04-أبريل-2020

تنافس عالمي على شراء المعدات الطبية (أ.ف.ب)

تنافس مستمر في دول عديدة على شراء البضائع الطبية، أو اللقاحات، ما يثير الشك في إمكانية إنجاز تعاون دولي لمواجهة فيروس كورونا المستجد. لكن الأخطر على الإطلاق، كما توضح المقالة أدناه المترجمة عن صحيفة الغارديان البريطانية، أن يتم شراء البضائع المتجهة إلى أكثر المناطق تضررًا، في مزاد يكسب فيه من يدفع أكثر.


تمكن مشترون أمريكيون بفضل تفوقهم المالي من الحصول على حمولة من الأقنعة كان من المقرر أن تشحن من الصين إلى إحدى أكثر مناطق فرنسا تضررًا من فيروس كورونا الجديد، وفقًا لمسؤولين فرنسيين.

تنافس مستمر في دول عديدة على شراء البضائع الطبية، أو اللقاحات، ما يثير الشك في إمكانية إنجاز تعاون دولي لمواجهة فيروس كورونا المستجد

كانت الأقنعة محملة على طائرة مستعدة للإقلاع في مطار شانغهاي حين ظهر المشترون الأمريكيون وعرضوا ثلاثة أضعاف المال الذي عرضه نظرائهم الفرنسيون.

اقرأ/ي أيضًا: بدء أول تجربة على البشر للقاح ضد فيروس كورونا

قال جان روتنر الطبيب ورئيس مجلس مقاطعة غراند إيست المحلي، إن جزءًا من الطلبية التي تضم عدة ملايين من الأقنعة التي كانت مخصصة للمنطقة، التي تعج أسرة العناية المركزة فيها بمرضى كوفيد 19، فقدت لصالح المشترين الأمريكيين.

صرح روتنر لإذاعة RTL قائلًا: "وصلوا إلى مدرج الإقلاع وفي حوزتهم كثير من المال، لذا كان علينا أن نقاتل لأجلها". لم يصرح روتنر بهوية المشترين، ولصالح من يعملون ولأي ولاية أمريكية طارت الشحنة، لكن مسؤولًا فرنسيًا آخر، كان مشاركًا في عملية شراء الأقنعة من الصين، قال إن المجموعة كانت تعمل لصالح الحكومة الأمريكية.

قال  رينو موسيلير رئيس مقاطعة بروفانس ألب كوت دازور في جنوب شرق فرنسا لقناة BFMTV التلفزيونية الفرنسية:  "خلاصة الأمر، أن هناك بلدًا أجنبيًا دفع ثلاثة أضعاف سعر الشحنة وهي على مدرج الإقلاع". وقد تواصلت الغارديان مع وزارة الخارجية الأمريكية طلبًا للتعليق. 

صرح مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية لوكالة الأنباء الفرنسية AFP "إن حكومة الولايات المتحدة لم تشتر أي أقنعة كان المقرر أن تصل من الصين إلى فرنسا. التقارير التي تفيد بخلاف ذلك خاطئة تمامًا".  فيما وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هذه التقارير بأنها "مثيرة للقلق"، وطلب من المسؤولين الكنديين النظر في ادعاءات مشابهة بأن شحنات أقنعة مقررة إلى بلده قد أخذت إلى مكان آخر. وقال في تصريح له يوم الخميس "علينا أن نحرص أن تصل المعدات المقررة إلى كندا وأن تبقى في كندا، وطلبت من الوزراء أن يتابعوا هذه التقارير تحديدًا".

من جهته، بين وزير الصحة البرازيلي لويس هينريك مانديتا في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 2 نيسان/أبريل، أن المحاولات البرازيلية الأخيرة لشراء معدات وقاية مثل القفازات والأقنعة من الصين قد تعثرت. "اليوم أرسلت الولايات المتحدة 23 من أكبر طائرات الشحن لديهم لحمل المواد التي اشتروها. كثير من طلبياتنا التي رغبنا في إتمام شرائها لإمداد نظامنا الصحي قد تعثرت. العالم كله يريد هذه الأشياء أيضًا. نحن نواجه مشكلة الطلب الفائق على هذه المواد".

طلب مانديتا من المواطنين البرازيليين صنع أقنعة منزلية من قطع الملابس بأنفسهم لتوفير المعدات الطبية المتبقية للعاملين في قطاع الصحة. ومع تزايد حدة الوباء، اتهمت الحكومات المذعورة باستخدام وسائل مشكوك في نزاهتها للحصول على الإمدادات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا الجديد. تنوعت هذه الأساليب من حظر تصدير المواد الطبية إلى إرسال جواسيس في مهمات سرية بحثًا عن أدوات وأساليب الفحص.

وخوفًا من العجز في المواد الطبية وإنهاك الأنظمة الصحية، لجأت عدة دول منها فرنسا وألمانيا وروسيا إلى تخزين الأقنعة والمواد الخطرة، أو البذلات الواقية. عنى ذلك الحد من تصدير المعدات الطبية الواقية.

وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك، فلم تكتف بحظر تصدير المعدات الواقية بل ويبدو أنها ألغت صفقات بيع للخارج كانت أموالها قد دفعت بالفعل. وأفادت تقارير من صحيفة لو سوار البلجيكية وصحيفة كوريار ديلا سيرا الإيطالية بأن الأقنعة تركية الصنع التي كانت مخصصة لبلادهم لم تصل إلى وجهتها. وبالنسبة لإيطاليا، استغرق الأمر أكثر من أسبوعين بعد مكالمة أجراها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للإفراج عن شحنة الأقنعة. في بلجيكا، لم تصل الإمدادات حتى الآن رغم الشكوى الرسمية التي قدمتها وزارة الصحة البلجيكية إلى الشرطة.

وهددت تركيا أيضًا بتأميم مصانع إنتاج الأقنعة المحلية لضمان عدم بيعها سوى للدولة. نقلت وكالة الأنباء المحلية حريت عن وزير الداخلية سليمان صويلو قوله إن السلطات ستصادر المصانع إن لم توافق الشركات على البيع حصرًا لوزارة الصحة.

كما اتهمت الصين، أكبر منتج للأقنعة في العالم وأول دولة تضررت من تفشي كوفيد 19، بأنها تخزن الإمدادات لديها. لكنها أصبحت واحدة من الدول القليلة التي سلكت اتجاهًا معاكسًا ببيع الأقنعة والتبرع بها إلى أوروبا. صادرت السلطات التشيكية إحدى هذه الشحنات المتجهة إلى إيطاليا في ملابسات متنازع عليها بين البلدين.

نفت السلطات التشيكية مزاعم سرقة الشحنة من قبل الدولة والتي أفادت بها إذاعة جورنال راديو راي، التابعة لشركة البث العامة في إيطاليا. قالت الإذاعة إن الأقنعة وصلت إلى مستودع في شمال براغ، وصودرت في عملية لمكافحة التهريب. وقال زير الخارجية التشيكي توماس بتريشيك إن حكومته أرسلت 110 ألف قناع إلى روما تعويضًا عن الأمر. وقعت حادثة مشابهة في كينيا، حيث اختفت شحنة تحوي 6 مليون قناع متوجهة إلى ألمانيا أثناء مرورها في الدولة الأفريقية، لكن لا توجد دلائل على تورط الحكومة الكينية.

تشهد الأدوية واختبارات فيروس كورونا الجديد كذلك طلبًا عالميًا متزايدًا. فبعد إعلان الرئيس الأمريكي دون دليل عملي قوي، بأن الدواء المعالج للملاريا قد يعالج كوفيد 19، منعت الهند فورًا تصدير الهيدروكسي كلوروكوين. وأطلق جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد عدة عمليات سرية دولية لجلب آلاف من معدات اختبار فيروس كورونا. وأفادت تقارير إعلامية محلية، نقلًا عن مسؤولين استخباراتيين وفي وزارة الصحة بأن معدات الاختبار جلبت من دولة عدوة لن ترغب في الإعلان عن هذه الصفقة. لا تعترف كثير من الدول بإسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين. 

وتحركت بعض الحكومات في الأسابيع الأخيرة لتخزين إمدادات الغذاء المحلية. حظرت كازاخستان، إحدى أكبر منتجي الدقيق في العالم تصديره. وتبعتها فيتنام، ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم في منع تصدير الأزر. وبدأت صربيا بمنع تصدير الدواء ثم حظرت لاحقًا تصدير دوار الشمس.

لا يتوقع أن تشهد أسواق الغذاء العالمية نقصًا، وأبقت معظم الدول أسواقها مفتوحة، لكن جهود بعض الحكومات المذعورة للسيطرة على الموارد أفزعت الكثيرين.

قال أبراهام نيومان الأستاذ بقسم الحكومة بجامعة جورجتاون وهنري فاريل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، إن هناك خطر بأن يهوي العالم إلى منزلق "انعدام الثقة والأنانية". وكتبا في مجلة هارفارد بنزنس ريفيو: "ستصعب المستويات العالية من الشك التي تختمر بين الدول من إمكانية تعاونها لتنسيق استجابة دولية. يصعب على الحكومات أن تكون كريمة حين يرتعد مواطنوها وتقل الإمدادات. لكن هذا الأمر قد يؤدي إلى دوامة من الخوف والانتقام".

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء المساعدات الروسية لإيطاليا.. كيف تستثمر موسكو جائحة كورونا؟

أفادت وسائل الإعلام الألمانية الشهر الماضي بأن إدارة ترامب عرضت على شركة طبية ألمانية قدرًا كبيرًا من المال مقابل الحق الحصري للقاح تطوره. رغم أن شركة CureVac نفت هذه التقارير، إلا أن الحادثة أثارت ريبة الدول الأخرى.

أفادت وسائل الإعلام الألمانية الشهر الماضي بأن إدارة ترامب عرضت على شركة طبية ألمانية قدرًا كبيرًا من المال مقابل الحق الحصري للقاح تطوره

ونشرت مجلة غلوبال تايمز الصينية المملوكة للدولة مقالة افتتاحية وصفت فيها البحث عن لقاح بأنه "حرب لا تتحمل الصين خسارتها". وقالت مشيرة إلى التقارير المتعلقة بـ CureVac، إنه "بالنظر لتحركات هاتين الدولتين الغربيتين، لا يمكن للصين بأي حال من الأحوال أن تعتمد على أوروبا أو الولايات المتحدة في تطوير اللقاح. على الصين أن تعمل وحيدة في هذا المجال الحيوي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 كورونا من منظور أوروبي.. أسئلة الوحدة والتفكك