15-مايو-2019

تستمر الضغوط في واشنطن ضد دعم التحالف السعودي (أ.ف.ب)

ما زال الملف اليمني يحدث شرخًا في المواقف الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، بين رافض ومؤيد لحرب التحالف السعودي الإماراتي على البلاد عقب ارتكابه عشرات الجرائم بأسلحة يستوردها من  دول غربية.

لم يكن الرفض لتدخل واشنطن في الحرب على اليمن من داخل الكونغرس فقط، بل إن المدن الأمريكية شهدت العديد من الوقفات الاحتجاجية المطالبة بوقف الحرب والتحقيق مع مسؤولي التحالف

وتدعم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا تحالف الحرب على اليمن، وتصدر أسلحة إلى محور الرياض وأبوظبي بمئات المليارات من الدولارات، فيما تقوم واشنطن بتزويد الطيران بالوقود أثناء التحليق.

قرابة 250 ألف شخص لقوا حتفهم، بسبب استمرار الحرب في البلاد، التي تدخل عامها الخامس، عقب تنفيذ التحالف الذي تقوده السعودية آلاف الغارات الجوية لإعادة حكومة هادي إلى العاصمة صنعاء، حسب الزعم الرائج، وشن حملة عسكرية برية ما زالت مستمرة حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: هل يستطيع ترامب تحويل وعوده إلى سياسة متزنة؟

حجج واهية للدول الغربية في استمرار مواصلة دعمها للتحالف، منها إعادة شرعية الرئيس هادي المنتهية ولايته، والقضاء على المد الإيراني، وتأمين البوارج التجارية في باب المندب، والقضاء على التهديدات الصاروخية الحوثية على دول الخليج، والقضاء على التطرف والإرهاب، وأخيرًا من أجل الحفاظ على حياة مواطنيها القاطنين في الدول العربية، غير أن معظم التقارير تشير إلى مستوى آخر يفسر هذه العلاقة، مرتبط بحجم التبادل العسكري بين التحالف وهذه الدول.

في هذا السياق، يستمر النزاع بين البيت الأبيض والكونغرس حول دعم واشنطن للتحالف، ففي وقت يطالب فيه أغلب المشرعين الأمريكيين بعدم دعم التحالف، عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تصر إدارة ترامب على مواصلة دعم بلادها للتحالف متحججة بحماية مواطنيها القاطنين في دول الخليج.

وقد أفشل الرئيس الأمريكي مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف بعد استخدامه حق النقض الرئاسي ضد قرار الكونغرس، في 16 أبريل/نيسان الماضي. وتعد هذه هي  المرة الثانية التي يستخدم فيها ترامب حق النقض لعرقلة التشريعات التي يقرها الكونغرس.

ويرى البيت الأبيض أن دعم الولايات المتحدة للسعوديين لا يشكل تورطًا في "أعمال عدائية" وأن القرار معيب وربما يكون غير دستوري. رغم أنه وبأغلبية 54 صوتًا، كان أعضاء الكونغرس قد صوتوا لصالح القانون الذي يسعى لمنع الجيش الأمريكي من أي نوع من المشاركة في الصراع بما في ذلك توفير دعم للضربات الجوية السعودية على صعيد الاستهداف، دون تفويض من النواب، مقابل 46 صوتًا في المجلس المؤلف من 100 عضو.

وفي شباط/فبراير الماضي، صوت مجلس النواب بأغلبية 248 صوتًا مقابل 177 صوتًا للموافقة على مشروع قانون يدعو الرئيس "لإبعاد القوات المسلحة الأمريكية عن الأعمال العدائية في اليمن أو التأثير فيها، بما في ذلك تزويد الطائرات بالوقود في مهمات الحرب في اليمن". حيث إن التورط في الكارثة الإنسانية التي تشهدها البلاد جراء الحرب، هو ما يخشاه المشرعون الأمريكيون، أو التواطؤ مع ارتكاب التحالف جرائم أخرى، بحسب تغريدة نشرها عضو الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، روج خانا، على موقع تويتر.

وتعتبر إدارة ترامب والعديد من مؤيديه من الجمهوريين في الكونغرس، أن تزويد القوات الأمريكية مقاتلات التحالف بالوقود، وتقديم الدعم الاستخباراتي تدخل غير مباشر، فيما يكررون التأكيد على عدم وجود أي قوات عسكرية أمريكية على الأرض. فيما ترى الإدارة في واشنطن أن الكونغرس الداعي لوقف دعم التحالف، "سيضر بالعلاقات الأمريكية في المنطقة ويحد من قدرة أمريكا على محاربة انتشار التطرف".

أما ترامب الذي لا ينفك يكرر في حملاته الانتخابية المبكرة، خطاباته الابتزازية وتهديده للمملكة، بجبرها على دفع مئات المليارات مقابل تأمينها، مؤكدًا عدم قدرة الملك سلمان على الصمود أسبوعين  في الحكم لولا حماية واشنطن لعرشه؛ فقد اعتبر قرار الكونغرس غير ضروري ويضعف من سلطاته الدستورية، ويهدد حياة المواطنين الأمريكيين.

محاربة القاعدة وإيران

من الأسباب الموجبة لاستمرار تقديم الدعم العسكري للتحالف، نشاط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والخطر الإيراني في اليمن، حسب السردية التي يروج لها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي يشير في تصريح لصحيفة "ذا هيل"، أن الحرب في اليمن ليست أهلية بسيطة فنشاط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي يمتلك قدرات أكثر تطورًا، يتم توظيفها في تنفيذ العمليات الخارجية، ما يوجب حماية الولايات المتحدة بالقضاء على تهديد القاعدة.

ويبين وزير الخارجية أن الإيرانيين يستخدمون اليمن كمنصة لاحتجاز السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب والبحرين  الأحمر والعربي من الجنوب إلى غرب اليمن، ما يعرض السفن الأمريكية التي تمر من تلك المياه إلى الخطر. كما أكد وجود منصات إيرانية وأنظمة صواريخ وطائرات مسيرة مسلحة.

لكن الوزير الأمريكي، لا يبدو منتبهًا إلى التقارير التي كشفت أن حلفاءه الأساسيين في الخليج، أي السعودية والإمارات، تورطوا بالفعل في دعم تنظيم القاعدة وحاضنته الشعبية في اليمن، من خلال عقد صفقات عديدة معهم، بالإضافة إلى تسريب الأسلحة الأمريكية نفسها إلى مقاتلين تابعين للتنظيم، من أجل شراء ولاء القبائل المحلية.

وفي وقت يحاول البيت الأبيض ومؤيدوه الدفاع عن دعم بلادهم للتحالف السعودي الإماراتي، بسبب المردود الاقتصادي من صادرات الأسلحة، بالإضافة إلى استخدام ترامب جرائم التحالف لابتزاز حكوماته، من أجل كسب مئات المليارات من الدولارات، تزداد حدة الرفض داخل واشنطن لاستمرار الحرب في اليمن وتدعو أصوات عديدة لوقف دعم التحالف.

في هذا السياق، فإن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي إيليوت أنغيل يؤكد أنه  لم ير مساءلة كافية بشأن الهجمات على المدنيين في اليمن، موضحًا أن لديه مخاوف كبيرة بشأن وقوع معدات عسكرية أمريكية اقتنتها الإمارات في أيدي متشددين.

أما السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، فيؤكد بأن التحالف السعودي الإماراتي فشل في تحقيق أهدافه باليمن، بالقضاء على تمدد الحوثيين، وإعادة الشرعية، بالإضافة إلى تسببه في أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، في بلد يشهد سكانه فقرًا مدقعًا، فهنالك ربع مليون يمني يواجهون الموت المحتم إذا لم نتحرك. ويتهم السيناتور الديمقراطي التحالف بقيادة السعودية بتعمد إحداث مجاعة بمناطق سيطرته في اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: واقعية البيت الأبيض السياسية.. احتكار التفكير صنعة "نخبوية"!

لا تؤثر الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على اليمنيين فقط، الذين يكافحون من أجل البقاء على الأرض، ولكنها أيضًا تنشط جيلًا من دعاة السلام في جميع أنحاء العالم الذين يعملون بلا كلل لإنهاء الصراع، كما يقول النائب رو خانا في تصريح صحفي.

ويضيف أنه لا يمكن التغاضي عن الألم الذي يلحقه السعوديون وهذه الإدارة باليمنيين الأبرياء. وفي حديث مع قناة الجزيرة، اتهم خانا الرئيس دونالد ترامب بتبني "سياسة ضالة" في اليمن لأنه يحاول الانحياز لطرف ضد آخر في حرب بالوكالة بين السعودية وإيران ليست لـ"الولايات المتحدة فيها مصلحة وطنية"، على حد قوله. وأضاف أن الأمريكيين يُنظر إليهم في اليمن كمتواطئين ومنتهكين لقيمهم.

يحاول البيت الأبيض ومؤيدوه الدفاع عن دعم بلادهم للتحالف السعودي الإماراتي، بسبب المردود الاقتصادي من صادرات الأسلحة، بالإضافة إلى استخدام ترامب جرائم التحالف لابتزاز الرياض وأبوظبي

ولم يكن الرفض لتدخل واشنطن في الحرب على اليمن من داخل الكونغرس فقط، بل إن المدن الأمريكية شهدت العديد من الوقفات الاحتجاجية لناشطين ومدنيين، مطالبين بوقف الحرب والتحقيق مع مسؤولي التحالف بسبب الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اليمن على حافة المجاعة.. التحالف السعودي يحول البلاد إلى مقبرة

مخلفات الحرب.. آلاف المعاقين في جنوب اليمن