09-يناير-2020

من مسرحية سماء أخرى الفائزة في مهرجان قرطاج (فيسبوك)

لم تأتي سنة 2019 بجديد إلى الساحة الثقافية المغربية، ربما هذا ما يجعل، وعلى مستوى أول، محاولة جرد لمعالمها محفوفة بصعوبات، لا تقتصر فقط على ضعف الإنتاج الثقافي، بل ويزيد غياب معظم الأحداث الثقافية عن التوثيق الإعلامي، وافتقار البلاد لصحافة ثقافية توثق مجمل الزخم الذي تعرفه الساحة، كما صعوبة الولوج إلى المعطيات الرسمية الخاصة بالنشر أو العروض المسرحية، الأمر عسرًا.

النبوغ المغربي على المسرح العربي لا ينفي الإشكالات التي يعيشها أبو الفنون والعاملين به في المغرب

وعلى مستوى ثاني، تبرز الأزمة البنيوية التي تتخلل القطاع والمسؤولة عن ضعفه جلية، وبشهادة القائمين عليه، وزير الثقافة والشباب والرياضة المغربي الحسن عبيابة الذي دعا سابقًا في عرض له أمام البرلمان (تحصلت ألترا صوت على نسخة منه) إلى: "وجوب إجراء قطيعة نهائية مع التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص".

اقرأ/ي أيضًا: المسرح المغربي والحركة الوطنية.. محمد القري أنموذجًا

موطنًا بدوره الخلل في "غياب استراتيجيات ثقافية وطنية"، وعدم قدرة الهيكلة التنظيمية للوزارة على "مواكبة التحولات التي تعرفها الساحة الثقافية الوطنية والمهن والوظائف الثقافية الجديدة"، وحالة الفوضى التي تطال عملية الإنتاج الثقافي مع "كثرة المتدخلين في المجال الثقافي وضعف التنسيق فيما بينهم، مما يحد من الانعكاسات الإيجابية لهذه التدخلات".

فيما لا تزال وزارة الثقافة والشباب والرياضة متذيلة مراتب توزيع الموازنة السنوية لـ 2020، حاظية بنزر قليل من الإنفاق العمومي لا يتعدى مبلغ 2 مليار و785 مليون و417 ألف درهم، فيما لا يتحصل قطاع الثقافة منه إلا على 748 مليون و256 ألف درهم.

رجوعًا إلى السنة التي انقضت لتوها، وبالنسبة للمسرح الذي جاء في مقدمة الأحداث الثقافية بالبلاد، بما مجموعه 454 عرضًا فقط بين شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين حسب بلاغ سابق للوزارة الوصية. يصفها نائب رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، أمين ناسور، بسنة "تأكيد قوة وتنوع المسرح المغربي"، معللًا ذلك بالبلاء الحسن الذي أبلته الأعمال المغربية في المهرجان العربي للمسرح بمصر، وتتويج المخرج محمد الحر بجائزة أحسن إخراج لأيام قرطاج المسرحية عن مسرحيته "سماء أخرى".

هذا النبوغ المغربي على الركح العربي لا ينفي الإشكالات التي يعيشها أبو الفنون والعاملين به في البلاد، هذا ما يثيره تقرير اجتماع جمع رؤساء الفرق المسرحية المغربية بمسؤولي مديرية الفنون يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والذي أشار إلى "الوضعية المزرية التي تعيشها هذه الفرق" والمشاكل "العمودية والأفقية في التدبير المسرحي"، التي على رأسها ضعف الإنتاج المستقل وتأخر تسليم الدعم المالي الحكومي للفرق، مما أثر على التزاماتها الزمنية وأدى تراكم المديونية عليها.

ظل الصالون الدار البيضاء الدولي للكتاب في دورته الـ 25 أبرز حدث عرفه القطاع الثقافي، باجتذابه لأكثر من 560 ألف زائر

نفس الوضعية يعيشها الكتاب والنشر بالمغرب: نجاحات فردية مقابل مشاكل قطاعية كثيرة. حيث وصل كاتبان من المغرب إلى قوائم جائزة الرواية العربية "البوكر"، أحدهما محمد المعزوز الذي بلغ لائحتها القصيرة روايته "بأي ذنب رحلت"، والثاني حسن أوريد الذي بلغ اللائحة "البوكر" الطويلة بروايته "رباط المتنبي".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. هل تنفع برامج "التوطين" مع جمهور المسرح؟

ظل الصالون الدار البيضاء الدولي للكتاب في دورته الـ 25 أبرز حدث عرفه القطاع، باجتذابه لأكثر من 560 ألف زائر، ومشاركة 720 ناشر يمثلون 42 بلدًا، قدموا رصيدًا وثائقيًا جاوز الـ 128 ألف عنوان.

كما عرفت مدينة وجدة (شرق البلاد) إقامة النسخة الثالثة لصالونها المغاربي للكتاب، الذي عرف بدوره إقبالًا يقدر بـ 48 ألف زائر وعرض لـ 40 ناشر من المغرب ودول أفريقية وعربية، مستضيفًا ما يقارب 260 متدخلًا في 47 بين مائدة مستديرة وندوة وأمسية شعرية.

فيما عادت جائزة المغرب للكتاب في صنف السرد لرواية "الحجر والبركة" لصاحبها عبد الرحيم جيران والصادرة عن دار النشر "فاصلة"، كما في صنف الشعر عادت للشاعر مصطفى ملح عن مجموعته الشعرية الثامنة "لا أوبخ أحدًا"، الصادرة عن دار "مقاربات"، وباللغة الفرنسية حصل ديوان "حرب شاملة" للشاعر رشيد خالص، عن "فاصلة" أيضًا، على جائزة الدورة. وشملت الدورة تتويج إصدارات أخرى في فئات العلوم الاجتماعية، والدراسات الأدبية والفنية واللغوية، والترجمة، والدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية، والإبداع الأدبي الأمازيغي، والكتاب الموجه للطّفل والشّباب. فيما عرفت حجب الجائزة الخاصة بفئة العلوم الإنسانية هذه السنة.

"لقد كانت سنة مكررة على المستوى الثقافي بالمغرب"، يوضح الشاعر المغربي وعضو اتحاد كتاب المغرب يحيى عمارة، معللًا ذلك في معرض حديثه لـ"ألترا صوت" بأن "المتتبع للشأن الثقافي بالبلاد لم يلاحظ خلالها أي تغيير استراتيجي يسعى إلى كسر الرؤية الكلاسيكية المهيمنة على الثقافة، أو تطويرها". ومع ذلك، لا ينفي عمارة بروز بعض المبادرات لتصحيح هذه الوضعية، غير أنها قابلت إجهاضًا يرجعه المتحدث إلى "مجموعة من العوامل السياسية والتشريعية، على رأسها إدماج الثقافة مع الرياضة والتغاضي عن تأسيس المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية".

أما بالنسبة للنشر، فيرى عمارة وجود "دينامية ملحوظة في التأليف بمجهود فردي من المثقفين المغاربة، الذين وجدوا بواعث النشر في مؤسسات المشرق أكثر من مؤسسات المغرب"، وهذا عائد لغياب سياسات حكومية ناجعة في تدبير شؤون الكتاب والنشر. هذا "ويبقى واقع الكتاب جامدًا ينتظر ليلته كما يوجد في ليلة الأروقة بالنسبة إلى الفن التشكيلي"، يضيف عضو اتحاد كتّاب المغرب.

وعرفت سنة 2019 الأرقام التي فجرها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي حول تدني نسب القراءة في البلاد، منبها إلى أن: "المجتمع المغربي يتَّسم بضُعف ممارسة القراءة والأنشطة التي تساعد على توطيد وإثراء المعلومات والمعرفة لدى المواطن"، حيث إن 38% ؜ فقط من التلاميذ المغاربة يتوفرون على بعض مصادر القراءة في بيوتهم، مقابل 61  %؜لا يتوفرون على أي مصدر منها. أما بخصوص دور النشر، فيبلغ عددها حسب التقرير 60، حوالي 20 منها فقط هي التي تزاول نشاطها بكيفية منتظمة، وتنشر ما لا يقل عن 15 عنوانًا سنويًا.

أمام هذه الأزمة دعا المجلس المذكور إلى رصد ميزانية مخصصة لإنشاء المكتبات العمومية وتدعيم المكتبات المدرسية. كما دعا كذلك لتشجيع النشر والكتاب ودعم الناشرين، وإيلاء الأهمية لمشاريع النشر الإلكترونية والمبادرات الهادفة إلى تقليص التفاوتات الثقافية بين أفراد المجتمع. لكن هل الدعم المادي كافٍ لإصلاح الوضع؟

يحيى عمارة: "لقد كانت سنة 2019 سنة مكررة على المستوى الثقافي بالمغرب"

سؤال طرحناه على كريمة ندير، مسؤولة النشر في دار الفنك، لتجيب: "لا زلنا للأسف لم نتجاوز واقع ضعف المقروئية، وبالرغم من الدعم الذي تقدمه الوزارة لمساعدة الناشرين، إلا أن الدعم المادي في غياب سياسة للنهوض بالكتاب بعيد من أن يعطي النتيجة التي نطمح إليها ومصالحة المواطن المغربي مع الكتاب". واعتبرت ندير أن حصيلة النشر بالدار المسؤولة عليها جيدة، حيث تمثلت في نشر 11 عنوانًا جديدًا وإعادة طبع أربعة عناوين أخرى. فيما الحصيلة سنوية للنشر في البلاد تبقى غائبة إلى حد الآن، مع غياب إحصاء عام لها من قبل الجهات المسؤولة.

اقرأ/ي أيضًا: مشاهدات في معرض الدار البيضاء

وعلى العموم فإن السنة الثقافية في المغرب لم تأتي بمفاجأة جديدة، هذا إذا استثنينا ضم موسيقى كناوة المغربية إلى لائحة التراث العالمي اللامادي لمنظمة "اليونسكو". أما باقي القطاعات الثقافية لا تزال ترزح تحت أزمات متعددة، تعيق عجلة تقدمها إلى الأمام في أمل أن يتم تدارك الأمر في سنة، أو السنوات، القادمة. أمل يتشاركه محاوَرنا، الشاعر يحيى عمارة، وهو يختم حديثه قائلًا: "نأمل في السنة القادمة أن يعرف المغرب دخولًا ثقافيًا حداثيًا حقيقيًا، يُقَوم الواقع الثقافي تقويمًا نقديًا، بعيدًا كل البعد عن فكرة التهميش والإقصاء".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أدباء مغاربة.. متاهات اللذة الفنية

عزيزي عبد اللطيف اللعبي.. لم يعد هنالك شيء أجمل من الصمت والحلم