02-يوليو-2021

الشاعر حسين جرود

يكتب حسين جرود قصائده وينشرها على صفحته في فيسبوك. وسيلة التواصل الاجتماعي الأشهر والتي يقول عنها ريتشارد سينيت أنها أكثر وسائط التعريف بالنفس مدعاة للتعري الكامل. حيث يجدر بمستخدمها ليتسنى له التواصل مع آخرين أن يكون بلا أسرار تقريبًا.

بحسب عالم الاجتماع ريتشارد سينيت، يجدر بمستخدم فيسبوك، ليتسنى له التواصل مع آخرين، أن يكون بلا أسرار تقريبًا

حكم سينيت ليس قاطعًا. ثمة استخدامات أخرى يمكن اختراعها لفيسبوك. استخدامات من قبيل استعمالها كدفتر مذكرات. مجموعات حسين جرود تلامس هذا الجانب من الاستخدام. أقله في مجموعته الأخيرة التي عنونها "أول شيء.. سيرة زيتية". لكن هذه المذكرات تختلف عن مذكرات العادي من الحوادث والعلاقات. لا تذهب المجموعة إلى التصريح. بل هي دائما تخمن. أحيانًا تندهش، وأحيانًا تروي ما يختزن في المشاعر لا الذاكرة.

اقرأ/ي أيضًا: عن فتى الشّعر الأزرق وصاحبِ اليوتوبيا

إنما ومع قدرة هذه المجموعة على ملامسة العميق في النفس، نفس القارئ، لا تخرج من إطار التأريخ. تأريخ المجهول، المهمش، المنطوي، والسائر من الحوادث والحيوات. خمسة كيلومترات من أشجار الزيتون، هي المسافة الفاصلة بين دار الحرب السورية، ودار اللجوء التركية، هذه المسافة قطعها الشاعر مرات ومرات. لكن هذه المرات لم تتشابه. أو لنقل إن المرة التي مشاها وحيدًا "هاربًا/ يوم انهار العالم/ أول مرة" هي المرة التي جعلت هذه المسافة ذات معنى. قبل انهيار العالم كانت تلك مجرد مسافات، وحين انهار أصبحت تشبه برزخًا يفصل بين الحياة والموت. والحال، ولأن العالم قد انهار فلا مفر من تأريخ هذه المسافة التي كانت مهملة ومنسية كمثل حياة الكثيرين مجهولي الهوية الذين أمضوا أعمارهم في المساحات التي نجهلها. بل إن حياة الشاعر نفسها، صارت قابلة للتأريخ بوصفه قطع هذه المسافة بين المجزرة والغربة:

" ونحن نشاهد الكابتن ماجد

حلمنا أن نكون لاعبين

/

ونحن نشاهد سوبرمان

حلمنا أن نكون أبطالًا خارقين

/

ونحن نشاهد المجزرة

حلمنا أن نكون أحياء".

هذا الحلم الذي تحقق، بدليل أننا نقرأ تصريحًا يفيد بتحققه. يبدو غير قابل للتصديق لأن الأحياء والناجين، في التداول اليومي، وفي السائر من الأحوال، ممنوعون من رواية قصصهم، إذا لم يشفعها موت في مجزرة. حسين جرود يحاول في مجموعته أن يكسر هذا القانون. أن يروي قصص ما نجا ومن نجا، متجنبًا قصص من ماتوا، لكثرة ما باتوا يجورون بموتهم على الناجين الأحياء.

يحاول حسين جرود أن يروي قصص ما نجا ومن نجا، متجنبًا قصص من ماتوا، لكثرة ما باتوا يجورون بموتهم على الناجين الأحياء

في الاجتماع هذه مجموعة شعرية ذات أثر. ذلك أنها لا تنحو نحو تمجيد الشهداء، ولا تأبيد المعاناة. إنها في معنى ما توثيق حياة لأحد الذين نجوا. والمعنى الكامن في أن هذه المجموعة ذات أثر يتصل مباشرة بمحاول نقل المسألة السورية من صعيد السياسة إلى صعيد الاجتماع. فكل حديث عن التعذيب والقتل والمجازر، وهو حديث يستحق أن يروى طبعًا، وأن تجري محاسبات على أساس وقائعه، يحيل السوريين جميعًا إلى كائنات سياسية. لكن الشعر، وهذا ما يقترحه حسين جرود، يمكنه أن ينقل الناجين من صعيد العمل السياسي المباشر والجاف إلى صعيد الاجتماع الذي على كاهله تقع مهمة الاستمرار في العيش كسوريين. 

اقرأ/ي أيضًا: عن مؤَلِّفٍ اسمُهُ اللّسان

يذكر أن حسين جرود شاعر سوري من مواليد 1991، له: فلسفة القاع دار كتابك فرنسا 2006، المجموعة الناقصة رابطة الكتاب السوريين 2021.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استعادة "لفظ في البرد" لعباس بيضون

قصائد "جحيم حيّ": أناشيد الشتات