19-أغسطس-2016

من الفيلم

ضمن محاولاتها لتقديم تجارب سينمائية عربية جديدة ومختلفة للجمهور المصري، عرضت سينما "زاوية" في القاهرة، يوم الأحد الماضي، الفيلم الفلسطيني "حب وسرقة ومشاكل أخرى" للمخرج مؤيد عليّان. الفيلم هو باكورة الأفلام الروائية الطويلة للمخرج بعد عدة أفلام قصيرة لافتة، وإلى جانب إخراجه فقد تولى مؤيد عليان تصويره وتأليفه وإنتاجه بالمشاركة مع أخيه رامي عليّان من خلال شركة إنتاج صغيرة أسساها تحت اسم PalCine Productions. 

هل يمكن اعتبار السخرية وسيلة إنقاذ فنية للسينما الفلسطينية من تسييس الفيلم؟ 

قام ببطولة الفيلم مجموعة من الممثلين الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة: سامي متواسي، مايا أبو الحيات، رمزي مقدسي، رياض سليمان، وآخرين. السخرية تعتبر من أهم ملامح السينما الفلسطينية المعاصرة (إيليا سليمان وهاني أبو أسعد وميشيل خليفي في فيلمه الأخير) فهل يمكن اعتبار السخرية وسيلة إنقاذ فنية للسينما الفلسطينية من تسييس الفيلم؟ في رده على هذا السؤال في حوار تلفزيوني مع فرانس 24 يقول المخرج: "السخرية بتهون عليك مصايبك، فحين تصل إلى درجة كبيرة من الإحباط والغضب الكبيرين تقرر أن تتعايش مع المأساة وتضحك عليها بديلًا عن الانكسار واليأس. الحياة صعبة وغريبة ومربكة ولا تدري هل تضحك أم تبكي، فممكن أن تكون السخرية مخرجا ووسيلة للتنفيس والمعايشة".

اقرأ/ي أيضًا: تورناتوري.. ساعتان من الضجر للاحتفاء بالحب

بداية من العنوان "حب، سرقة ومشاكل أخرى" الذي يبدو عنوانًا مناسبًا لكوميديًا أمريكية أو إيطالية، يمكن الإشارة إلى نَفَس مختلف يأتينا به الفيلم، وليس من قبيل المبالغة القول بشجاعة المخرج أن يبدأ فيلمه بلقطة مقربة وممتدة لكومة صغيرة من الإسمنت الطري والجير والرمل. ولكن هكذا يحدّد عليّان نبرة فيلمه الكوميدي الذي اختار تصويره بالأبيض والأسود وبذلك يتنازل ضمنيًا عن التقليد المعتمد في أغلب الأفلام الفلسطينية بتصوير المشاهد الطبيعية الجميلة. ما من بساتين زيتون خصبة ولا لقطات واسعة للطبيعة الساحرة، فقط صورة رمادية شاحبة وكاميرا ثابتة أغلب الأحيان تعاين الخراب الصامت البطيء. هكذا يختار المخرج التعبير بصريًا عمّا يشعر به الناس في فلسطين اليوم، وهكذا يبتعد بشجاعة منذ البداية عن النوع الذي تعتمده وتهواه المهرجانات والجهات المانحة حين يتعلق الأمر بصورة فلسطين.

فلسطين الفيلم ليست مكانًا للقناعات الراسخة في وسائل الإعلام وليست مساحة جغرافية يغمر ساكنيها التفاؤل، بل هي مكان الاستثمار الوحيد الناجح فيه هو الخروج منه، الحصول على فرصة للهرب. لن تجد هنا دراما االصمود اليومي والنضال من أجل البقاء على قيد الحياة في هذا الجزء من العالم، ولكن هذا لا يعني تجاهل المخرج للصعوبات المعيشية في بيت لحم والقدس الشرقية ولا اللجوء إلى بعض العناصر المألوفة، بل إنه سيستخدم بعضها لجعلها جزءًا من نسيج حكايته.

يقارب الفيلم الواقع الفلسطيني من خلال شخصية موسى (سامي متواسي)، شاب فلسطيني من أحد مخيمات الضفة الغربية اضطر والده للعمل وتشغيله معه في بناء المستوطنات الإسرائيلية. موسى لص سيارات. موسى لديه طموح ويحلم بالخروج من أسر المأزق الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيش فيه مع باقي الفلسطينيين، لذا في أحد أيام العمل مع والده يترك الإسمنت والرمل ليقوم بما يقوم به عادة: يسرق سيارة. هذا الفعل الروتيني بالنسبة للص سيارت سيقلب حياة موسى تمامًا. 

يقارب فيلم "حب وسرقة ومشاكل أخرى" الواقع الفلسطيني من خلال شخصية لص سيارات

هناك بالقرب من الجدار الفاصل تتراص سيارات كثيرة يتركها العابرون من الجهة الفلسطينية إلى الجهة الإسرائيلية، يسرق موسى إحداها -ظنًا أنها إسرائيلية- ليكتشف في صندوقها جنديًا إسرائيليًا مخطوفًا. يسعى موسى للحصول على بعض المال من إعادة بيع أجزاء السيارة ولكن الأمر يتعقد جدًا بتعقبه من قبل المقاومة الفلسطينية والأمن الإسرائيلي، أضف إلى ذلك العبء الإضافي متمثلًا في علاقته بامرأة متزوجة (مايا أبو الحيات) من رجل أعمال ثري وعنيف. تتحطم أحلام موسى ويسعى للهجرة إلى إيطاليا بحجة كونه لاعب كرة قدم بفريق فيورنتينا. في خلفية هذه القصة وثناياها هناك طبقات متعددة من الكوميديا السوداء والأحزان الصامتة والتأثيرات السينمائية لآخرين: أنباء في الراديو عن صفقة لمبادلة الجندي المخطوف بمئات الأسرى الفلسطينين، وسؤال مباغت يخرج على لسان موسى عن جدوى الصفقة وجدوى الخروج من المعتقلات الفلسطينية وجدوى العيش في فلسطين أصلًا، وهذا الجندي الذي يتم تقديمة في الفيلم بصورة كاريكاتورية، وكتابات على الجدران ترفض اتفاقيات أوسلو وتشتمها، وأمهات فلسطينيات ينتظرن لسنوات خروج أطفالهن الذين صاروا رجالاً في السجون الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: أليخاندرو إيناريتو: عليك أن تنهي هذا السباق

في أحد المشاهد الزاعقة في الفيلم، يساجل موسى أحد قيادات المقاومة الفلسطينية الذي يطالبه بتسليم الجندي الإسرائيلي لهم لإكمال صفقة التبادل ويعترف بأنه كان مثله الأعلى حين كان طفلًا صغيرًا في المخيم، ولكنه يحمّله –هو والطبقة الفلسطينية الحاكمة- مسؤولية ما وصلت إليه الأمور –خصوصًا بعد وفاة ياسر عرفات- من فساد، جعلت فلسطين مكانًا ينهش فيه الفقر وليس لواحد مثله سوى التسوّل أو السرقة. 

يبدو واضحًا سعى صناع الفيلم لإنجاز فيلم فلسطيني كوميدي في حدوده الأدنى (Minimalist) ولكن ذلك لا يمنع وجود هفوات وارتباكات نصية تعرقل مسار الكوميديا. يهتم عليّان بالشباب كفئة مأزومة بواقعها الفسلطيني والطريقة التي تعيش بها تحت الاحتلال الاسرائيلي، كانعكاس طبيعي لتجربته الشخصية ونشأته في القدس المحتلة. هذه التجربة تؤثر على كل عمل فني أيًا كانت نية صانعه. "كلنا نريد أن نؤلف موسيقى وفنًا من دون وجود الاحتلال" كما يقول عليان. 

لم تستأثر السياسة بالاهتمام ولم ينجح الفيلم في الابتعاد عنها تمامًا، ولكن المؤكد أن "حب وسرقة ومشاكل أخرى" قدّم بورتريهًا مختلفًا لفلسطين وإن كان ناقصًا، كذلك قدّم عليّان فيلمًا كوميديًا واعدًا حاول فيه أن يلعب في منطقة جديدة، لكن تظل هناك نواقض وإضافات تربك الخلطة السينمائية، ويظل المطلب الملح بالحاجة إلى المزيد من الدعم لمثل هذه التجارب السينمائية حتى تخرج على الشكل الأمثل.

اقرأ/ي أيضًا:

لوحات فان جوخ تحكي قصة موته الغامضة

في تفوق السينما