29-يناير-2016

مدينة تيبازة حيث يحتضن جبل شنوة البحر (Getty)

صحيح أن السفر يريح قلوب البشر، ويزيح الغمام عن أفكارهم ويمنحهم القوة والطاقة لرؤية مالا يراه أيًا كان بصفاء ذهن، كما أن "المدن تخفي أسرارها أمام ساكنيها لتبوح بها لزائريها فقط"، عبارة للخبير في الأنثروبولوجيا التونسي صالح علواني وهو يصف مدن الجزائر واحدة واحدة، بحب كبير وبتفاصيل حتى سكانها لم يكتشفوها أو مروا عليها مرور الكرام.

"المدن تخفي أسرارها أمام ساكنيها لتبوح بها لزائريها فقط"، هكذا هي مدن الجزائر

كان الدكتور صالح علواني يذكر أسماء شوارع ومدن زارها في الجزائر وكأنه العاشق لبلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد ألهمه الكثير للتقدم في بحوثه الأكاديمية رغم أنه سبق وأن زار مدنًا أخرى فيها الكثير من الآثار القديمة، إلا أن الجزائر كانت تقدم له يوميًا "وجبات علمية دسمة"، في هذا يقول: "من يريد قراءة التاريخ مرة أخرى والمشي عبر مراحله وعصوره عليه أن يزور "تيبازة" و"قسنطينة" و"تلمسان" و"مستغانم" و"أدرار" فالتاريخ هناك مفتوح للجميع"، كلها مدن ألهمته في كل زيارة وقدمت له فرصة اكتشاف الجزائر وروعة مدنها، وخاصة الآثار والمدن القديمة.

ليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها ابن مدينة "فريانة" التونسية، صالح علواني، الجزائر، ففي كل مرة يكتشفها من زاوية مغايرة. تركت "المدية"، مدينة العلامة محمد بن أبي شنب، في نفس القادم من الجارة تونس الكثير من الذكريات، يقول عنها إنها "جمعت المشاهد الجميلة، لتواجدها في قلب الجبال وبين غابات ولرحابة شوارعها الواسعة وهوائها النقي، فهي مفتوحة على الكثير من الحكايات والقصص التاريخية الملهمة والتي صنعها سكانها منذ قرون".

يضيف الأستاذ علواني لـ"الترا صوت": "المدن الجزائرية جميلة جدًا، أنتم لا ترونها جيدًا لأنكم تقطنون فيها أما نحن فنراها من بعيد ونعيد قراءة تاريخها ونتلمس جدرانها وشوارعها وقصورها وأزقتها الضيقة، إنها مادة ملهمة لدارسي التاريخ ومهمة لعشاق السياحة".

من مدينة "المدية" نحو الجزائر العاصمة، وبالضبط في اتجاه مطار هواري بومدين الدولي، لفت انتباه الأستاذ علواني مدينتي "تيبازة" و"شرشال" الجميلتين. يقول عنهما: "لو اجتمعت العشرات من المدن لما أخرجت طبيعة مدن "بيزنطا" القديمة، لم أشاهد شروق شمس أو غروبها مثل ما شاهدته في مدينة "تيبازة" خصوصًا مشهد احتضان جبل "شنوة" لبحر المدينة". ويضيف علواني: "جبل شنوة يمكنه أن يكون رمزًا للقوة والشجاعة الجزائرية فهو يحتفظ بأسراره ويعطي زائره فقط القليل من الحكمة والنقاء والصفاء".

رحلة أستاذ الأنثروبولوجيا من مدينة "المدية" نحو مطار الجزائر الدولي، تخللتها تفاصيل أخرى عن بعض الأحياء التي وطأتها قدماه، وعن ذلك يتحدث لـ"الترا صوت": "أذكر من غرفة فندقي بالقرب من ساحة الشهداء في قلب الجزائر العاصمة، كان مشهدًا رائعًا لخليج الجزائر والقصبة العتيقة المعلقة في الهضبة البيضاء، أذكر كيف كنت أمشي بين أزقة القصبة بحثًا عن كل تفاصيل معركة التحرير الجزائرية التي حدثت هنا قبل ستين سنة كاملة".

كلها رسوم لمشاهد عن الجزائر حاول أن يخطها أستاذ الأنثروبولوجيا صالح علواني بتعابير كادت تنسينا أننا في محطة سفر بالمطار ننتظر إقلاع الرحلة نحو الخضراء، انطلاقًأ من بلدي الجزائر، التي رأتها وروتها هذه المرة عيون تونسية.

اقرأ/ي أيضًا:

عين الفوارة... عادوني يا ماليا

غرداية... الوجه الأزرق الساطع للجزائر