05-يناير-2016

رمزي حيدر (أ.ف.ب/Getty)

يعود استخدام الحشيشة، أو نبتة القنب الهندي إلى عشرة آلاف سنة ما قبل الميلاد حيث سُجل الاستخدام الأول لها في مناطق السهوب في آسيا الوسطى أو الصين، وعُدّت زراعة الحشيشة في شمال الهند تقليدًا اجتماعيًا وعُرف باسم غانجا، ليمتد إلى غرب البنغال وراجاستان.

تدخل الحشيشة في الطب والطقوس الشعبية لدى عدد من الشعوب في العالم

وتعدّ الحشيشة سلاحًا ذا حدّين، سلاح للطب ضدّ العديد من الأمراض، وسلاح قاتل للإنسان إذا أسيء استخدامه، علمًا بأن الأورغواي كانت الدّولة الأولى التي تشرّع إنتاج وزراعة نبتة القنب الهندي مع أن أصل النّبتة هو من بلاد المغرب، أرفقت الحكومة الأرغوانية التّشريع بقوانين تحدد نِسب الاستهلاك بأربعين غرامًا من صيدليات تُشرف عليها الدولة شرط أن يكون عمر المستهلك ثمانية عشر عامًا وما فوق.

لم تكن الأورغواي وحدها البلد المشرّع ومن سمح باستخدام الحشيشة، بل سبقتها هولاندا وولايتا كولورادو وواشنطن الأمريكيتان، كما أفغانستان التي تبيع محصولها من الأفيون لبريطانيا بقيمة أربعة ملايين دولار، حيث تقوم بريطانيا بدورها ببيعه بقيمة مائة وأربعين مليون دولار لأغراض طبّية ولصناعة الدّواء، بينما صنّفت الأمم المتحدة المغرب كالدّولة الأولى عالميًا في إنتاج نبتة القنب الهندي بنسبة 65% من ميزان الصادرات العالمية حيث تتم فيه زراعة حشيشة الكيف تحت إشراف الدّولة حاله حال تركيا، حيث تشتري الدّولة المحصول وترشّد استخدامه لأغراض طبّية ولصناعات أخرى أو لتصديره.

ما الأخطر، الحشيشة أم الكحول؟

اللافت هو أن استهلاك القنب الهندي "الحشيشة" أقل خطورة من احتساء الكحول أو التّدخين بحسب منظمة بيكلي فاونديشن البريطانية، إذ إن عدد الوفيات جرّاء تعاطي القنب الهندي لا يتجاوز العشرة سنويًا بينما يبلغ عدد ضحايا الكحول وتدخين التّبغ قرابة المائة وخمسين ألفًا سنويًا في بريطانيا وحدها، بينما يُسجّل ألف وأربعمائة حالة وفاة سنوية في كولورادو جراء إدمان الكحول بينما لم تُسجل أي حالة وفاة بسبب استهلاك الماريجوانا، حيث إن استهلاك الحشيشة وبما يحمله من خطر، لا يُتلف خلايا الدّماغ بالقدر الذي تتلفه الكحول ويستعمل في صناعة الأدوية التي تعالج الخلايا المُتلفة، كما ويسبب الكحول حالات اكتئاب ٍوإدمان مرضي، في حين أن القنب أو الحشيشة هي مادة غير مسببة للاكتئاب بل تُساعد على التخلص منه وتعمل كمهدّئ.

يسبب التّدخين والكحول السّرطان وتُستعمل الحشيشة والقنب كدواءٍ للعلاج منه، عدا عن كلفة العلاج الباهظة لإدمان الكحول والتي تصل إلى المليارات سنويًا، ببساطة، الإدمان والشّرب المسرف للكحول يؤدّي للموت بينما يستحيل ذلك عندما يتعلّق الأمر بالحشيشة لو مهما كانت الكمّية، عدا عن المشاكل الاجتماعية التي قد يكون الكحول في معظم الأحيان المسبب الرّئيس لها كالعنف، القتل والمشاكل الاجتماعية.

لبنان والحشيشة

عمر "المبروكة" أكبر من عمر لبنان، الحشيشة أو "المبروكة" حسب ما يسميها المزارعون حجزت لنفسها مكانًا على منحوتات قلعة بعلبك عند هياكل معبد "باخوس"، وحشيشة لبنان تقسّم إلى قنب هندي أو قنب عادي، وهي نبتة يراوح طولها 1 إلى 2.5 م، أوراقها طويلة على شكل مروحة بأزهار صغيرة الحجم خضراء اللون بغلاف زهري. تنتج النبتة الأنثى من القنب مادة رائجة اسمها "تتراهيدروكانابينول" وتعتبر هي المادة المخدّرة الأساس.

بحكم الطّبيعة الجغرافية الملائمة في البقاع، من حيث البرودة، الجفاف والصّقيع حتّى في الرّبيع، بينما يتحوّل الطّقس إلى جاف وحار صيفًا، يزرع الحشيش في شهري آذار ونيسان حسب المنطقة، وتختلف كمية البذار حسب الإنتاج المراد، ألياف أو بذور، إنتاج البذور بحاجة لبذر "15 إلى 25 كلغ بذور في الدّونم"، يتم نثر البذور خلف سكّة الفلاحة أو باستعمال البذّارات الآليّة. أمّا خدمة المحصول بعد الزراعة فتتم عبر عمليّات الترقيع، والتفريد والعزيق والري بالإضافة إلى التسميد.

 احتل لبنان المركز الأول في الشّرق الأوسط للمخدرات إبّان الحرب الأهلية، وكان ينتج ما بين 30 و50 طنّ من الأفيون

احتل لبنان المركز الأول في الشّرق الأوسط للمخدرات إبّان الحرب الأهلية، وكان ينتج ما بين 30 و50 طنّ من الأفيون المكوّن الأساسي للهيرويين، وتعود زراعة الحشيشة رغم منعها قانونًا في البقاع عامةً والبقاعين الأوسط والشّمالي خاصةً إلى غياب الإنماء كما الخدمات حتّى البسيطة منها، وإهمال أبناء المنطقة حيث لا بنى تحتية كالمستوصفات، المستشفيات، المدراس والجامعات. مما دفعهم للجوء إلى زراعة وبيع الحشيشة لمَ توفّره من مدخول قد يصل للمليون دولار للمزارع الواحد سنويًا، يصل عدد مزارعي البقاع إلى 60% من سكّانه أي أنّه يعتمد على الزّراعة كمورد أساسي للعيش، لكن غياب الرّزنامة الزّراعية والدّعم من قبل الدّولة يضعه تحت رحمة التجار الذين يشترون محصوله من المزروعات الشّرعية بأرخص حتّى من سعر التّكلفة، وهذا ما يدفعه لترك الزّراعات المشروعة والانتقال لزراعة الحشيشة التي كانت تُدرّ على منطقة بعلبك-الهرمل في الثّمانينيات أكثر من 500 مليون دولار.

أطلقت الحكومة مع بداية التسعينات وبعد انتهاء الحرب الأهلية، برنامجًا لدعم الزّراعات البديلة برعاية الأمم المتحدة بهدف استئصال زراعة المخدّرات، إلى أن أعلنت الأمم المتحدة سهل البقاع خالٍ من المخدرات عام 1994 بفضل تعاون المزارعين، راصدًا كلفة 300 مليون دولار ككلفة عدم العودة لزراعتها. لكن الدّولة سلّمت حتّى الـ2001 مبلغ 17 مليون دولار فقط، مما أدّى إلى فشل البرنامج وازدهار زراعة الحشيشة بشكلٍ أكبر، فالمزارع عاد ليزرع، والدّولة عادت لتتلف ما يقارب 1000 و6500 هكتار سنويًا في بعلبك الهرمل.

المدخول السنوي للمزارعين اللبنانيين المحليين من زراعة الحشيشة يتراوح بين 30 و80 مليون دولار

يتراوح المدخول السنوي للمزارعين المحليين من هذه الزراعة بين 30 و80 مليون دولار، حسب المنطقة المزروعة وسعر السوق، اللذين يتقلبان لأسباب مختلفة. ولكن يُعتقد بأنّ التجار الذين يبيعهم المزارعون المحصول يكسبون بين أربعة إلى عشرة أضعاف هذا المبلغ، ومردود الدونم الواحد للحشيشة يبلغ 10 آلاف دولار للعائلة، ما يجعل القيمة الإجمالية لهذه الصناعة بين 120 و800 مليون دولار في السنة (أي ما يقارب نسبة 0.3% إلى 1.8% من إجمالي الناتج المحلي)، في حين حدّدت تقديرات غير رسمية الرقم بـ 875 مليون دولار، ويُصدّر 95% من الإنتاج المحلّي للخارج، هولندا وكندا بشكل خاص.

الزراعات البديلة

بعض النباتات التي تنتمي إلى مجموعة الحبوب مثل القمح والشعير يصلح لأن يكون زراعات بديلة للمخدّرات خصوصًا أنها محاصيل ذات أهميّة استراتيجيّة كونها متصلة بشكل مباشر بالأمن الغذائي. كذلك نباتات كالذرة ودوّار الشمس والشمندر السكّري تصلح أيضًا كزراعات بديلة. بدورها، دخلت النباتات العلفية كالصويا والفصّة والبرسيم والشمندر العلفي وغيرها، في برامج الزراعات البديلة، وأخيرًا اعتمدت النباتات الطبيّة والعطرية وفي مقدمها الزعتر وإكليل الجبل والسمّاق والمليسة والمردكوش والورد الجوري وغيرها من النباتات التي يتحدّر معظمها من هذه المنطقة أو تأقلم فيها منذ زمن طويل بحيث، أصبحت جزءًا من المركّب الجغرافي-المناخي الذي نعيش في ظلّه. كل هذه النباتات وغيرها الكثير، كالخضار في البيوت البلاستيكيّة والورود، قادرة على أن تكون زراعات بديلة ناجحة شرط أن تتوافر لها أسباب النجاح المتمثّلة بدعم الدولة لخفض كلفة الإنتاج وحماية هذا الإنتاج من المنافسة وتصريفه، والتعويض على المزارعين في حالات الكوارث الطبيعية.

محاولات الزّراعات البديلة ليست وليدة اليوم، بل تعود للستينيات عندما وعد الرئيس شارل حلو بدعم الزراعات البديلة وفي مقدمتها زراعة دوّار الشّمس، وتخصيص ميزانية لشراء المحصول. نجحت التّجربة في السنة الأولى بينما فشلت بعدها وتكدّس المحصول في المخازن، لكن هناك زراعات ممكن أن توفّر على الدّولة ملايين الدولارات سنويًا كنبتة العصفر، والتي يُمكن أن يُستخرج الزيت منها بدل استيراد زيت الصّويا.


تحدّي أم حلم

كيف يمكن للمزارع أن يتجه نحو الزراعات البديلة في ظل غياب الدّعم من قبل الدّولة والمنافسة على منتجاته؟ لماذا لا يلتزم التّجار المستوردون بالرّزنامة الزّراعية التي أقرّتها وزارة الزراعة؟، لماذا يُحارب المزارع الذي يزرع الحشيشة ولا يحارب التاجر، في حين أن المزارع ربما لا يتعاطى الحشيشة أصلًا؟

زاد الطّلب على الحشيشة في السّنة الماضية في ظل اشتعال الحرب السورية وعدم متابعة الدّولة للملف، كما تصدير الحشيشة إلى سوريا ثم تركيا، بينما تسمح إسرائيل بزراعة الحشيشة واستخدامها في صناعة الدّواء، يمتنع لبنان عن التّشريع مما يحرم الدّولة قرابة ملياري دولار سنويًا، كما تفعيل قطاعات صناعية أخرى كثيرة، منها الحبال والقماش والأعلاف.

 

اقرأ/ي أيضًا:
لبنان.. الدولة ومخدرات أبو سلة
عن الأكلاف الاقتصادية للإرهاب