30-ديسمبر-2018

معرض مكتبة الأسد 2018 (فيسبوك)

لا يبدو ممكنًا إطلاقًا الحديث عن نشاطات ثقافية حقيقية أُقيمت داخل سوريا هذه السنة، شأنها شأن السنوات الستّة السابقة. وإن حاول البعض، مدفوعين بأجنداتٍ معيّنة وواضحة، الترويج لنشاطات اقتصرت في غالبها على المهرجانات الموسيقيّة والغنائيّة المحلّيّة، دون مشاركاتٍ دولية، فإنّ ذلك لا يُغير من الحقيقة شيء، ولا يستطيع تغطية الواقع الراهن، ولا ينجح في إعادة إحياء ثقافة بلدٍ يعيشُ منذ سنواتٍ حربًا قاسية يشنّها نظام دكتاتوريّ مستبد ضدّ شعبه.

لا يقود البحث عن حصاد ثقافي في سوريا، في 2018، إلا للحديث عن مهرجانات رخيصة رعاها النظام

ولأنّ البلاد ليست بخير، فمن غير المعقول أن تكون الثقافة بخير. وأيضًا، لا ثقافة من دون شعبٍ ينهضُ بها، ويكون ركيزتها الأساسيّة. وعند الحديث عن الشعب في هذا السياق، يكون عن شعبٍ هُجّر واعتقل وقُتل بأبشع الطُرق.

اقرأ/ي أيضًا: معرض مكتبة الأسد.. رسائل النظام السوري الهزلية

البحث عن المهرجانات السوريّة التي تغنّى بها البعض طيلة هذه السنة، واعتبرها دليلًا قاطعًا على استعادة البلاد لعافيتها من "الإرهاب"، والثقافة كذلك، لا يقود إلّا إلى مهرجاناتٍ محليّة رخيصة وتافهة، جزء كبير منها كان وليد السنة، ما معناهُ أنّها مهرجانات مستجدّة على المشهد الثقافيّ السوريّ، انطلقت فجأةً بدوافع غير ثقافية حقيقية لخدمة أجندات سلطة الأسد، وما يروّج له من بروباغندات "طلعت ريحتها" كما يحلو للمواطن السوريّ التعبير. مهرجانات كـ"مهرجان خطوات السينمائيّ الدوليّ للأفلام القصيرة في اللاذقية" الذي كان جلّ حضورهُ من قيادات أجهزة الأمن وفروع حزب البعث وعددٍ من المسؤولين، وذلك في ظلّ البحث عمّا يُعبّر عن مفردة "دولي" التي جاءت ضمن تسمية المهرجان، ويدّعيها زورًا، إذ لا مشاركات دولية إطلاقًا. ومهرجان تحت عنوان "بلدنا بخير"، و"بلودان السياحي" الذي استضاف فيه فنّانين موالين للسلطة. كلّها مهرجانات جاءت بقصد سدّ النقص الحاصل، وملء الفراغ الثقافيّ، ولكنّها مهرجانات جاءت بطابعٍ سياسيّ بحت، لا سيما تلك التي احتضنتها مدينتا حلب ودمشق، فالأولى احتضنت المهرجانات والحفلات الموسيقية التي أٌقيمت فيها بعد تهجير جزء كبير من سكّانها، وقتل جزءٍ آخر، وتدمير أحياء كاملة في حلب الشرقية. بينما الأخيرة فعلت الأمر نفسهُ بعد تهجير سكّان داريا أوّلًا، ومن بعد ذلك الغوطة الشرقية التي شهدت مجازر اعتبرت الأشد إجرامًا وفظاعة في القرن الواحد والعشرين.

الفنانة مي سكاف

من بين كلّ الأحداث الثقافية التي كانت جولة من جولات سلطة الأسد لترويج صورته كمخلّص للبلاد من الإرهاب، والراعي الأوّل والوحيد للثقافة، وأنّ الحياة في البلاد عادت إلى سابق عهدها، كان "معرض مكتبة الأسد الدوليّ للكتاب" الذي اعتبره القائمون عليه، من ضبّاط أمن واستخبارات، شاهدًا صريحًا على انتصار الأسد على ما يسمّونه الإرهاب. المعرض شهد مشاركة دور نشرٍ عربية كانت قد قاطعتهُ فيما سبق، وسجّلت بذلك، دون شكّ، سقطة أخلاقية كبيرة ليس من السهل أن تُمحى من تاريخها، لأنّها بمشاركتها لم تروّج أو تؤكّد رسالة الأسد فقط، وإنّما جاءت مشاركتها على حساب الدماء السوريين، لا سيما في غوطة دمشق الشرقية التي هُجر سكّانها قبل مدّة قليلة من انطلاق المعرض. الخلاصة أنّ لا أحداث ثقافية حقيقية في بلدٍ لا تزال دكتاتورية الأسد تحكمهُ بالبراميل والتهجير، وأنّ كل ما يروّج لمهرجاناتٍ أو فعاليّات ثقافية، ليس إلّا جزءًا من الترويج للصورة المشتهاة للأسد ونظامه، ومحاولته فكّ العزلة التي فُرضت عليه دوليًا.

في ظلّ ما ذكرناهُ أعلاه، كان المنفى ودول اللجوء السوريّ حاضنًا لمهرجاناتٍ وفعاليّات حملت رسائل ثقافية حقيقية، وكانت بديلًا ممتازًا لمهرجانات سلطة الأسد التي جاءت دون قيمةٍ أو رسائل ثقافية، ودليلًا على أن لا ثقافة تنهضُ دون شعبٍ واعٍ ومثقّف، لا مجموعة أتباع يُساقون كيفما تشتهي السلطة، كما الحال في مناطق سيطرة الأسد. هكذا، شهدت مدينة تورنتو في كندا انطلاق الدورة الرابعة من "مهرجان سوريا للأفلام"، واستضاف متحف المهاجرين في مدينة باريس معرضًا فنيًّا تحت عنوان "انظر إليّ" شارك فيه كلّ من عمر إبراهيم، ولينا الشيشكلي، ومحمود الحلبي. بينما استضافت مدينة هامبورغ الألمانية معرضًا للفنّان التشكيليّ السوريّ يوسف عبدلكي بعنوان "أسود". ومعرضًا فنيًّا آخر لخالد بركة جاء بعنوان "الساعة الزرقاء". وافتتح تمّام عزّام معرضه الفردي في العاصمة برلين تحت عنوان "كولاج ورق". وشهدت القارّة العجوز أيضًا عدّة فعاليّات أخرى، فعرضت مسرحيات: "إيفيغينيا"، و"المهلوسون"، و"حبّك نار"، و"هيكل عظمي لفيل في الصحراء". بالإضافة إلى مهرجان "أدب ضدّ الاستبداد"، وحفل موسيقي لسميح شقير، وآخر للفنانة لينا شماميان.

الشاعر إبراهيم الجرادي

من الضروري التوقّف قليلًا عند مهنة صنعة الكتب وفضاء النشر، باعتبار أنّ الكتب، كما يُعرف عنها، تُجاري الواقع الراهن وتسعى بجهدٍ إلى تفسيره وتوثيقه وتحليله أيضًا، لا سيما في ظروفٍ شديدة البؤس كهذه. وككلّ سنة، شهدت 2018 إصدار عددٍ كبيرٍ من الكُتب الجديدة، لكتّاب من أجيال مُختلفة. الشّاعر والروائيّ سليم بركات، وكما كلّ السنوات السابقة، كان حاضرًا في المشهد الثقافيّ السوريّ، وإن من القارّة العجوز، حيث يعيش. بركات كان حاضرًا من خلال روايته الجديدة "سيرة الوجود، وموجز تاريخ القيامة" (المؤسّسة العربية للدراسات والنشر). ومن خلال مجموعةٍ شعرية أيضًا صدرت لهُ عن (دار المدى) تحت عنوان "تنبيه الحيوان إلى أنسابه".

في سياق النشر السوري، شهد العام 2018 ولادة "دار سرد" التي تعنى بنشر الأعمال السردية

في سياق الحديث عن الكتب والنشر، لا بدّ لنا من الإشارة إلى ولادة دار نشر سوريّة جديدة اتّخذت من مفردة "سرد" اسمًا يُعرّف بها عند القرّاء، ومن مدينة بيروت مقرَّا لها. وكان للدار حصّة مميّزة من إصدارات 2018، إذ أصدرت بالتعاون مع "دار ممدوح عدوان"، عددًا من الكتب لمجموعة من الكتّاب السوريين، هي: "أرواح صخرات العسل" لممدوح عدوان، و"حيّ الدهشة" لمها حسن، و"صُراح" لمنهل السرّاج، و"بين حبال الماء" لروزا ياسين حسن. بالإضافة إلى إعادة طباعة أعمالٍ أخرى كانت قد صدرت سابقًا، أبرزها روايتا "أرض الكلام" و"جهات الجنوب" للروائيّ ممدوح عدوان.

اقرأ/ي أيضًا: علي فرزات.. الكاريكاتير مع الناس وإليهم

وعن دار "هاشيت أنطوان/نوفل"، صدرت الأعمال الروائية التالية: "الغرانيق" لمازن عرفة، و"أعياد الشتاء" لنغم حيدر، و"ظلال الآخرين" لمناف زيتون، و"صعاليك هيرابوليس" لمحمد سعيد.

"منشورات المتوسّط" بدورها أصدرت عددًا من الأعمال التي تراوحت بين قصّة قصيرة وشعر وكتب غير قابلة للتصنيف، أبرزها: "الفهرس السوريّ" لعلي سفر، وديوان "ابتهالات" لعلي جازو، ومجموعة "حيث تشير البوصلة" لسناء عون، و"ملخّص ما جرى" لرشا عبّاس، وكتاب للروائي زياد عبد الله حمل عنوان "الإسلام والضحك: نواضر الخاطر في مستطرف باهر". ومجموعة قصصية لعدي الزعبي تحت عنوان "نوافذ".

في النهاية، لا يكتمل حصاد السنة من دون ذكر الغيابات الموجعة لعدد من الأدباء والمثقّفين السوريين، كالروائي حنّا مينه، والشاعر إبراهيم الجرادي، والفنانة مي سكاف، والمفكّر سلامة كيلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:​

الروائية روزا ياسين حسن: لا نجاة لنا بغير الفنّ

طيب تيزيني.. ناقد الثقافة والاستبداد