20-يونيو-2019

حرائق الجزيرة السورية (تلفزيون سوريا)

كلمة أولى

أعطني قمحًا، أٌعطيك خبزًا. هذا ما قيل، لكن كانَ مغمّسًا بالدّم. أعطني نفطًا أعطيك زيتًا ووقودًا يعينكَ على الحياة، لكنه نار أيضًا ولا أحدَ يوقف سيل الجحيم الجديد.

ماذا تريد؟ يسأل الحاكم الكوني نفسه وتلقى الإجابة في مدينتي التي أحبّ ويحبها نهران مثلي: خمرًا/ ماءً/ علفًا/ شعرًا/ حبًّا/ أرضًا/ خضرةً/ وأيضًا قلمًا يمجدكَ/ حطبًا يزيدُ النار/ وجهلًا لتمضي المسيرة.

أعطني الظلم وأنسني الهواء، هكذا تريدنا بيادقَ على رقعتك السوداء، وماهذه الحرائق إلا رقعتك الجديدة يا سيدي، سنمجدك فلا تخف، سنهتف باسمك، نصلي لأجلك، ولن نحرمك من أن تكونَ سيدًا وإلى أبد الآبدين.

تفضل هذا هو زرقنا الأعلى، خذ ما شئت ولكن هل لنا من بعد كرمك ولو قليلًا يسدّ الرمق، ويترك باب أمنياتنا مفتوحًا، ماذا قلت يا سيدي؟ أنعود لك في السنة المقبلة! موافقون وهل لنا أمام جلالتك إلّا العجز والهوان؟ حلالُ لك ما أخذت فهو رزقك ومالُنا ما لنا وكلّ ما لدينا من الأشياء والأولاد مُلكك يا ملك.

بكى شخصٌ في أرضه ولامست ركبتاه مقلتيه، داعيًا يا حاكم الظلمِ سامحني، لم أستطع مجابهة صبيانك، فالنار أذابت أرضي وقلبي. لا أملك هذه السنة ما يسمل عينيك، إن شئت خذني عبدًا أو أدوّن هذا في عنقي، لعلّك في السنةِ القادمة تتذكرني، فتبقي لي ولو سنبلة! 

مشهد حقيقي

أبي.. يا أبي، هل شاهدتني؟

كنت مسرعًا، مسرعًا جدًا وفي يدي الماء الذي ادخرته قطرةً قطرةَ، كنتُ مدركًا أنهم سيأتون في هذه الليلة، أرجوك يا أبي، لا تنظر إليّ عاتبًا هذه المرة؟ أرجوك! فماذا عساني أفعل؟ أهبُ ما لديّ للجارة الفتية وقلبي معلّق بها منذ خريفين وها هو صيف لاهب آخر، أم أتركها لمصيرها أم أطفئ تلك النار في قلبي وأرضي؟

أبي.. يا أبي.. أين الألعاب ووعودك، أنا لم أكبر يا أبي، ألم تقل إن الشهر السادس سيكون آخر شهر! كيف؟ أم أنّكَ ستعدني بهذا السواد كله، سواد لا يصلح حتى كحلًا لجفني الأيسر، ربما يصلح ولكنه لا يسدُّ خزان دمعي، وهذا الفحم لايكفي تلوين لوحة حزني.

تبًا لهذه الوعود التي تنفع للبكاء فقط. 

يا أبا جاسم.. يا أبا جاسم كلنا البارحة شاركنا في هذه المصيبة، قل لي ألم ترني أركض، وفي يدي الهاتف؟ لا تقلق فتصويري لهذه الحادثة سيجلب الكثير من الإعجاب، لن تصدق كمية المشاركات للفيديو الذي رفعته، كلهم هرولوا وشتموا، أتعلم أحد المعلقين شكرني على شجاعتي وإقدامي في التصوير، وقال أيضًا إن أبا جاسم سوف يشكرني على الأقل بل ربما يكرمني لهذا العمل، أما أنا الآن فأقول لك لا داعي للشكر فهذا واجبي، أما بالنسبة للإكرامية فهي واجبة عليك أيضًا.

الكاميرا تصوّر، هكذا أخبروا المكلوم، بينما الحرائق تنتقلُ من مكان إلى آخر، سمّه الطاعون لو شئت.

مونولوج

على الرغم من زراعة جاري للكونسروة، فالبندورة والخيار لليوم سعرهما أكثر ممّا أملكه الآن في جيبي، والألبسة التي أزرع قطنها، والوقود الذي تنتجه أرضنا، هل يعقل أن يمتلئ الجو دخانًا أسمر طيلة السنة، ورئة أبنائي تستنشق هذا السم وحتى حيواناتي، ولا يمكنني أن ابتاع ما يكفي لتدفئة غرفة طينية أربعة أمتار بمترين، وذاك ابني الكبير الذي يتوهّم أنّه شاعر، من أين لي كي أطبع قصائد، هو مؤمن حد التوحد بأنه سيفوز بتلك المسابقة المهمّة في منطقة ما من هذا الكون، وسيحسنُ حياتنا؟ وكيف سأوصل طفلتي إلى مدرستها في الضفة الأخرى من هذه الصحراء؟ فلا طُرق ولا سيارة لهذا العالم، أما الحمير فما أكثرها وما أكبر أنفها، ماذا أشتري؟ علبة تبغٍ من نوع الجحيم وألفها كلها في ورقة واحدة وأحشرها في صدري؟ أم أجمع الأسرة في غرفة الشتاء وأشعل ذلك النفط الرديء، فنموت جميعًا؟

سأنتظر موسمًا آخر، بينما يصغر صدري في كل شيء ويكبر بالوخم، أعلل نفسي بموسم وفير آت في السنة القادمة لا تأخذه النارُ، فأخلصُ من ديوني، وأنسى نار هذه السنة التي أكلتنا جميعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ست رسائل

كيف سأحمل لكم وجهي؟