10-سبتمبر-2016

مظاهرة لأنصار حزب التحرير للاعتراض على الدستور التونسي 2014 (Getty)

يرفض حزب التحرير، الذي ينشط في تونس بصفة قانونية منذ خمس سنوات، النظام الجمهوري والديمقراطي داعيًا لما يسميها دولة الخلافة، وتلك هي خصوصيته في المشهد الحزبي، بيد أن الحزب قد يكون، للمفارقة، امتحانًا جديًا للجمهورية الثانية التي أسسها دستور 2014 في ظلّ الخشية من انتكاسة المسار الديمقراطي. حيث تطرح المعركة الجارية بين الحكومة والحزب أسئلة تبحث عن إجابات حاسمة من بينها، هل يجب بالضرورة على الأحزاب السياسية أن تلتزم بالدولة المدنية وبالنظام الجمهوري؟ والتتابع، هل يُمنع من حق التنظم الحزبي من يدعو إلى نظام آخر غير النظام الديمقراطي كالخلافة أو غيرها؟

السؤال الأساسي هو هل يجب على حزب التحرير أن يعدل من نظامه الأساسي كي لا يتعارض مع الدستور وذلك ليظل حزبًا قانونيًا في الساحة التونسية؟

الإجابة عن هذين السؤالين ليست يسيرة حيث تتعلق بمسألة تأسيسية كان يذهب الظنّ بأن الدّستور قد حسمها وأن الزمن قد تجاوزها بانتهاء صياغته، ولكنّ تأكد خلاف ذلك. لتكون النخبة السياسية الحاكمة من جهة أولى والقضاء من جهة أخرى كعنوانين للنبش والضبط، وما بينهما تبين مساحات الحوار والنقاش الفكري كأطر يحبذ العديد أن تكون المجال الوحيد للجدال بعيدًا عن منطق القانون والإجبار.

اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد

في منتصف الشهر الفارط، قضت المحكمة الابتدائية بالعاصمة بطلب من رئاسة الحكومة بتجميد نشاط حزب التحرير لمدة شهر واحد لمخالفته لمرسوم تنظيم الأحزاب السياسية وتحديدًا ما يتعلق الفصل الثالث الذي يلزم الأحزاب أن تحترم، في قانونها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها، مبادئ الجمهورية وعلوية القانون والديمقراطية. ولم يمثّل طلب تجميد النشاط إلا خطوة أولية يفرضها القانون قبل طلب حظر الحزب نهائيًا. وعمومًا لم يمرّ أسبوعان على صدور الحكم القضائي المذكور حتى ألغته المحكمة بعد طعن قدّمه الحزب.

لم تكن المواجهة القانونية في المحاكم بين الحكومة من جهة والحزب من جهة أخرى، دون تأسيس سياسي كمحرّك بالضرورة، إذ لم يكن قرار الحكومة التوجه للقضاء إلا نتاج قرار صادر من القصبة (رئاسة الحكومة) بدعم من قرطاج (رئاسة الجمهورية). وهو دعم عبّر عنه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بصراحة خلال ترؤسه لاجتماع لمجلس الأمن القومي بقوله "يجب وضع حدّ لحزب التحرير".

بعد يوم واحد من قرار إلغاء قرار تجميده، أصدر الحزب بيانًا ندّد فيه بتمزيق قوات الشرطة للافتة الحزب أمام مقرّه الرئيسي. في هذا الجانب، لم يكن التعامل الأمني مع الحزب بجديد، قبل أشهر قليلة، اعتقلت قوات الأمن عددًا من قادة الحزب وأعضائه، حيث تم التحقيق معه قبل إطلاق سراحهم لاحقًا. كما سبق ومنع الأمن عقد المؤتمر السنوي للحزب رغم صدور حكم قضائي بإلغاء قرار وزير الداخلية الرافض لانعقاد هذا المؤتمر. وهو ما زاد التخوفات من تجاوز الحكومة لقرارات القضاء وعدم احترامها بتعلّات أمنية.

اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر

في هذا السياق، كشفت قضية حزب التحرير التباين بين الحكومة من جهة والقضاء العدلي والإداري من جهة أخرى، وهو ما جعل هذه الحكومة في موضع القاصر والخاسر وإن وقتيًا على الأقل في معركتها القانونية مع الحزب. ولعله لذلك صرّح رئيس الجمهورية مؤخرًا بنبرة لوم للقضاء بقوله "في كلّ المرّة القضاء يسامحو" في إشارة للأحكام القضائية المنصفة لحزب التحرير في نزاعه مع الحكومة، التي قررت مؤخرًا اللجوء إلى القضاء العسكري، في تطور لافت، وذلك بمناسبة بيان الحزب السابق ذكره.

حيث صرح الحزب في معرض إدانته للحكومة بقوله: "ولتعلم الحكومة ومجرموها وأسيادها الإنجليز أن هناك رؤوس وأيادٍ ستقطع"، فيما اُعتبر دعوة للعنف وهو ما نفاه الحزب مؤكدًا نبذه له. وإشارة الحزب لـ "الإنجليز" تعود لما ذكره في نفس البيان حول "تسليم وزارة الدّاخليّة لسفارة بريطانيا لتصوغ عقيدة الأمن وتضع استراتيجيّة أمنيّة لتونس".

لم يكشف بالنهاية خيار الحكومة في التوجه للقضاء العسكري إلا رغبة منها في "الحسم" بعد أن خسرت مواجهاتها أمام القضاء المدني. ولم يكن الخيار الحكومي محلّ ترحيب حيث أدانه بشدّة رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي قائلًا إن هذا التوجه يذكره بفترة بداية التسعينيات حينما وظّف بن علي القضاء العسكري في مواجهة حركة النهضة، خاتمًا بقوله: "إذا عادت الأفعى عدنا لها بالنعال". كما أدان بدوره القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء توجه الحكومة للقضاء العسكري حيث كتب مقالا ختمه بالقول: "إن الهروب الى القضاء العسكري في قضية حزب التحرير سيكون مؤثرًا لا فقط على المبادئ بل على تجربتنا الديمقراطية واستقرارنا".

يتمثل السؤال الأساسي للقضية عمومًا حول إذا ما كان يجب على حزب التحرير أن يعدّل من نظامه الأساسي كي لا يتعارض مع الدولة المدنية والنظام الجمهوري والديمقراطي وذلك ليظلّ حزبًا قانونيًا وناشطًا في الساحة التونسية؟ الإجابة محلّ اختلاف، بيد أن خيار الحكومة في الذهاب للقضاء العسكري بدل القضاء المدني في إطار المواجهة القانونية تثير التخوفات من تقليص سقف الحقوق والحريات بالتضييق على مجال التعبير والنشاط الحزبي. وفي هذا الجانب وبخصوص أطر "المواجهة القانونية"، تبدو المحكمة الدستورية، التي من المنتظر أن ترى النور هذه السنة، هي الأكثر شرعية وقدرة على الحسم في جدل ظاهره قانوني وباطنه سياسي وفكري.

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا