03-يناير-2018

في 2017، استكمل النظام المصري مسيرة القمع التي بدأها منذ تموز/يوليو 2013 (عمرو عبدالله/ رويترز)

عام ثقيل آخر مرّ على مصر، التي عرفت فيه استمرارًا لمسلسل القمع والقتل والمنع والحجب، فلم تكن وضعية الحقوق والحريات في مصر خلال 2017، أفضل من الأعوام السابقة، بل ربما كانت أسوأ، بابتكار النظام أشكالًا جديدة للسيطرة والقمع. 

فمثلًا شهد عام 2017 ما عرفت بـ"مجزرة المواقع"، لمّا حجب النظام ما يزيد عن 400 موقع إلكتروني، لا تزال محجوبة، من بينها موقع "ألترا صوت". التضييق أيضًا وصل لمداه، كأن يُضيّق أو بالأحرى يُنكّل على كل من سوّلت له نفسه الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في حزيران/يونيو من العام الجديد.

كانت 2017 سنة ثقيلة أُخرى على مصر، عرفت فيها استمرارًا لمسلسل القمع والقتل والمنع والحجب، الذي بدأ منذ تموز/يوليو 2013

الاختفاء القسري والاعتقال وحبس الصحفيين والمنع من السفر، وغيرها، كانت مستمرة على منوال العام الماضي والذي يسبقه، لولا أن زادت عليها مُؤخرًا مذابح الإعدامات في قضايا منظورة أمام محاكم عسكرية، وهي معيبة بذلك في نفسها، أو قضايا غابت عنها الشفافية وشابها التسييس، وطبعًا تعرض المتهمون فيها للتعذيب.

الانتخابات وحجب المواقع

التضييق المتصاعد ضد من يفكر في المعارضة سلوك مستمر منذ سنوات في مصر، ولكن النظام الحالي صعّد من حملته ضد كل من أعلن عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، وكان أبرزهم، للعجب، أحمد شفيق المرشح الرئاسي الأسبق، وآخر رؤساء وزراء الرئيس المخلوع حسني مبارك. وخالد علي، المحامي والمرشح الرئاسي في انتخابات 2012، والنائب السابق محمد أنور السادات وكذلك العقيد بالجيش أحمد قنصوة.

اقرأ/ي أيضًا: "محدش هيترشح هنا".. فوبيا النظام المصري من المرشحين للرئاسة أمام الجنرال

وفي حالة أحمد شفيق، لم يتعامل النظام بأي دبلوماسية مع واحدٍ محسوب في النهاية على الدولة، وكان يعيش في الإمارات حليفة السيسي، التي استضافته باعتباره أحد رجالها.

وبعد عودته من الإمارات، أو بالأحرى ترحيله، يُقيم شفيق في فندق، في حالة أشبه بالإقامة الجبرية أو على الأقل تحديد الإقامة والتحركات. ومع الضغوط التي مورست عليه، سواءً منذ كان في الإمارات بعد إعلانه ترشحه للرئاسة، أو بعد عودته/ترحيله لمصر، من الإعلام ومن النظام بشكل خفي، أصدر شفيق عدة رسائل يُفهم منها تراجعه عن قرار الترشح.

أمّا خالد علي فقد قدم بحقه بلاغ كيدي، وصدر بسببه حكم بالحبس لمدة ثلاثة أشهر في أول درجة في التقاضي، وفي حالة تأكيد الحكم لن يتمكن من الترشح. بينما كان السادات -المفصول من البرلمان الحالي- الأقل عرضة للتضييق حتى الآن من بين المرشحين، واكتفى النظام بمنع الفنادق من استقبال المؤتمر الصحفي لإعلان ترشحه. 

العقيد أحمد قنصوة كان الأسوأ حظًا، وربما من جهة الأكثر جرأة، بإعلان شخصٍ من داخل المؤسسة العسكرية، الترشح في مواجهة عبدالفتاح السيسي، وبالزي العسكري، فقد حُكم عليه عسكريًا بالسجن ست سنوات، رغم أنّ التهمة الموجهة إليه، وهي إعلان الترشح بالزي العسكري، كان يُفترض بها أن توجه للسيسي، الذي وللعجب أعلن هو الآخر نيته للترشح بالزي العسكري!

جديد النظام المصري هذا العام في القمع وكبت الحريات، كانت ما عرفت بـ"مجزرة المواقع"، أو حجبه لأكثر من 400 موقع إلكتروني ما بين مواقع صحفية وإخبارية يعتبرها النظام معارضة، من بينها موقع "ألترا صوت"، وحتى مواقع تجاوز الحجب!

"الحجب للجميع" كان شعارًا للنظام المصري في 2017 (Access Now)
"الحجب للجميع" كان شعارًا للنظام المصري في 2017 (Access Now) 

بدأت حملة حجب المواقع، مع بدأ الحملة المفبركة من دول الحصار ضد قطر، وتصاعدت بمرور الوقت لتشمل عددًا مهولًا من المواقع الإلكترونية، دفعت منظمات حقوقية، بل مسؤولين أممين، إلى التنديد بهذا الحجب واسع النطاق، ففي كل يوم تقريبًا يكتشف المصريون موقعًا جديدًا دخل نطاق الحجب أيضًا.

نظام يكره الصحافة

استمرارًا للقمع الذي ما كادت تنفك منه مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا وعاد بصورة أسوأ واقسى في تموز/يوليو 2013؛ شهدت عام 2017 مزيدًا من الانتهاكات بحق الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، باستمرار حبس صحفيين، ومنع آخرين من مزاولة عملهم.

ورغم أنّ البعض قد توقع الموافقة على إخلاء سبيل عدد من الصحفيين الذين نالوا أحكامًا بالبراءة في منتصف العام، بعد سنوات من الحبس الاحتياطي؛ أنها بادرة أمل وانفراجة في وضعية حرية الصحافة في البلاد. لكن ما لبثت أن عادت الأمور إلى نصابها القمعي، فتصاعدت الحملة الأمنية لاعتقال أعدادٍ من الصحفيين والعاملين في الإعلان، عبر قضيتين عرفت إحداهما باسم "مكملين 2"، وألقي القبض على الصحفيين أحمد عبدالعزيز وحسام السويفي، بعد وقفة رافضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية لدى الاحتلال الإسرائيلي إلى القدس المحتلة.

ووفقًا لما أعلنته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في أيار/مايو 2017، فإن عدد الصحفيين المصريين المعتقلين، يبلغ نحو 58 صحفيًا.

شهد عام 2017 في مصر، تصاعدًا لعمليات القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب الممنهج في السجون وأماكن الاعتقال

هذا وتحتل مصر مرتبة متدنية جدًا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2017، إذ تأتي في المركز 161 من أصل 180. وفي العام الماضي استطاعت مصر بجدارة تحقيق المركز الثالث عالميًا من حيث اعتقال الصحفيين الذين من بينهم صحفيون على ذمة الحبس الاحتياطي لأكثر من أربع سنوات كالمصور الصحفي محمود أبوزيد شوكان.

الانتهاكات الجسدية والقتل خارج نطاق القانون

والانتهاكات التي استمرت منذ سنوات وتصاعدت خلال 2017، كان على رأسها القتل خارج نطاق القانون، ومن أبرز تلك الحوادث، ما كشف عنه مقطع فيديو بُثّ في نيسان/أبريل الماضي، يُظهر أفرادًا من قوات الجيش المصري في سيناء، ينفذون إعدامًا ميدانيًا بحق محتجزين عُزّل.

اقرأ/ي أيضًا: "أشياء لا تصدق".. تقارير جديدة تفضح جرائم التعذيب لدى أجهزة الأمن المصرية

بداية نشر مقطع الفيديو أثارت بعض الشكوك، حتى تأكد الأمر بنشر صفحة المتحدث العسكري الرسمي، صورًا لنفس الأشخاص الذين ظهروا في مقطع الفيديو، قال إنّهم إرهابيين استطاع القوات الأمنية القضاء عليهم!

أحدث مقطع الفيديو هذا جلبة كبيرة، وصلت للكونغرس الأمريكي ، فضلًا عن المنظمات الحقوقية الدولية التي أدانت الحادث الذي وصفته بالقتل خارج نطاق القانون.

وخلال شهر واحد في 2017، أعلنت قوات الأمن تحت عنوان "تصفية"، قتل نحو 59 معارضًا. ولا يوجد رقم معلن حول حالات القتل خارج إطار القانون خلال العام 2017، والذي تزايدت حالاته عقب زيارة ترامب للمنطقة، وفقًا لتقرير واشنطن بوست. 

وإلى جانب القتل خارج إطار القانون، كثرت حالات تنفيذ أحكام الإعدام، خاصة في الشهر الأخير من العام المنصرم. وبشكل عام توسعت مصر في إصدار أحكام إعدام بحق سياسيين وجنائيين.

وفي أيلول/سبتمبر، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا حول التعذيب خلال الفترة ما بين 2014 و2016، تحت عنوان "هنا نفعل أشياء لا تصدق"، كشف عن جرائم التعذيب في السجون وأماكن الاعتقال بمصر، وتورط أمناء وضباط شرطة في عمليات تعذيب ممنهجو بحق معتقلين سياسيين. واعتبر التقرير أن جرائم التعذيب التي رصدها بالحديث لـ19 معتقلًا سابقًا وأقارب معتقلين حاليين؛ ترقى لـ"جرائم ضد الإنسانية".

برلمان صامت إلا لتقنين القمع

البرلمان المصري الصامت دائمًا عن مشكلات وأزمات الشعب رغم ما يفترض من دوره الرقابي على أداء الحكومة والرئيس، لا يُسمع له صوت إلا إن كان لتقنين القمع، باعتباره في النهاية أداة -ليس أكثر- للنظام الحاكم.

يعتمد النظام بشكل واضح، على البرلمان المصري، كسكرتير تشريعي ليس إلا، ولا مانع من إحراج نوابه كما حدث في إحدى المرات خلال افتتاح مشروعات في مدينة دمياط في أيار/مايو 2017، عندما صرخ السيسي في وجه برلماني طالب بإرجاء زيادة الأسعار، وبرفع الحد الأدنى للأجور لثلاثة آلاف جنيه (حوالي 165 دولارًا). قاطع السيسي بانفعال، وقال له باستهزاء بالغ: "إنت مين؟"، فرد النائب: "عضو مجلس شعب"، فقاطعه السيسي مرة ثانية باستهزاء مضاعف: "نواب إيه!".

الفعل لدى البرلمان كان استثناءً، موقوفًا على تمرير قوانين التضييق والقمع، كالموافقة على التجديدات المستمرة لحالة الطوارئ، رغم عدم نجاعتها في مكافحة الإرهاب الذي تزداد عملياته النوعية مرة بعد الأخرى.

ومن أبرز القوانين التي أثارت جدلًا كبيرًا، لتأثيرها المباشر على المجتمع المدني والحريات في مصر، كان قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذي وافق عليه البرلمان في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، ولكنه ظل حبيس الأدراج إلى أن صدق عليه عبدالفتاح السيسي في أيار/مايو 2017.

البرلمان المصري في 2017، امتاز بالصمت عن كل تجاوزات الحكومة، إلا فيما يخص تقنين القمع والانتهاكات

النشاط العمالي أيضًا كان له نصيب من القمع، حيث أصدر البرلمان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قانون المنظمات النقابية العمالية، وسط رفض النقابات العمالية المستقلة للقانون، الذي اعتبروه محاولةً للقضاء على النقابات العملية وليس تنظيمها. 

هناك أيضًا مشروع قانون إسقاط الجنسية، الذي قدمته الحكومة للبرلمان الذي لم يُصوّت عليه للآن. وفي حال إقرار مشروع القانون، فإن كثيرًا من المعارضين المصريين في الداخل والخارج سيكونون تحت وطأة إسقاط الجنسية عنهم وفقًا لهوى السلطات!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحبس والغرامة لمن يهين رموز الدولة.. آخر تقليعات القمع في مصر السيسي!

حصاد الحرب السورية في 2017.. فاجعة مستمرة ضحيتها آلاف المدنيين