05-يناير-2019

أراد السيسي الظهور بمظهر الزعيم القوي، لكن الأمور لم تسر على هواه (فيسبوك)

كان من الممكن أن تمر، دون اهتمام، مع بعض الانتقادات العابرة لجنرال يسيطر ويحكم بالحديد والنار، تمتلئ سجونه بالمعارضين. لكن ماذا حدث وكيف تحولت مقابلة تلفزيونية من المقرر أن تبث الأحد ضمن برنامج 60 دقيقة على قناة "سي بي إس" الأمريكية، مع الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي، إلى محور اهتمام إعلامي وحقوقي واسع، دفع منظمة العفو لنشر بيان عن المعتقلين وحالة حقوق الإنسان في مصر، وذهبت بعض الصحف الدولية لتحليل أسباب الخوف الذي دفع النظام المصري لمطالبة القناة الأمريكية بعدم بث المقابلة.

نالت مقابلة السيسي مع برنامج 60 دقيقة، اهتمامًا حقوقيًا وإعلامًيا واسعًا، خاصة مع الترويج إلى أن النظام المصري طلب عدم إذاعتها

بين كل الأسئلة التي تدور في الأذهان سيكون السؤال الأبرز، هو لماذا يذهب السيسي من الأساس، لمثل تلك النوعية من اللقاءات التي لن تحاوره كما تعود في الإعلام المصري، حول إنجازاته التي يتباهى بها داخليًا؟ لماذا ذهب لمقابلة سكوت بيلي المذيع المعروف بجرأته وأسئلته الصادمة، دون أن يحصل على الأسئلة مكتوبة من قبل؟ 

كما وضحت معدة البرنامج التي ظهرت في فيديو تشويقي جديد، بث فجر يوم السبت، تحدثت فيه حول كواليس المقابلة، فإن "السيسي كان يريد أن يظهر على الساحة العالمية مثل قادة الشرق الأوسط الأقوياء، ولذلك وافق على إجراء الحوار دون الحصول على الأسئلة مكتوبة، كما طلب قبلها بشهر، لكننا رفضنا".

اقرأ/ي أيضًا: سخرية واسعة من مقابلة السيسي واعترافاته على شاشة الـCBS

محاولة الظهور كقائد على المسرح العالمي، وموافقته على إجراء حوار مع مذيع جريء، بالرغم من قلة إمكانياته، هي التي تسببت للرئيس المصري بحالة ارتباك، دفعته للاعتراف للمرة الأولى بالتعاون مع إسرائيل وقيامها بتنفيذ طلعات جوية على سيناء، ثم تأتي العشوائية في عمل النظام المصري عندما أوعزت الحكومة للسفير المصري في واشنطن بمطالبة القناة الأمريكية بعدم بث المقابلة. أوقع كل ذلك السيسي ونظامه في حرج كبير، وتحولت المقابلة لمادة خصبة، للترويج والجدل والضغوط والانتقادات، والسخرية بطبيعة الحال.

كان يريد الظهور

لم يتوقف برنامج 60 دقيقة عند حد بث الإعلان التشويقي الذي أثار حالة جدل كبيرة منذ يوم أمس، ولكنه أيضًا دفع في اتجاه مزيد من التشويق، فجر السبت، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، حيث بث لقاءً لنحو دقيقة و30 ثانية مع سكوت بيلي المذيع الذي أجري الحوار مع السيسي، إضافة إلي منتجة البرنامج، تحدثا فيه بشكل مقتضب عن بعض كواليس الحوار الذي أجري مع الرئيس المصري في أيلول/سبتمبر الماضي، دون أن تعلن القناة عن سبب تأخر بث اللقاء لنحو ثلاثة أشهر.

قالت منتجة البرنامج أو المعدة، إن السيسي طلب الأسئلة مكتوبة قبل إجراء المقابلة، ولكنها ظلت لنحو شهر تؤكد أن تلك المسألة ليست واردة على الإطلاق في برنامج 60 دقيقة"، متابعة بلهجة تحمل سخرية واضحة: "هو كان يريد أن يظهر على المسرح العالمي، ويريد أن يظهر من قادة الشرق الأوسط الأقوياء، ونحن أتحنا له ذلك".

أما المذيع سكوت بيلي، المعروف بالجرأة في طرح الأسئلة حتى أن بعض الشخصيات العامة تخشى مقابلته، فقد قال في مقام الإجابة على سؤال لزميلته المذيعة حول خشيته من اعتراض السيسي على بعض الأسئلة ومغادرة اللقاء، رافضاً الإجابة:  "لا يهمني. ما يعنيني إن كان ثمة سؤال يجب أن يسأل فسوف أطرحه نيابة عن العالم، ولو قرر السيسي خلع الميكروفون، وترك الغرفة اعتراضًا على سؤال فيمكن اعتبار هذا التصرف إجابته عن سؤالي". تعود السخرية من جديد هذه المرة مع بيلي عندما تسأله المذيعة إن كان السيسي يعرف طبيعة برنامج 60 دقيقة قبل الموافقة على إجراء الحوار، حيث يجيب: "أنا أيضاً أتساءل".

وكان برنامج 60 دقيقة قد نشر يوم الخميس، مقطع فيديو ترويجيًا للقاء مع السيسي، تحت عنوان "المقابلة التي لا ترغب الحكومة المصرية في إذاعتها"، تضمن مقتطفات من اللقاء، الذي يظهر فيه الرئيس المصري متعرقًا، متناولًا وفقًا للقناة التعاون المصري الإسرائيلي في سيناء، وقضايا أخرى مثل مجرزة رابعة.

مخاوف السيسي

نالت المقابلة التي لم تبث بعد، اهتمامًا حقوقيًا وإعلامًيا واسعًا، خاصة مع الترويج إلى أن النظام المصري طلب عدم إذاعتها. ووفقًا لما نشر من جانب برنامج 60 دقيقة حول المقابلة المنتظرة، فإن ملف حقوق الإنسان والعلاقة مع إسرائيل كانتا أبرز ما يمكن أن يخشاه النظام المصري، خاصة وأن هناك دعوات داخلية كبيرة في مصر للمطالبة بتعديلات دستورية تتيح للسيسي الاستمرار على رأس السلطة في مصر.

حيب نشرت منظمة العفو الدولية عبر تويتر، بيانًا حول المعتقلين السياسيين في مصر، معتبره أن حملة القمع لحرية التعبير في البلاد، وصلت في عهد السيسي إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق. وأضافت: "يدّعي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقابلة مع قناة CBS أنه لا يوجد سجناء سياسيون في مصر. في الواقع، وصلت حملة القمع لحرية التعبير في مصر إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق خلال رئاسته".

اقرأ/ي أيضًا: "الأمن الفكري" في المدارس المصرية..شرطة الفكر؟

فيما قالت صحيفة واشنطن بوست إن ادعاءات السيسي بعدم وجود معتقلين سياسيين كاذبة، فإلى جانب المعتقلين من الإسلاميين، هناك آخرون من المعارضة غير المرتبطة بجماعات الإسلام السياسي، وبعضهم علماني وأصحاب توجهات إصلاحية، ما يشير إلى كذب ادعاء السيسي أن أغلب معارضيه من الإسلاميين المتطرفين. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ما يحدث في مصر هو حملة قمع يديرها النظام ضد المعارضة، وفقًا لمنظمات وجماعات حقوقية، وأن "المعتقلين ليسوا أكثر ما يثير مخاوف السيسي"، حتى يطلب وقف بث اللقاء، لكن المرعب أكثر بالنسبة له، هو التأكيد على معلومة السماح لإسرائيل بتنفيذ غارات جوية في سيناء.

 نشرت منظمة العفو الدولية عبر تويتر، بيانًا حول المعتقلين السياسيين في مصر، معتبره أن حالة قمع حرية التعبير في البلاد، وصلت في عهد السيسي إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق

ليس الحديث عن تعاون مصري إسرائيلي وطلعات جويه لسلاح الجو الإسرائيلي في سيناء بموافقة مصرية، جديدًا، ولكنه سيكون للمرة الأولى على لسان رأس السلطة في مصر، التي يتعامل شعبها مع إسرائيل بإجماع علي أنها عدو. كان أبرز تلك التسريبات ما نشرته نيويورك تايمز في شباط/ فبراير الماضي، تحت عنوان "تحالف سري: إسرائيل تنفذ غارات جوية في مصر بموافقة القاهرة". حيث كشف التقرير وقتها تفاصيل علاقات عسكرية سرية بين كلا الجانبين، مبينًا أن تلك الغارات بدأت  من قبل 2016، إذ نفذت طائرات إسرائيلية أكثر من 100 غارة داخل الأراضي المصرية وذلك بموافقة الرئيس المصري نفسه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في ناصرية وساداتية السيسي

أيادي السيسي الناعمة