14-أبريل-2019

تشهد الساحة السودانية تحولات متسارعة (فيسبوك)

 تسارعت الأحداث في السودان خلال الأيام الماضية بصورة دراماتكية، وكانت عجلة الثورة قد أفلحت في وقت قياسي بخلع رئيسين دفعة واحدة، هما المشير البشير والفريق عوض بن عوف، لينتزع زمام السيطرة بعدهما ضابط جاء من الصفوف، هو الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي استطاع بشكلٍ مباغت لفت الأضواء حوله في لحظة فارقة من تاريخ البلاد.

حاولت السعودية والإمارات احتواء الثورة التي تنشد الديمقراطية في السودان، داعمة الانقلاب، وواعدة بمساعدات، بالرغم من أن المجلس العسكري الجديد لم يظهر أي انحياز لمحور إقليمي بعد

الفريق عبد الفتاح البرهان المفتش العام للجيش ورئيس المجلس العسكري الجديد كان من الضباط الأوائل الذي ساهموا في عملية التغيير من داخل هيئة الأركان السودانية، رغم أنه لم يشتهر بالانتماء السياسي في الظاهر على الأقل، وكان حريصًا حتى ليلة الانقلاب على عدم مبارحة دوره الغامض في القيادة، إذ تولى بصورة سرية حماية المعتصمين والدفاع عنهم، وظهر صبيحة الجمعة داخل ميدان الاعتصام وهو يتجاذب أطراف الحديث مع الثوار، ويحاور إبراهيم الشيخ أبرز قيادات تحالف المعارضة السودانية.

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"

ثورة البرهان

فيما تضمن بيان البرهان إلغاء حظر التجوال وإطلاق سراح المحكوم عليهم بقرار الطوارئ، والدعوة إلى حوار مع جميع المكونات السودانية، وإقرار فترة انتقالية في السودان مدتها عامان، بجانب تشكيل حكومة مدنية ومجلس عسكري لتصريف أعمال السيادة، ومحاربة الفساد، داعيًا السودانيين إلى العودة لممارسة الحياة الطبيعة.

 

 

المثير في الأمر أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي بدا كما لو أنه حقق مطلب الثوار حينما تولى زمام القيادة بعد تنحي الرئيس السابق بن عوف المرفوض شعبيًا، وقد أوعز البرهان بالفعل إلى رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير عندما التقى به نهار السبت قائلًا "لقد استمديت القوة من المعتصمين لإزاحة ابن عوف" .

وكان قادة المعارضة قد حصلوا على وعد بإلغاء القوانين المقيدة للحريات لدى اجتماعهم برئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، وجرى الاتفاق على استكمال المشاورات باقتراح الحكومة الجديدة. وتمثلت مطالب التحالف المعارض وقوى الحرية والتغيير في المطالبة بفترة انتقالية مدتها أربع سنوات، وإعادة هيكلة جهاز الأمن ومقار الحزب الحاكم السابق إلى الشعب، وإطلاق سراح كافة المعتقلين، بجانب تشكيل حكومة مدنية بصلاحيات تنفيذية كاملة، والقصاص للشهداء ومحاكمة المتورطين في جرائم الفساد، ووصف المتحدث باسم تحالف "نداء السودان" صلاح جلال الاجتماع بين قادة قوى "إعلان الحرية والتغيير" والمجلس العسكري بأنه "إيجابي في مجمله".

سقوط رجل أمريكا

أفلحت الموجة الثورية الجديدة في الإطاحة برموز النظام السابق، من بينهم صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، الذي تولى مهمة التصدي للاحتجاجات والاعتقالات طوال أشهر الثورة الأربعة.

 المثير في الأمر أن صلاح قوش الذي تربطه صلة قوية بالإمارات، كان من أحد دعاة التطبيع الإسرائيلي، ويعتبر بمثابة المدير التنفيذي للانقلاب على البشير، وبمجرد إنجاز الخطوة الأولى تم إنهاء دوره، وتكليف الفريق أبوبكر دمبلاب مديرًا لجهاز الأمن، وهذا يعني بصورة كبيرة تداعي الحرس القديم، أو رحيل آخر رجال أمريكا في السودان- كما كان يُعتبر قوش- إن لم تكن هنالك مفاجأة في الطريق.

حميدتي دور غامض

ثمة رجل أيضًا بدا نفوذه في الدولة يتزايد بشكلٍ لافت مع غمرة الأحداث، وهو الفريق محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع، الذي أعلن منذ بداية اعتصام القيادة في السادس من نيسان/أبريل الجاري رفضه قمع الاحتجاجات، وشارك من داخل اللجنة الأمنية التي شكلها النظام السابق في التخطيط للانقلاب على  حكومة البشير، وكان لافتًا بالرغم من أن قوات الدعم السريع تنضوي تحت مظلة القوات المسلحة، إلا أن حميدتي رفض تولي عوض بن عوف رئاسة المجلس العسكري واعتذر عن عضويته، ودفع بشروط سياسية متماهية مع مطالب الشارع، إلى أن انتهى المشهد بصعود الفريق البرهان وتعيين حميدتي نائبًا له، ولا يبدو على الإطلاق أن الرجل القوي الذي تقاتل قواته في اليمن وعلى الحدود السودانية الليبية وتقوم أيضًا بأدوار لصالح الاتحاد الأوروبي في مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة، سيكتفي بمنصب النائب الأول، فلربما يكون حميدتي الرجل الغامض ودوره في المستقبل أيضًا سر هذا التغيير المفاجئ .

خلافات المعارضة

على صعيد حراك المعارضة بدأت الخلافات تدب في صفوفها من جديد، وذلك على خلفية مشاروات تشكيل الحكومة، لا سيما وأن تجمع المهنيين وحلفاءه في قوى التغيير احتكروا عملية التشاور مع المجلس العسكري، وفرض شروطهم ومطالبهم المتمثلة في حصة أكبر ومرحلة انتقالية تمكنهم من السلطة لأربع سنوات، وهو التوجه الذي أغضب شباب الثورة أيضًا، وتيارات أخرى إسلامية شاركت في الحراك.

واعتبرت "الجبهة الثورية" المكون العسكري المناوئ للنظام السابق، أن اجتماع المعارضة مع المجلس الانتقالي لا يمثل قوى الكفاح المسلح، مطالبة بلقاء مع المجلس العسكري تكون طرفًا فيه حتى يكون التغيير شاملًا، باعتبارها "تتبنى قضايا المهمشين المتمثلة في إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل والتحول الديمقراطي ولا يجب أن يتم إقصاء لأي طرف" على حد قولها.

اقرأ/ي أيضًا: جمعة الغضب في السودان.. السلطة تقمع والشعب يواصل احتجاجه

ماذا تريد السعودية؟

وكانت السعودية والإمارات من أوائل الدول التي أعلنت مباركتها للانقلاب الجديد، وتقديم حزمة مساعدات للخرطوم. وأعلنت الرياض تأييدها للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي، مشيرةً إلى أنّها ستقدم للسودان بتوجيهات من الملك سلمان "حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية" لم توضح حجمها ولا قيمتها ولا مواعيدها، ومضت على إثرها الإمارات، وبدا ذلك محاولة لاحتواء الثورة التي تنشد الديمقراطية في السودان، بالرغم من أن المجلس العسكري الجديد لم يظهر أي انحياز لمحور إقليمي بعد، بل إن كثيرًا من الأصوات ظلت تطالب بسحب الجيش السوداني من اليمن، وعدم التورط في أزمات خارجية، وهي خطوة لا بد أنها ستجد حظها من النقاش في المرحلة المقبلة.

لا زال الغموض يحيط بمصير الرئيس المخلوع البشير ومكان احتجازه، بجانب قيادات نظامه، واكتفى الجيش فقط بخبر التحفظ عليهم، رغم مطالب الثوار بضرورة محاكمتهم 

مصير البشير

ما يزال الغموض يحيط بمصير الرئيس المخلوع البشير ومكان احتجازه، بجانب قيادات نظامه، واكتفى الجيش فقط بخبر التحفظ عليهم، رغم مطالب الثوار بضرورة محاكمتهم والكشف عن أماكن احتجازهم. فيما قال رئيس اللجنة العسكرية السياسية الفريق عمر زين العابدين، إن المجلس لن يسلم البشير للمحكمة الجنائية، وسيتم محاكمته بالداخل وأضاف "نحن عساكر، نحاكمه بحسب قيمنا، ولكن لن نسلمه"، بينما رفض الحزب الحاكم السابق انقلاب الجيش على السلطة، واعتبر المؤتمر الوطني في بيان تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، ما قام به المجلس العسكري "انتهاكًا للشرعية الدستورية" على حد وصفه، مطالبًا في الوقت نفسه بإطلاق سراح قياداته فورًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأحزاب السودانية.. عنف جامعي أيضًا

عطش بورتسودان وظلامها.. احتجاجات تعم عاصمة البحر الأحمر السودانية