03-أغسطس-2017

تتكرر الحرائق في صيف تونس منذ سنوات وتزداد أضرارها سوءًا (صورة تقريبية/ أ.ب)

"هؤلاء هم أولادي.. لقد ماتوا.. ولم يبق لي شيء".. كانت هذه كلمات امرأة من "أرض الكاف" في عين دراهم من محافظة جندوبة، منطقة في الشمال الغربي التونسي وتبعد حوالي 160 كم عن العاصمة تونس. تردد هذه الكلمات وهي ترفع دجاجاتها عاليًا وقد أهلكهن حريق، كان من الواضح أنه أتى أيضًا على محتويات عدة في بيتها وما يحيط به من نبات وحيوانات.

ظهرت هذه المرأة في فيديو "صادم" للكثيرين، نشرته إذاعة الكاف الجهوية وتناقلته عديد الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. ومرد الصدمة أن هذه الحرائق تتكرر بشكل دائم كل سنة منذ فترة ليست بالقصيرة، تأخذ معها الأرواح البشرية حينًا والغطاء الغابي والحيوانات ومساكن الناس في أحيان كثيرة، لكن السلطات التونسية تبقى عاجزة أمامها، وكأنها قدر مسلط على جزء من التونسيين، أما ما زاد الوضع سوءًا هذا الصيف فهو الشكوك المتزايدة في أن تكون الحرائق متعمدة وبفعل فاعل وأن الأمر لا يتعلق فقط بالعوامل الجوية ودرجات الحرارة القياسية التي تشهدها كامل البلاد هذا الصيف.

تتكرر الحرائق في صيف تونس منذ سنوات وتأخذ معها الأرواح البشرية حينًا والغطاء الغابي والحيوانات ومساكن الناس في أحيان كثيرة

ككل صيف ومنذ سنوات، تعاني جهة الشمال الغربي في تونس، وهي عبارة عن إقليم يضم أربع محافظات هي باجة والكاف وسليانة وجندوبة، من أكبر عدد من الحرائق، التي تمتد على غاباتها ومحاصيلها الزراعية وتضر بشكل متفاوت بالسكان على سفوح الجبال وبالثروة الحيوانية. الوضع يزداد سوءًا إذا عرفنا أن هذا الإقليم هو من الأعلى في نسب الفقر والأمية في كامل البلاد التونسية، وقد عرف موجة نزوح كبرى لسكانه منذ الاستقلال، ويعاني خلال السنوات الأخيرة من تمركز مجموعات إرهابية على مستوى جباله وغاباته.

اقرأ/ي أيضًا: "دوّار السلاطنيّة".. حياة في قفص الموت

حسب إحصائيات إدارة الغابات في تونس، سجل العام 2016 من شهر آيار/ مايو إلى الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو 77 حريقًا أتى على 90 هكتارًا مقابل 70 حريقًا أتلف 130 هكتارًا في ذات الفترة من السنة 2015. أما هذه السنة فلم تعلن بعد أرقام رسمية عن حجم الخسائر جراء الحرائق التي لا تزال متواصلة منذ عدة أيام. وتغطي الموارد الغابية والمساحات الرعوية حوالي ثلث مساحة البلاد التونسية ويعيش ضمن الفضاء الغابي وأطرافه حوالي 10 في المئة من السكان ويستفاد منه اقتصاديًا نحو مليون شخص.

مساء الثلاثاء 1 آب/أغسطس الجاري، صرح رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد لوسائل الإعلام المحلية، خلال زيارة قام بها لقاعة العمليات المركزية بالديوان الوطني للحماية المدنية لمعاينة جهود إخماد الحرائق، أنه "تمت السيطرة على 80 في المئة من الحرائق بمحافظة جندوبة وكذلك السيطرة نهائيًا على الحرائق التي اندلعت ببعض جبال باجة في حين ينتظر الانتهاء من إخماد بعض الحرائق بجهات أخرى خلال ذات اليوم"، لكن الإعلان عن نشوب حرائق أخرى تواصل حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر. وأفاد رئيس الحكومة، في ذات السياق، أن "جميع المتضررين من الحرائق تم إيواؤهم في أماكن آمنة"، مؤكدًا "حرص الدولة على الوقوف إلى جانبهم".

يذكر أن رئاسة الحكومة كانت قد أعلنت عن اجتماع لجنة الكوارث لمتابعة آخر التطورات الحاصلة، موضحة في بيان لها أن "الوضع بمناطق الحرائق تحت السيطرة وأن الدولة سخرت كل إمكانياتها اللوجستية والبشرية لتطويق النيران وإخمادها في أسرع الأوقات". 

حرائق بفعل فاعل؟

أبرز ما صرح به رئيس الحكومة، كان حديثه عن إمكانية أن تكون هذه الحرائق، والتي تجاوز عددها الخمسة عشرة حريقًا وجاءت في فترة واحدة متزامنة،"بفعل فاعل"، وهو ما دعم شبهات تداولها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الإعلان عن الحرائق وما تخلفه من ضرر، رغم أن وزارة الداخلية التونسية كانت سارعت مع بداية اندلاع الحرائق إلى اعتبارها راجعة إلى ارتفاع درجات الحرارة. وأكد الشاهد انطلاق التحقيق في هذه الشبهات المتواترة والبحث في أسباب اندلاعها. وكان المدير الجهوي للحماية المدنية العقيد منير الريابي قد صرح للإذاعة الخاصة موزاييك، الأربعاء 2 آب/ أغسطس الجاري أن "النيابة العمومية قد فتحت تحقيقًا في اندلاع هذه الحرائق خصوصًا في ظل تزامنها، الأمر الذي يثير الشكوك أنها مفتعلة".

تتعدد الشبهات حول أن تكون الحرائق المتكررة في غابات تونس مفتعلة وسط دعوات للتحقيق في من يقف خلفها

وتجدر الإشارة إلى أن تونس عرفت خلال شهر تموز/ يوليو الفارط، ارتفاعا ملحوظًا في درجات الحرارة، إذ تتراوح القصوى بين 34 و38 درجة بالمناطق الساحلية الشرقية، وبين 38 و43 درجة ببقية الجهات، حسب بيانات المعهد الوطني للرصد الجوي (مؤسسة حكومية تونسية تهتم بالرصد الجوي).

يذكر أن قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال التونسي يتعرض في الفقرة 5 من الفصل 14 منه إلى أنه "تصنف جريمة إرهابية الإضرار بالأمن الغذائي والبيئة بما يخلّ بتوازن المنظومات الغذائية والبيئية أو الموارد الطبيعية أو يعرض حياة المتساكنين أو صحتهم للخطر. ويعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عامًا وبخطية من خمسين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من يقترف فعلاً من الأفعال المشار إليها".

غضب شعبي وحملات مساعدة

يبدو الأمر إذًا أشبه بإرهاب بيئي لحجم الضرر الملحق بالكساء النباتي والغابات والحيوانات وحتى بالبشر، والذي من المنتظر أن تتحدد حجم خسائره في الأيام القليلة القادمة بعد توقف الحرائق كليًا. وهو ما أجج غضب البعض، الذي بدا جليًا في مواقع التواصل الاجتماعي، إزاء ما رأوا أنه "عجز الدولة ومؤسساتها في حماية المواطنين وثرواتهم". وهي في الحقيقة موجة غضب معتادة إذ طالما همشت مناطق الشمال الغربي التونسي من رجال السلطة قبل الثورة وبعدها وهي المناطق التي ظلمتها الجغرافيا بفيضانات شتوية وحرائق صيفية ولم تراعها سلطات البلاد بعناية خاصة فزادها الحال سوءًا على سوء.

 

 

لكن التفاعل لم يقتصر على التنديد والتعبير عن الاستياء، إذ توجه مثلًا أعضاء منظمة أنا يقظ، وهي منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة تهتم بتدعيم الشفافية ومراقبة الفساد المالي والإداري خاصة، للإعلان عن حملة بعنوان "حملة مساعدة لأهالينا بجندوبة"، جاء فيها استقبالهم مساعدات للمتضررين من الحرائق في محافظة جندوبة واهتمامهم بإيصالها قصد تجديد ما تضرر من المنازل ومحتوياتها. وكان التجاوب إيجابيًا وواسعًا من التونسيين، حسب ما أكده رئيس المنظمة أشرف العوادي على صفحته بموقع فيسبوك.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأحياء الشعبية التونسية: على هامش الدولة (1/2)

الأحياء الشعبية التونسية: على هامش الدولة (2/2)