19-أبريل-2022
القرآن في السويد

تتواصل الاحتجاجات ضد استفزازات اليمين المتطرف في السويد (Getty)

لا يجد بعض السياسيين الطامحين إلى الوصول إلى السلطة غضاضة في الاعتماد على شتّى الأساليب لتحقيق هذه المطامح، ولو كان ذلك عبر توظيف خطابات الكراهية ضد عرق أو دين،  أملًا بخلق حالة من الاستقطاب للعناصر الأكثر تطرفًا في المجتمع وحصد الأصوات.

يعدّ راسموس بالودان أحد أكثر وجوه اليمين المتطرّف في أوروبا إثارة للجدل 

هذا ما حاول السياسي الدنماركي السويدي، زعيم حركة "سترام كورس" راسموس بالودان، عندما دعا لتجمعات لحرق المصحف علانية في مدن سويدية عدة، يتواجد فيها مسلمون بنسبة كبيرة مقارنة بغيرها. تلك الدعوات أثارت احتجاجات واسعة تطورت إلى أعمال شغب في أنحاء عدّة من السويد. كما أثار استفزاز راسموس بالودان ردود فعل رسمية وشعبية واسعة في دول عربية وإسلامية، لا سيما وأن تجمعات الحركة جاءت بحماية من قبل الشرطة السويدية، وفقًا لفرانس 24.

من هو راسموس بالودان؟ 

راسموس بالودان (1982) هو سياسي دنماركي سويدي يتزعم حزب "سترام كورس" (الخط المتعصّب) والذي أنشئ عام 2017. ويشتهر عن راسموس بالودان تنظيمه لفعاليات لحرق القرآن الكريم، وهو ما كان يؤدي إلى توتّر مع الجاليات المسلمة، ويثير موجات من الاحتجاجات بينهم ضد الاستفزازات المستمرة من طرف بالودان وأنصاره.

درس راسموس بالودان المحاماة، وحصل على مؤهله الأكاديمي في القانون من جامعة كوبنهاغن، وكان متفوقًا في دراسته، على الرغم من تأخره في التخرج من الجامعة بسبب تعرضه لحادث دهس أثناء قيادته الدراجة، ما اضطره إلى إجراء عملية في الدماغ.

راسموس بالودان

في العام 2017، أسس راسموس بالودان حزبًا أطلق عليه اسم "الخطّ المتعصّب"، وهو حزب على أقصى اليمين، ينطلق من أيديولوجية معادية للإسلام وللاجئين غير الغربيين في أوروبا، ويتبنى خطابًا عنصريًا استفزازيًا ضدهم. وقد لجأ راسموس بالودان في عدة وقفات لحزبه إلى حرق القرآن الكريم والسخرية من الإسلام والمسلمين.

فعاليات عامة لحرق القرآن 

السلطات السويدية قالت إن صدامات عنيفة حصلت مع متظاهرين احتجوا تجمعات للحركة اليمينية المتطرفة، التي أرادت حرق نسخ من القرآن، أدت لوقوع 26 إصابة من عناصر الشرطة و14 مدنيًا خلال الأيام الأخيرة. وبحسب قائد الشرطة السويدية أندرس ثورنبرغ، اشتملت الاحتجاجات في بعض المدن على "محاولة القتل، والاعتداء الجسيم على سلطات إنفاذ القانون". 

وانطلقت الصدامات الأولى الخميس الفائت بمنطقتي لينشوبينغ ونوركوبينغ في الجنوب، وهما أول محطتين في جولة حركة "سترام كورس" المناهضة للهجرة والإسلام، فيما توجه بالودان زعيم الحركة بعد ذلك إلى أوربرو في الوسط، ثم إلى ضواحي ستوكهولم وأخيرًا إلى مالمو في الجنوب، قبل الإعلان عن تجمعات جديدة الأحد في لينشوبينغ ونورشوبينغ ألغاها في وقت لاحق.

وميّز قائد الشرطة في مؤتمر صحافي بين من أسماهم "عناصر إجرامية" استغلت الموقف لممارسة العنف، وبين المتظاهرين السلميين، مطالبًا بتوفير المزيد من الإمكانيات لقوات الأمن، بحسب ما نقل موقع يورو نيوز.

في السعي نحو السلطة

يطمح السياسي راسموس بالودان وزعيم حزب "هارد لاين"، (الخط المتعصب) اليميني المتطرف، إلى جمع توقيعات لازمة لترشحه للانتخابات التشريعية في السويد شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك من خلال قيامه بجولات وتجمعات رفقة حركته، يحرق فيها المصحف بمدن وأحياء تواجد المسلمين.

وقد سبق لبالودان أن نشر تسجيلات عبر "يوتيوب" استفزازية أثارت جدلًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، أحرق مصحفًا بعد أن لفّه بلحم خنزير مقدد، وحظر "فيسبوك" حسابه لمدة شهر بعد أن نشر صورة تربط بين الهجرة وارتفاع معدلات الجريمة، فيما حاول القيام بأعمال مشابهة في فرنسا إلا أن السلطات اعتقلته ورحّلته، كما مُنع من تنفيذ هذه الاستفزازات في بلجيكا.

وتجدر الإشارة إلى أن بالودان السويدي الذي يحمل الجنسية الدنماركية أيضًا، ترشّح من قبل للانتخابات البرلمانية في الدنمارك، إلا أنه حصد وبصعوبة عشرة آلاف صوت فقط.

تنديدات عربية وإسلامية

استنكرت دول عربية وإسلامية، كقطر والأردن والسعودية والعراق وإيران وماليزيا وأفغانستان وغيرها، قيام الحركات اليمينية المتطرفة في السويد بأعمال استفزازية، كحادثة حرق المصحف، باعتبار أنها تمسّ أهم المقدسات الإسلامية وتستفز مشاعر مئات ملايين المسلمين حول العالم. 

وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا اليوم، أدانت من خلاله "الإساءة المتعمدة للقرآن الكريم، والاستفزازات والتحريض ضدهم"، مؤكدة على أهمية تضافر الجهود في سبيل نشر قيم الحوار والتسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف والإقصاء، ومنع الإساءة لكل الأديان والمقدسات.

بدورها، عدّت الخارجية الأردنية أن إحراق المصحف في السويد "فعل مُدانٌ ومرفوضٌ ويتنافى مع جميع القيم والمبادئ الدينية، ومبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويُؤجج مشاعر الكراهية والعنف".

الخارجية العراقية أيضًا، قالت إنه تم استدعاء القائم بأعمال السفارة السويدية، احتجاجًا على إحراق نسخة من القرآن، الأمر الذي "يعدّ استفزازًا لمشاعر المسلمين ويسيء بشكل بالغ الحساسية لمقدساتهم".

من جهتها، استدعت إيران كذلك القائم بأعمال السفارة لديها، وأبلغته بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة من قبل الحكومة السويدية لإنهاء الإساءة للقرآن الكريم وضمان عدم تكرارها في المستقبل، في حين، استنكرت ماليزيا أفعال بالودان، إذ اعتبرت أن "فعلته تتخطى الحدود الأخلاقية ومعايير الحق في حرية الرأي والتعبير".

الخارجية التركية بدورها، أدانت الهجمات ضد الإسلام والمسلمين، وقالت إن "الهجوم السافل الأخير على القرآن الكريم في السويد، يظهر أن العالم لم يستخلص العبر من التاريخ، وأنه ما زال يتردد في الحد من الأعمال الاستفزازية العنصرية والمعادية للإسلام".