدة تواجه ليبيا
19 مايو 2025
قفزت ليبيا إلى واجهة الأحداث، وذلك على خلفية المواجهات المسلحة التي اندلعت في العاصمة طرابلس، الأسبوع المنصرم، بين فصائل محسوبة على المجلس الرئاسي وأخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وما أعقب ذلك من مظاهرات واستقالات متتالية، وصلت أمس السبت إلى 6 استقالات، من حكومة عبد الحميد الدبيبة.
وتزامن هذا التصعيد الداخلي، مع الزج باسم ليبيا، في مشروع ترحيل الفلسطينيين من غزة. حيث تحدث أكثر من مصدر أميركي، طيلة الأسبوع الماضي، عن اتفاقٍٍ ليبي أميركي، يقضي بترحيل نحو مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا، مقابل الإفراج عن عشرات المليارات من الأموال الليبية المجمّدة في الولايات المتحدة الأميركية.
حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الحالة الفصائلية
حمّلت المظاهرات التي خرجت في العاصمة طرابلس نهاية الأسبوع رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، مسؤولية التصعيد الأمني الأخير، وكان خصوم الدبيبة يأملون في أن تضطرّه تلك المظاهرات إلى الاستقالة من منصبه، لا سيما بعد إعلان 6 وزراء، بينهم نائبه، عن استقالتهم من حكومة الوحدة الوطنية، على خلفية الأحداث الأمنية الأخيرة والاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغييرٍ حكومي، لكنّ الدبيبة ظهر، مساء السبت، بخطابٍ مختلف عمّا كان خصومه يتوقعونه.
فقد أكّد أنه لا تراجع عن "ليبيا خالية من المليشيا والفساد"، قائلًا إنّه لن يترك "من يستمر في الفساد أو الابتزاز"، وأضاف أنه أخّر التعليق على الأحداث الأخيرة تجنّبًا لنشر الفتنة بين الليبيين، مشيرًا إلى أنّ حكومة الوحدة الوطنية استلمت السلطة في ظرفٍ حسّاس "كانت فيه المليشيات تسيطر على المشهد السياسي والمالي والاقتصادي في كل مدن وقرى ليبيا"، معتبرًا أنّ "تحقيق الاستقرار الدائم في ليبيا يمر عبر إنهاء جميع الأجسام، التي جثمت على السلطة منذ أكثر من عقد، وأسهمت في إطالة أمد الانقسام السياسي وتعطيل بناء الدولة".
تصعيد أمني واستقالات في ليبيا وسط أنباء عن صفقة لترحيل فلسطينيي غزة، والدبيبة يتعهد بإنهاء المليشيات وبسط سلطة الدولة
وشدّد الدبيبة على أنّ "إنهاء المجموعات المسلحة والانحياز الكامل إلى أجهزة الشرطة والأمن النظامية، هو مطلب شعبي واسع يشكّل حجر الأساس لبناء دولة القانون والمؤسسات".
وأضاف الدبيبة أن جهاز المباحث الجنائية يواصل عمله الميداني في المواقع التي دارت فيها المواجهات، وذلك لحصر الخسائر وتعويض المتضررين.
وكانت الأطراف المتنازعة قد أعلنت عن وقفٍ فوري لإطلاق النار، ولا يزال هذا الوقف الهش مستمرًّا، مع مخاوف من انهياره في أي لحظة. فالفصائل التي صدرت أوامر بحلّها وتفكيكها ترفض ذلك القرار وتصرّ على مواصلة حملها للسلاح.
وانطلقت الموجة الأخيرة من التصعيد بعد مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة" في أحد مقرّات اللّواء 444 التابع لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، فبعد تلك الحادثة اندلعت مواجهات بين القوات المحسوبة على جهاز دعم الاستقرار وعلى رأسها جهاز الردع مع الأجهزة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وتركّزت المواجهات في حي أبو سليم المكتظ بالسكان والذي تتخذه الأجهزة التابعة للمجلس الرئاسي مركزًا لها. وقد أسفرت المواجهات عن مقتل 8 أشخاص على الأقل، بالإضافة لأضرار كبيرة في المباني والشوارع والمركبات جرّاء استخدام القصف المدفعي والأسلحة الثقيلة والمتوسطة في الاشتباكات.
وإثر هذا التصعيد حذّرت البعثة الأممية للدعم في ليبيا، التي ترعى مبادرة لاستئناف العملية السياسية عبر صياغة القوانين الانتخابية، من مغبّة الانهيار الأمني على العملية السياسية برمّتها، داعيةً جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار وإعلاء مصلحة الشعب والدولة الليبية على المصالح الخاصة.
الترحيل
تداول الإعلام الأميركي معلومات عن مخطط لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا بشكلٍ دائم، وقد بدأت القصة بتقرير نشرته الخميس الماضي، شبكة إن بي سي نيوز، مستندةً فيه إلى تصريحات 5 مسؤولين في الإدارة الأميركية الحالية، وصفتهم القناة بالمطّلعين وبينهم شخصان على صلة مباشرة بالخطة.
وبحسب مصادر القناة الأميركية فإنّ مخطط ترحيل الغزّيين إلى ليبيا يجري النظر فيه بجدية، وفاتحت فيه إدارة ترامب الحكومة الليبية وأبلغت به إسرائيل أيضا.
وتعرض إدارة ترامب على الليبيين، مقابل القبول بترحيل الفلسطينيين بشكلٍ دائم إلى ليبيا، الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تقدّر بمليارات الدولارات.
لكنّ السفارة الأميركية نفت المعلومات الواردة في تقرير قناة إن بي سي نيوز حول خطة لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا، واصفة التقرير بأنه "عار عن الصحة".
كما قال متحدث أميركي رسمي لشبكة إن بي سي نيوز بأن التقارير حول هذا الموضوع "غير صحيحة"، مضيفًا أنّ "الوضع على الأرض لا يسمح بمثل هذه الخطة. لم يتم مناقشتها وهي غير منطقية" وفق تعبيره.
كما نقلت شبكة إن بي سي نيوز عن باسم نعيم، من حركة حماس، قوله إنّ الحركة "ليست على علم بأي مناقشات بشأن نقل الفلسطينيين إلى ليبيا"، مؤكدًا أن الفلسطينيين "متجذرون جدا في وطنهم، وهم ملتزمون التزامًا شديدا به، ومستعدون للقتال حتى النهاية والتضحية بأي شيء للدفاع عن أرضهم ووطنهم وعائلاتهم ومستقبل أطفالهم"، مضيفًا أنّ "الفلسطينيين هم الطرف الوحيد الذي يملك الحق الوحيد في تقرير مصيرهم، بما في ذلك مصير غزة وسكانها".
يشار إلى أنّ المعلومات الواردة حول ترحيل الفلسطينيين في غزة لا تنبع من فراغ، فقد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفعل هذه الفكرة أو المخطط شباط/فبراير الماضي خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلًا إنّ غزة لم تعد مكانًا صالحًا للسكن، وبالتالي يجب ترحيل سكانها إلى مصر والأردن. وعاد ترامب خلال زيارته الأخيرة للمنطقة إلى تجديد رغبته في استيلاء الولايات المتحدة على غزة بهدف تحويلها إلى مشروع سياحي بعد مغادرة سكانها منها، معتبرًا أنه "لم يعد في غزة ما يمكن إنقاذه" وفق تعبيره.