09-نوفمبر-2015

حسام أستاذ الصحافة الاستقصائية في مصر

أول مرة أرى دموع حسام كانت وهو يسمع شهادة الطبيب الشرعي عن الجثث التي دهستها مدرعات الجيش في واقعة ماسبيرو. كان الطبيب يقول إن الجثث تشوهت بفعل الدهس وتغيرت ملامحها. كان التحريض على أشده ضد الأقباط وكانوا يطاردونهم في الشوارع ويهتفون: يا كفرة يا أولاد الكلاب.. كما همس لي زميل في العمل شارك في المظاهرة. هذا الزميل هاجر بطبيعة الحال. اليوم حسام بهجت تم تحويله لمحكمة عسكرية.

في مصر الصحافة ليست فقط مهنة المتاعب وحسب، بل مهنة الاغتيال المضمون 

في مصر الصحافة ليست فقط مهنة المتاعب، بل مهنة الاغتيال المضمون، ليس فقط اغتيالًا معنويًا وماديًا، بل اغتيال قد يصل إلى التصفية الجسدية. كل ما هو مطلوب منك أن تكون في موقع الحدث أو أن توثق حدثًا، أو أن يقع شغلك في يد لواء يشرب قهوته الصباحية وهو متعكر المزاج فيثيره ما تكتبه. 

حسام بهجت متهم في المحضر رقم 4477 لسنة 2015 جنح عسكرية والاتهامات الموجهة إليه هي: إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وفقًا للمادة 102 مكرر من قانون العقوبات. وإلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية. ونشر معلومات وبيانات تضر بالسلم العام والمصلحة الوطنية، طبقًا للمادة 188 من قانون العقوبات.

يوم الاثنين في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر نشرت جريدة "الشروق" تصريحًا للرئيس عبد الفتاح السيسي يقول فيه لـ"سي إن إن": "إن حرية الصحافة ووسائل الإعلام في مصر محققة بشكل غير مسبوق". لكن أحدًا في مصر المقموعة الآن لن يذكر هذا التصريح في وسائل الإعلام المحرضة المنحازة وهو يتحدث عن حسام بهجت.

حسام أستاذ الصحافة الاستقصائية في مصر، والقضية التي أزعجت الجنرالات وتم استدعاؤه للتحقيق فيها تم صدور حكم من المحكمة بالقضية بالفعل، وأصبحت أوراقها متاحة ومعلنة للجميع. أي أن كل ما فعله حسام هو تفعيل حسّه كصحفي واستخدام حقه في البحث والاستقصاء في القضية وإعادة نشر تفاصيلها للرأي العام.

التساؤل العظيم الذي يطرح نفسه في مصر دومًا في تلك المواقف هو: إذا كانت المادة 204 من الدستور المصري تحظر محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرًا على المنشآت العسكرية، فلماذا تتم مساءلة حسام بهجت أمام قضاء عسكري؟ وإذا كانت هذه القضية بالتحديد هي ما تثير حفيظة الإخوة الأشقاء في الدولة العسكرية الشقيقة التي نعيش بداخلها فلماذا لم يتم حظر النشر فيها من الأساس، وهو أمر سهل جدًا في مصر، وقد حدث من قبل في قضايا مثل الاعتداء على السائحين المكسيكيين وغيرها؟

الشعب، حسب رأي السيسي، جزء من الجيش وليس العكس

حسام بهجت أفضل من يضع يده في "عش الدبابير"، كما يقال، وهو يعمل في ظروف لا يمكن لعاقل أن يتصور أنها آمنة، بل هي معقدة أشد التعقيد. نحن في مصر الآن في مزاج أمني مضطرب، البطش لا سقف له، المعارض وغير المعارض تحت ضرس النظام، الحصول على المعلومات مهمة شاقة ومقرفة في دولة لا تعتمد الشفافية كمبدأ عام في تعاملاتها الإدراية. لا يوجد مبدأ واحد ثابت في مصر يضمن تطبيق القانون على المؤسسة العسكرية، فالشعب كما يقول الرئيس جزء من الجيش -كما ورد في حديثه مع مذيعة الـ"بي بي سي"- وليس العكس.

القضية التي قام فيها حسام بهجت بالموضوع الاستقصائي الخاص بمحاكمة عناصر من الجيش بتهمة الانقلاب نشرتها الـ"بي بي سي" عربي في السادس عشر من آب/ أغسطس عام 2015، أعادت "بوابة يناير" نشر الموضوع تضامنًا مع حسام في الأحد الماضي، ويمكن لمن يريد الاطلاع على تفاصيلها أن يفهم بعد قراءة متعجلة لماذا حسام بهجت ولماذا هذا التوقيت تحديدًا.

في تقديري الجيش يخشى الفوضى، خصوصًا وقد توفرت لهذه الدولة كل عوامل الانهيار، لكن التململ هذه المرة جاء من داخل الجيش وهو أمر لا تتحمله ولا تسمح به المؤسسة العسكرية في مصر. يقول صلاح عبد الصبور: "رعب أكبر من هذا سوف يجيء". وهذا ما أعتقده أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا:

حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

مَن يُنظم انهيار السيسي؟