17-أغسطس-2018

نزار صابور/ سوريا

الله لا يحب دموع الأمهات

حين كان يتعلق الأمر بصحة أولادها كانت أمي تتكئ على الغيب، الآلهة التي عرفتهم من حكايات جدتها، وتعاليم الراهبات في دير بلمانا.

قرأت في الإنجيل والقرآن، وتعرفت على طقوس المذاهب الدينية المنتشرة في الساحل السوري، واكتشفت في سن مبكرة بأن الله لا يحتاج لكل هذه المعابد والمباني الشاهقة لتصلي له، حفظت صلاتها بداخلها واكتفت بها.

كانت تخجل من دموعها إذا صادف ورآها أحد أولادها الستة، لذلك استبدلت دموعها بالغناء الخفيض، تغني لنا أحلامها وأمنياتها اللحوحة بأن تحمينا الآلهة وتحفظنا من كل سوء.

حين داهم الخطر منزلها الصغير، وخطف حافظ الأسد ثلاثة من أولادها، وغيبهم لسنوات في أنفاق العتمة، لم تتخلَ عن إيمانها وثقتها بأن الآلهة ستضيء لها ليل أيامها.

طرقت بأصابعها التي هدها التعب والانتظار الحارق على أبواب المعتقلات الخبيثة، ولم تعرف للخوف طريقًا.

انتظرت أولادها دون أن تسمح لأحد أن يرى دموعها، لأنها كانت تخجل من قلوب الأمهات اللواتي فقدن أولادهن هناك.

رحلت أمي وهي تثق بأن الله يسكن في سماء البلاد، لذلك كانت ابتسامة الرضى تسكن وجهها.

 

قصة سورية جدًا

في الطريق الموحل والبارد جدًا إلى مدرستي، كنت أبكي بحرقة، ليس لأن أصابع قدمي أتلفها الصقيع وقد تورمت وازرقت، بل لأن سخرية الأولاد كوني أسير حافية بدون حذاء على طول الطريق كانت موجعة واخزة.

مهينة جدًا تلك الكلمات التي جعلت الأشواك اللئيمة تنمو على رصيف طفولتي وحرمتني من اللعب ومن صحبة الرفاق.

ظل صدى ذاك الألم يصيب روحي وذاكرتي بوخز القهر المسموم لفترة طويلة.

إلى أن قرعت الحرب بابي، وقطعت قدمي.

صرت أضحك على تلك الذاكرة بشكل هستيري حد البكاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خمسة أرانب

حكايات للبنت الطيبة