09-نوفمبر-2015

مقطع من غرافيتي في صنعاء (Getty)

في الليالي المقمرة.. يتسامر الجنود،
يتحدثون بلا مبالاة كمتقاعدين،
يجعلون من الخندق مقهىً يتنهدُ
دخانَ السجائر والذكريات
بانتظار المحاق!
ذلك الجلباب الذي يحول الجبهة كلها
خندقًا مظلمًا للهجوم المباغتِ،
فالاشتباك.
هل اقتبسوا هذا التكتيك الحربي من
تلالنا العاشقة؟!
إذ نكتفي في الليالي المقمرة
بالأحاديث البريئة فقط!
بانتظار بصيص عتمةٍ تعيدنا إلى
حالةِ الـ
اشتباك
*

أكان لا بد من قذيفة هاون حولاء تخطئ غرفتكِ وتستضيف أسرةً نزحت للتو إلى حيّكِ الآمن البعيد عن ساحة المعركة؟!
أكان لا بد من شظية أجبرتها طائرة الإف 16، حادة البصر كالصقر حمقاء اليد كالدب، على مغادرة معسكر العائلة إلى صدر صديقكِ الذي طالما أكّدتِ لي أنه ليس إلا صديق العائلة؟!
أكان لا بد من عودة أحد الخراطيش المنخرطة في تمثيلية مضادات الطيران؛ إلى مُحيا زميلتك التي كانت تصلح بيننا بسخرية لاذعة إزاء مخاصماتنا الطفولية؟!
أكان لا بد من أزمات الاتصالات التي أججت بيننا اتهامات التهرب من الآخر بعد أن كانت شبكاتها تحتضن بحبور دردشاتنا اللامتناهية؟!
أكان لا بد أن تصاب قريبتك المتقاعدة التي طالما نصحتك بأن تتخلي عن كبريائك الأنثوي في حضرة العشق (وكنتِ تنكرين تحقق هذه الأسطورة المنقرضة) وأن تنزعي علقة الكفر بالعشق من قلبك المصمت كحبة جوز؟!
أكان لا بد من صورة (تعبيرية) لي، أحمل فيها الآر بي جي خلف متارس الأصدقاء؟! أكان لابد من كل هذه الحروب والخسائر الفادحة التي فجرت قلبك المصمت كي تعترفي بواقعية تلك الأسطورة كي
كي
ترمي
بوجهي
تلك
الكلمة
المنتظرة؟!
.
.
.
.
أكان لا بد أن تجعلي من وجهي جراء تلك الكلمة المقدسة مسرحًا يبتكر هذه النهاية الرومنستراجيدية السعيدة الفاجعة؟!
أكان لا بد أن تنتزعي مني قوس فرح ابتسامة النصر على كبريائك وسط سواقي الدموع المتخثرة على أطلال مترس الأصدقاء؟!
أكان لا بد أن تتأخري طوال السنوات الماضية من السلام الزائف لتُجاوزي بي الآن كل تجار الموت وأصير في ظرف اعتراف منك على رأس قائمة المستفيدين من هذه الحرب؟!
*

الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، قناص
بناظوره الليلي؛ يتناول أعشاب القات ويهم بارتشاف مشروبه المنبه... من يرى جسدي الشبيه بظلٍ لا جسد له؟!
الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، حبيبتي
النائمة؛ لا أتمشى في شوارع أحلامها ولست البطل الشعبي الذي يقلب موازين كوابيسها الضاجة بالقصف.. من يرى جسدي الشبيه بظل لا جسد له؟!
الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، السيجارة
التي هممت بتقبيلها تمنّعتْ قبل الاشتعال كشفاه حبيبتي.. من يرى جسدي الشبيه بظل لا جسد له؟!
الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، ضحكاتها
المربكة، طرائفنا المشتركة؛ أتذكرها وأكتم ابتسامتي العميلة (كما كنت اكتمها مدعيًا قِدم نكاتها).. من يرى جسدي الشبيه بظل لا جسد له؟!
الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، الهلال
الأعزل تحاصره الغيوم الكاذبة بخوائها.. من يرى جسدي الشبيه بظل لا جسد له؟!
الشارع المظلم، بشرتي السمراء، ملابسي الداكنة، الزقاق
المؤدي إلى متارس الأصدقاء على وشك ابتلاعي، حبيبتي تستيقظ من كابوس قناص أتمنى أن أكون بطله لأسرّع ولو مرة خفقات قلبها، القناص يستعيد وضعية (كيوبيد) الموت، الإصبع العمياء تحدد هدفها المتبدِّي كظل لا جسد له، عين ما أسقطت علبة شرابه المنبه، يضع سلاحه حفاظا على بقية القطرات المنبهة أن تُراق!
هل ينتقص من شاعرية هذا النص أن أشكر تلك العين التي لا تنام وأستغفرها عن سؤال ساذج تثيره ظلال كثيرة أرْدتْها عينُ القناص: من يرى جسدي الشبيه بظل لا جسد له؟!