05-فبراير-2021

يعود بريكسيت إلى الواجهة فيما يتعلق بتعثر حملة التلقيح الأوروبية (رويترز)

بينما يوصف اللقاح على أنه مفتاح الخلاص السحري من جائحة فيروس كورونا الجديد، التي ما هي إلا أيام وتختم سنتها الأولى، لا يبدو هذا الحل متاحًا إلى الآن في دول كثيرة تواجه أزمات اقتصادية، أو اضطرابات وحروب أهلية. لا تبدو الحال مختلفة في مناطق أكثر استقرارًا، على رأسها الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من تعثّرات كبيرة في إطلاق حملة التلقيح.  بروكسل التي تمسكت بسردية "التضامن الأوروبي" في مواجهة الوباء، وجدت نفسها أمام نقص حادٍ في جرعات اللقاح، مع تملّص الموردين، وتأخير كبيرٍ في تنفيذ برنامجها الموعود. أما هذا الوقع، فإن جزءًا من هذه العراقيل التي يواجهها الأوروبيون له طابع سياسي، حيث يعود سؤال "بريكست" والعلاقة مع بريطانيا إلى الواجهة.

بروكسل التي تمسكت بسردية "التضامن الأوروبي" في مواجهة الوباء، وجدت نفسها أمام نقص حادٍ في جرعات اللقاح، مع تملّص الموردين، وتأخير كبيرٍ في تنفيذ برنامجها الموعود

تعثّرُ التضامن الأوروبي

منذ ظهور لقاحات فيروس كورونا، سعت بروكسيل إلى خط برنامج مفصّل لتلقيح ما مجموعه 550 مليون شخص بحلول نهاية السنة؛ 80% من الشيوخ بنهاية آذار/مارس القادم، و70% من مواطني الاتحاد فوق 18 سنة بالصيف. رصدَت المفوضيّة الأوروبية  لهذا البرنامج غلافًا ماليًا تعدى الـ 23 مليار يورو، من أجل تأمين أزيد من 1.16 مليار جرعة، 400 مليون منها من نوع أسترازينيكا.

اقرأ/ي أيضًا: بروكسل تفرض الشفافية على فيسبوك كي لا يتكرر سيناريو بريكسيت.. ما القصة؟

إلى حد الآن لم يتلق الجرعة إلا 3% من الساكنة الأوروبية المستهدفة، فيما البرنامج ككل يتهدده تأخير قد يبلغ عشرة أسابيع أخرى، وصفها وزير الصحة الألماني، يانس سبان، بـ "العسيرة". تعثر سببه أن الاتحاد لم يستلم إلا نصف شحنته الأولى من عقار أسترازينيكا البريطاني، أي بنقص 25.2 مليون جرعة عن الـ 52 مليون التي كانت مقررة حسب الاتفاق، كما أعلنت المؤسسة المصنعة عن عدم قدرتها تسليم سوى 25% من التزاماتها من الجرعات للاتحاد حتى نهاية آذار/مارس. ذلك راجع، حسب ذات الشركة، إلى مشاكل في خط إنتاج المختبر البلجيكي المكلّف بتصنيع هذه الشحنة.

هذه الوضعية دفعت البرنامج بكامله للتعثر، والدول الأعضاء إلى إعادة نظرها في حملاتها الخاصة. كما هي الحال في إسبانيا التي أوقفت عمليّة التلقيح بشكل مؤقت، بسبب نقص الجرعات، مرجحة أن كاتالونيا ستحذو نفس حذوها. وعممت فرنسا هي الأخرى على مستشفياتها بلاغًا يرجح تغيير برمجة التلقيح أو حت إيقافه مؤقتًا. فيما علل وزير الصحة الألمانية لشعبه التأخير قائلًا:" إنتاج اللقاح عملية معقدة جدًا، وتسريع هذه العملية قد يسبب بعض التأخيرات. كما وعد  رئيس المجلس الأوروبي، شارلز ميشيل، أن الاتحاد "سيبحث كل السبل لتأمين اللقاح"، وموازاة مع خوض مفاوضاته في هذا الصدد "سيعمل على خلق  آليات حازمة لتوفير الجرعات والضغط من أجل حماية الساكنة الأوروبية". 

بين لندن وبروكسل: حربُ لقاح؟

بالنسبة لبروكسيل فالأمر  يتعلّق بإخلال في الاتفاق، وتملص من الإيفاء بما تمّ التعاقد عليه. بل وما هو أكثر، حين المقارنة بين تقدم البرنامج البريطاني وتعثر نظيره الأوروبي، تتهم الشركة بتفضيل لندن في توريدها. الشيء الذي ينفيه الرئيس التنفيذي لشركة أسترا زينيكا، باسكال سوريو، قائلًا: "نحن لم نلتزم مع أوروبا، بل قلنا بأننا سنبذل قصارى جهدنا للإيفاء بما تطلب"، ويضيف معللًا  "قلنا ذلك لأن ما  أرادته أوروبا هو أن يتم توريدها بنفس الحجم والكمية التي تورّد لبريطانيا، بينما اتفاقنا مع هذه الأخيرة أسبق من الاتفاق الأوروبي بثلاثة أشهر".  يضيف المتحدث: "مصانع شبكتنا المكلفة بالتوريد لأوروبا، للأسف هي الأضعف إنتاجية، ونحن لم نتعمّد ذلك"، أما في بريطانيا و "بما أن الاعمال فيها بدأت في الأول فقد استطعنا إصلاح الأعطال التي شابت عملية الإنتاج". 

هذا الجوابُ لم يهدّئ من روع الأوروبيين أكثر مما أثار حفيظتهم بشكل مضاعف، حيث ردت المفوضة الأوروبية لشؤون الصحة، ستيلا كرياكيديس، مكذبة ادعاءات مدير أسترازينيكا بالقول إن "اتفاق البيع المسبق لم يحدد تراتبية بين المصانع ولا أي فرق بينها، والمصانع البريطانية كذلك تدخل في إطار الاتفاق". مضيفة بأن مبدأ "من طلب أولًا هو من يحصل أولًا على الطلبية" يمكن تطبيقه فقط  عند جزار الحي، لا داخل اتفاقياتنا مع الشركات الدوائية".

على مستوى قيادات الدول الأعضاء، ومساء الثلاثاء، عبّرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن انزعاجها  من التقدم السريع في عملية التلقيح في البلدان الأخرى، مع ذلك أكّدت بأنه "يمكن أن يكون تحرك الاتحاد أبطأ لكن مخططه التشاركي هو  الأكثر  نجاعة". كما دافع الإيليزيه، يوم الأربعاء، على لسان رئيسه إيمانويل ماكرون، بأن "الخاسرَ الأكبر من السباق على التلقيح ليست القيادات الأوروبية"، فهذه المعركة "ليست معركة كرامة، ولا معركة علاقات عامة"، مضيفًا أن "بريطانيا جازفت بالتصريح باستخدام لقاح أسترازينيكا مبكرًا جدًا. على عكسنا نحن، الذين نراهن على السلامة والأمان فيما يتعلق بالصحة العامة". مجازفة وتسرع، فون دير لين هي الأخرى وصفت على هذا النحو  اعتماد بريطانيا اللقاح ، قائلة "نعم أحست أوروبا بذلك متأخرة لكنه قرار صائب، كوننا نتحدث عن عملية تطعيم ضخمة بالتالي فالمسؤولية اتجاهها هي بنفس الحجم".

فيما هذا الخطاب المشكك في برنامج التلقيح البريطاني، كما تقييد كلٍ من وزارتي الصحة في فرنسا وألمانيا ثم النرويج والدانمارك استخدام عقار أسترازينيكا لمن هم أقل من 65 سنة، يحسبه مراقبون في خانة الضغط على الشركة المصنّعة. إضافة إلى تهديد الاتحاد سابقًا بقطع تصدير الجرعات المصنعة على أراضيه إلى بريطانيا، وتمرير قانون يفرض طلب ترخيص على أي جرعة معدّة للتصدير. هذا القانون لم يتم تطبيقه لحد الآن، لكن لم يتم سحبه نهائيًا من ترسانة الأسلحة الأوروبية في حربها على اللقاح، وتهديد به لازال قائمًا.

البريكسيت يؤججُ الصراع

من جهة داونينغ ستريت تبدو الأمور مطمئنة، و"2 مليون جرعة التي التزمت أسترازينيكا بتسليمها أسبوعيًا لم يطرأ عليها أي تأخير"، كما جاء في كلمة للناطق الرسمي باسم رئاسة الوزراء. وبريطانيا تقود الجهود الدولية في محاربة الوباء ببلوغ برنامج التطعيم نسبة 12.5%، وتلقي 10 ملايين بريطاني جرعاتهم الأولى من اللقاح. غيرَ أن هذه الوضعية لا تنفي استمرار تعرّضها للضغط الأوروبي، وهنا يبرز اتفاق بريكسيت مجددًا كنقطة ضعف لبريطانيا الخارجة لتوها من الاتحاد الأوروبي.

ما يريده الاتحاد هو إرغامُ بريطانيا على تقاسم الجرعات المصنعة على أراضيها، والمعاملة بالمثل إزاء احتكار هذه الجرعات. هكذا لوّحت المفوضية بتفعيل البند 16 من بروتوكول إيرلندا الشمالية في اتفاق الانفصال، معللة ذلكَ باعتبار تلك الحدود معبرًا لمرور اللقاح الأوروبي إلى الداخل البريطاني. ويسمح هذا البند بإبقاء الحدود (بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية) مفتوحة مع السوق الأوروبية المشتركة وأمام تنقل السلع والأفراد، كما ينص على حقّ أي من الأطراف (بريطانيا والاتحاد الأوروبي) إغلاقها من طرف واحد إذا ما وجد أي مشاكل اقتصادية، اجتماعية أو سياسية في فتحها.

بريطانيا هي الأخرى على لسان رئيس وزرائها، بوريس جونسون، هددت بتفعيل ذلك البند. حيث قال جونسون "سنقوم بكلّ ما يستوجب علينا القيام به، تشريعيًا أو حتى على مستوى تفعيل البند 16، لضمان عدم وجود أي حواجزَ على البحر الإيرلندي"، مضيفًا في جلسة برلمانية أنه "لمدعاة للأسف، أن يشككّ الاتحاد الأوروبي بصدق ما توصّلنا له عبر الاتفاق (بريكسيت) وبمبادئ السلام التي تؤطرنا، والتهديد بغلق الحدود التي تقسم الجزيرة نصفين".

"لو لم يأخذ مسلسل الخروج البريطاني هذا التصعيد والتصلب، لربما كانت هذه الأخيرة لتقبل بمطالب المفوضية الأوروبية" يفترضُ مقالٌ للنسخة الفرنسية من موقع Huffington post، مضيفًا بأن "البريكسيت حجة سياسية يستغلها الاتحاد الأوروبي في بناء علاقات قوة مع بريطانيا والمختبرات"، كما "هو ضربة بالقبضة على طاولة المفاوضات لكل الشركات المتأخّرة عن التسليم".

أورسولا فون دير لين تواجه ورطتها

هي أزمة إذًا تلك التي يعيشها الاتحاد الأوروبي، واضعة رئيسة مفوضيته مقابلَ فوّهة النقد، وأمام "أعمق أزمة سياسية منذُ توليها المنصب"، يستهلُّ تقرير لموقع Euronews. مضيفًا أن "عاصفة الانتقادات التي تعرضت لها كشفت مخاوف تتعلق بالاستراتيجية التي تتبعها بروكسل لتأمين لقاحات لسكان التكتل".

"من الطبيعي أن تكون فون دير لين في الواجهة بسبب إمساكها بهذا الملف"، خاصة وأنها استهلت حملة التلقيح بحملة إعلامية متفائلة "أوجدت مناخًا إيجابيًا مع توقعات كبيرة". هذه التوقعات التي خابت مع التأخير الحاصل في استلام الجرعات، خلقت غضبًا امتدّ على طول الرأي العام الأوروبي. في مقال آخرَ، هذه المرّة لجريدة نيويورك تايمز، يحيلنا إلى جزء آخر من الانتقادات، والتي عابت على الرئيسة كونها "تود إدارة الملف من الظل دون تحمّل المسؤولية في العلن"، لا عبر الهياكل الموسعة التي يمنحها لها الاتحاد بل عبر "مجموعة ضيّقة من فريق عملها"، ملقية بكلّ من مفوضة صحتها ونائبها فالديس دومبروفسكيس إلى واجهة المسؤولية. "هكذا ففون دير لين"، ينقل المقال كلام أحد أعضاء مؤسسة GMF للدراسات السياسية، "تود مسح البيض الذي تلقّته على وجهها في مفوّضية الصحة".

سابقًا، في فاتح شباط/فبراير الجاري، وخلال مقابلة لها مع جريدة Le Monde الفرنسية، اعترفت فون دير لين بخطئها في اتخاذ بعض الخطوات أثناء إدارة الملف، معللة ذلك بأنه "عندما تتخذ قرارات عاجلة، نحو 900 قرار خلال عام واحد من الأزمة، هناك دائما فرصة لإخفاق ما". في هذا الصدد، وعودة إلى مقال Euronew، فإن الرئيسة في معرض الدفاع عن نفسها تعتبر أنها تحولت إلى "كبش فداء سهل" للدول الأعضاء عندما تولت مسؤولية برنامج التلقيح. مضيفًا أن الورطة التي تقع فيها فون دير لين هذه الأيام، كانت تعصف بمنصبها على رأس المفوضية، لولا أنها تحظى بدعم قوي في كلّ من باريس وبرلين.

هل يطرق الأوروبيون باب سبوتنيك الروسي؟

منذ أول بداية الحديث عن التلقيح، لطالما غضّ الاتحاد الأوروبي البصرَ عن عقار  Sputnik V المطوّر روسيًا. لكن الواقع الآن قد تغيّر، والاتحاد عالق في أزمة النقص الحاد للجرعات، فهل سيعيد الاتحادُ النظرَ في اعتماد العقار الروسي؟ الجواب عن هذا السؤال يبدأ من آخر التقارير التي أفادت بأن الاتحاد وجّه إلى بعثاته الدبلوماسية بروسيا رسالة تدعوهم إلى جمع معطيات حولَ العقار المذكور.

فيما، وفي لقاء تلفزي صرحت المستشارة الألمانية،  أنجيلا ميركل، بأن "الاتحاد الأوروبي يرحّبُ بكل اللقاحات"، مضيفة أنها أجرت محادثة والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هذا الصدد الشهرَ الماضي. فون دير لين هي الأخرى أكدت في حديثها أمام البرلمان الأوروبي يوم الثلاثاء بأنه "لو أبدى المصنعون الروس والصينيون الشفافية المطلوبة، يمكنهم بذلك تحصيل اعتمادَ الاتحاد الأوروبي". كما أبدت كذلك كل من باريس ومدريد جاهزيتهما لاعتماد Sputnik V.

أعلن صندوق السيادة الروسي، المؤسسة الممولة لإنتاج اللقاح، عن استطاعته إنتاج 100 مليون جرعة موجّهة للسوق الأوروبية

من جانب الروس، أعلن صندوق السيادة الروسي، المؤسسة الممولة لإنتاج اللقاح، عن استطاعته إنتاج 100 مليون جرعة موجّهة للسوق الأوروبية. أما بخصوص الشروط التي يفرضها الاتحاد، يحددها الناطق الرسمي باسم المفوضية، ستيفان دي كيرسمايكر، في أنه على المصنع الالتزام بـ "الميزانية المعقولة"، وأن "يتوفّر على الإمكانات المناسبة للاستجابة للطلب الأوروبي، على مستوى الكمّ وسرعة الإنتاج"، ويختم حديثه قائًلا بأن "المفوضية على تواصل مع نظرائهَا الروس لكن لم يتم إلى حد الآن إعلان أي اتفاق بين الطرفين". هذا، ويذكرُ أن هنغاريا، إلى حدود الساعة، هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعتمدت عقار Sputnik V في برنامج تلقيحها.