03-يوليو-2016

من صور اللاجئين السوريين في مخيمات الشمال السوري على الحدود التركية (Getty)

يعيش أحمد 24 عامًا، من ريف دير الزور، شرق سوريا، في مدينة إسطنبول التركية، مع زوجته وابنه الوحيد، إذ ينحصر اهتمامه في هذه الأيام في تأمين لقمة العيش لعائلته وهو لأجل ذلك ينتقل من عمل لآخر، بغية الحصول على الأجر الأفضل، حال أحمد وأسرته كحال مئات العائلات من أبناء قريته ممن فضلوا الخروج باتجاه تركيا، والمخاطرة بحياتهم في سبيل إيجاد فرصة عمل.

داعش يحاول الحد من ظاهرة هجرة المدنيين من أراضيه عبر عدة وسائل منها المنع وفرض جلب أذن بالسفر من الأمنيين التابعين له

يقول أحمد: لست وحدي هنا، إخوتي يعملون في ريف محافظة قونية وسط تركيا في زراعة الخضراوات، فيما عشرات العائلات من أقربائنا تعمل في مدن أنطاكية أو أورفا بتركيا في ذات العمل، وهناك عدد أكبر وراء الحدود ينتظر طريقًا آمنًا للدخول للأراضي التركية، لم يبق سوى العجائز في قريتنا.

اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي

تعيش حوالي مائة وخمسون عائلة من بلدة أحمد في مخيمات في الشمال السوري، في ظروف إنسانية سيئة، وهم ينتظرون فرصة للخروج باتجاه الأراضي التركية، حيث دفعتهم الظروف الاقتصادية المستمرة بالتدهور في عموم دير الزور والمناطق التي يسيطر عليها داعش خاصة للنزوح باتجاه تركيا، يعزز من هذه النية ممارسات التنظيم الدموية والتي قد تطال أي شخص وتثلم حياة أي عائلة لذلك يفضلون الخروج على البقاء تحت الخطر المحدق، وعندما وجدوا الحدود التركية قد أغلقت دونهم قرروا البقاء في مخيمات ريثما تتغير الظروف سواء في دير الزور أو على الحدود.

أحمد كان يعمل في تكرير النفط بشكل يدوي في بلدته بدير الزور مما كان يؤمن له ولعائلته الكفاف، إلا أن الاستهداف المتوالي لحقول النفط وأماكن التكرير من قبل طيران التحالف، وارتفاع سعر برميل النفط الخام الذي تبيعه داعش، وتذبذب حركة التجارة من وإلى دير الزور بسبب المعارك، قد جعل المهنة التي يعمل بها تتدهور.

التنظيم بدوره تنبه لهذه الهجرة المتصاعدة فعمل على الحد منها عبر عدة وسائل منها المنع وفرض جلب إذن بالسفر من الأمنيين التابعين له، كما عمد إلى مصادرة منازل من هاجروا، حيث صادر منذ فترة ليست ببعيدة حوالي 20 منزلًا عائدة لمهاجرين في بلدة أحمد، 14 منزل منها لعائلات تعمل في الأعمال الزراعية في تركيا، بينما الآخرون هم مغتربون في دول الخليج ضموا عائلاتهم إليهم.

لا يأبه أحمد بقيام التنظيم بمصادرة المنازل، فمنزله قد دمره الطيران الروسي أثناء تواجدهم هنا، وهو كذلك غير آبه لذلك، يقول: "منذ سنين ونحن مهجرون ومبعدون منزلنا لكونه واقع في منطقة تقصف باستمرار من طيران النظام، وها نحن أخذنا مسافات شاسعة بالابتعاد عن المنزل الذي كان معرضًا للقصف والتدمير منذ سنوات خلت، لقد كان الأمر تحصيل حاصل".

"جلال الحمد" من مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور يضع داعش في مقدمة الأسباب التي تدفع الناس للخروج: "ربما هناك عوامل اقتصادية تدفع الأهالي للخروج ولكنها مرتبطة بوجود التنظيم وإعدامه لدورة الحياة فيها، ونحن نلاحظ من خلال مراقبتنا لواقع الهجرة أن الفئة الأكثر هجرة من دير الزور هي فئة الشباب وهي الفئة التي من الممكن أن يطالها التجنيد الإجباري من قبل داعش أو تنزل بها عقوبات تعسفية قاسية لأتفه الأسباب".

ويتابع جلال: "أما الأسباب الأخرى فهي إما انعدام الموارد الاقتصادية وانتشار البطالة على نطاق واسع بين فئة الشباب في مناطق داعش، وكذلك فإن اقتراب القوات المناوئة لداعش ومنها قوات سوريا الديمقراطية من دير الزور، قد جعل الناس يتكهنون بفترة عصيبة قادمة عليهم، مما يدعوهم لترك المحافظة إلى أن يحسم الصراع العسكري المرتقب فيها".

بينما يبحث أحمد عن عمل تتأهب عائلة سعيد للخروج من دير الزور باتجاه الحدود التركية، لا شيء يعيقهم عن ذلك سوى الخوف من خطورة الطريق، وخصوصًا بعد علمهم بالأخبار المتتالية عن مقتل مدنيين على الحدود من أطراف عدة، وهم ينتظرون عبور عائلة من أقربائهم الحدود كانت قد غادرت منذ أيام ليقرروا بعدها إن كانت الرحلة آمنة أم لا.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

يقول سعيد: "لم يبقَ لنا شيء هنا معظم أفراد العائلة تعمل في دول الخليج بينما توقفت أعمال ومهن الباقين هنا، سوف نحاول الخروج قبل عيد الفطر، عسى أن نستطيع الالتقاء بأبنائنا الذي قرروا القدوم لتركيا لرؤيتنا في العيد، مرت سنوات ولم نرهم".

ويضيف: "أسباب كثيرة دفعتنا للخروج، وقد كنا حتى فترة قريبة مستبعدين هذا القرار، أول الأسباب هو تردي واقع الخدمات إن لم نقل انعدامها، إضافة لغلاء أسعار المواد الغذائية، وغياب الأفق وعدم مقدرة أبنائنا من القدوم إلينا لرؤيتنا هنا".

ويتمنى سعيد العودة لموطنه خلال الأشهر أو السنين القادمة حيث يختم حديثه: حتى الآن لم يعد أحد ممن غادر سوريا عمومًا ودير الزور خاصة بعد الثورة وهذا أمر غير مشجع على الرحيل، يبدو أننا لن نعود، ولكننا مجبورون على الخروج.

يلتزم من يغادر دير الزور الصمت ولا يفصح عن الوجهة التي ينويها، وذلك خشية افتضاح أمرهم أمام داعش وما يتبع ذلك من ملاحقة أو عقوبات تنزل بهم

يلتزم من يغادر دير الزور الصمت ولا يفصح عن الوجهة التي ينويها ولا عن نيته بالسفر حتى، وذلك خشية افتضاح أمرهم أمام التنظيم وما يتبع ذلك من ملاحقة أو عقوبات تنزل بهم، وبسبب ذلك فإن أجور السفر والتنقل والتهريب بين مناطق التنظيم ومناطق الجيش الحر أو بين الأخيرة وتركيا تكون مرتفعة جدًا، إضافة إلى أنها غير آمنة.

وقبل عدة أشهر وقعت عدة حوادث قتل لعائلات من دير الزور أثناء توجهها إلى تركيا وذلك بعد انفجار ألغام أرضية كان تنظيم داعش قد زرعها على طرق ريف حلب الشمالي أثناء قتاله مع الجيش الحر، فخلال الشهر الثاني من هذا العام استشهد عدة مدنيين من عائلتين كانتا قد قدمتا من مدينة العشارة في ديرالزور باتجاه تركيا، جراء انفجار عدة ألغام على الطريق الواصل بين قرى الوحشية وأم حوش بريف حلب الشمالي، وذلك أثناء محاولتهم العبور من مناطق داعش إلى مناطق الجيش الحر.

وأفاد مصدر مقرب من إحدى العائلتين أن الأسرة التي جاءت من مدينة العشارة كانت مجبرة على السير على الأقدام لمسافات معينة، لتفادي حواجز تنظيم داعش الذي يمنع مغادرة المدنيين من مناطقه، وذلك برفقة سائق سيارة الأجرة التي كانوا يستقلونها، وبعد فترة وجيزة من المسير على الأقدام، انفجر في مجموع المسافرين لغم أرضي مما أدى لاستشهاد عدد منهم واختفاء الجزء الآخر.

فيما استشهدت فتاة تبلغ من العمر 20 عامًا وطفلة كذلك من دير الزور عقب انفجار لغم مجهول المصدر بالقرب من منطقة كلس التركية الحدودية، حيث كانت عائلتهما تتوجه لتركيا بقصد العمل في الزراعة، وعلى الجانب التركي استشهدت فتاة من مدينة موحسن بريف دير الزور الشرقي، جراء استهدافها من قبل قناص يتبع للجندرما التركية.

الناشط والإعلامي "عمر أبو ليلى"، من دير الزور، يوضح أن الأسباب الاقتصادية واضحة في حركة الهجرة الأخيرة من مناطق داعش عمومًا ودير الزور خاصة باتجاه تركيا أو لبنان أو حتى الأردن، وهو بسبب سيطرة داعش على المنطقة والتي أدت لتدني مستوى الإنتاج الزراعي، كما سيطر على موارد النفط واختصها لنفسه، فعادت ظاهرة الهجرة بغرض العمل والتي كانت رائجة على أيام النظام السوري والتي تراجعت خلال الثورة.

ويضيف: "ومما دعم ذلك أكثر هو حملة القصف الروسي، فمنذ دخوله على خط القصف في دير الزور ونحن نلاحظ ازدياد مضطرد بأعداد النازحين، كما أنه لا يمكننا إغفال ممارسات داعش التعسفية والتي بدأت تطال المواطن العادي الذي لا يملك رأيًا سياسيًا فيما يحدث ولا يعمل في الشأن العام من قريب أو بعيد".

الجدير بالذكر، أنه وخلال الأسابيع الأخيرة أصدرت المحكمة المركزية في مدينة إعزاز الحدودية مع تركيا والتي تتبع لها عدة فصائل، قرارًا تمنع فيه المدنيين من أبناء المناطق الشرقية التي تخضع لسلطة تنظيم داعش من دخول المدينة، وبررت قرارها بخوفها من تشكيل خلايا نائمة للتنظيم داخل المدينة وهو ما أثار حفيظة الناشطين من أبناء هذه المناطق.

اقرأ/ي أيضًا:

الجوع..سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

دبلوماسيون أمريكيون يطرحون رؤية أخرى للحرب السورية