31-ديسمبر-2022
الكاتب والمفكر الفلسطيني أنيس صايغ

الكاتب والمفكر الفلسطيني أنيس صايغ

في مذكرات أنيس صايغ (1931 – 2009) وسيرته الفكرية والعملية فصولٌ من سيرة نضال الشعب الفلسطيني والثقافة الفلسطينية، التي يحضر فيها مثقفًا ومفكرًا مناضلًا رأى في القلم والبحث والمقالة والمجلة والكتاب سبيلًا من أجل تحرير فلسطين الأرض والإنسان. فالمعرفة في نظره ركنًا أساسيًا، بعد التحرير، في بنيان فلسطين الغد. وكما أن الثقافة تحرُّر، فالتحرر يثقِّف. وهدفهما معًا، بحسب تعبيره، غنىً حضاري.

مذكرات أنيس صايغ وثيقة تاريخية تتضمن ما يؤرخ للعمل الثقافي النضالي الفلسطيني خلال مرحلة زمنية حرجة وفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية

لم يكن المفكر الفلسطيني الراحل قريبًا من العمل السياسي وخنادق القتال. ولكنه، مع ذلك، مارس نضاله الثقافي والمعرفي بملازمتهما وموازاتهما أيضًا، إذ لم يكن "مركز الأبحاث" الذي أداره و"الموسوعة الفلسطينية" التي أسسها، وهما بحسب تعبيره عالمه الصغير الذي أمضى فيه جل سنوات حياته، بعيدين عنهما.

هذا العالم الصغير أو الضيق الذي صنعه لنفسه وتحرك خلاله، إلى جانب ما جرى فيه من أحداث وتداعيات مهمة، هو موضوع حلقة برنامج "مذكرات" التي عُرضت مؤخرًا على شاشة "التلفزيون العربي"، تحت عنوان "مذكرات حارس الذاكرة الفلسطينية" بمشاركة كل من صقر أبو فخر ومحمود شريح.

بدأت الحلقة باستعراض ظروف نشأة الصايغ وتحولاته السياسية التي جرت بعد حرب السويس عام 1956، التي جعلت منه قوميًا عربيًا بعد أن كان سوريًا قوميًا اجتماعيًا. لكن الحلقة ركزت أكثر ما ركزت على عمله رئيسًا لـ "مركز الأبحاث" الذي أسسه شقيقه فايز صايغ بقرار من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في 28 شباط/ فبراير عام 1965، بالإضافة إلى علاقته الإشكالية بياسر عرفات وموقفه من سياساته.

أدار أنيس صايغ "مركز الأبحاث" الذي تولى رئاسته عام 1966 بحرية كبيرة مردّها إلى انسجامه مه رئيس منظمة التحرير آنذاك أحمد الشقيري، الذي لم يتدخل في شؤون إدارة المركز. لكن الانسجام والاحترام والتعاون الذي كان قائمًا بين الصايغ والمنظمة في عهد الشقيري، تحول إلى سلسلة صدامات متكررة بعد وصول ياسر عرفات إلى رئاستها، وتعامله مع الصايغ بوصفه وديعة من ودائع أحمد الشقيري، ثم اعتباره مواليًا للنظام السوري في مرحلة لاحقة.

لكن الخلاف الأساس بينهما دار حول مسألتين، هما: رفض المفكر الفلسطيني الراحل لتدخلات عرفات في شؤون إدارة "مركز الأبحاث" وسعيه إلى الحفاظ على استقلاليته – فمن بين ما يذكره الكاتب والباحث الفلسطيني صقر أبو فخر حول العلاقة بينهما، خلال الحلقة، أن عرفات كان يرسل إلى الصايغ أشخاصًا ليوظفهم في المركز، وأنه أعاد أشخاصًا فصلهم الصايغ من المركز إلى العمل فيه مجددًا – ومعارضته لسياساته وخطاب التسوية مع الاحتلال الذي راج في السبعينيات، وأفضى إلى توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993.

أنيس صايغ مثقف ومفكر ومناضل رأى في القلم والبحث والمقالة والمجلة والكتاب سبيلًا من أجل تحرير فلسطين الأرض والإنسان

شكّلت أوسلو مرحلة جديدة بالنسبة إلى أنيس صايغ التي كتب عنها في مذكراته: "في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر 1993 سقطت الأقنعة نهائيًا عن وجه السيد ياسر عرفات، ومعاونيه وبطانته وزلمه وحاشيته. وانكشفت النوايا والمخططات. وتبيّن لماذا كان مركز الأبحاث ومجلته والموسوعة الفلسطينية – المجندة كلها ضد الاستسلام – هدفًا دائمًا للطعن ومحاولات الإلغاء والتدمير. إن وصول المسيرة إلى تسوية 13/9 الاستسلامية كانت تفرض هدم العقبات وإزاحة العراقيل. لا بد من شطب النضال الثقافي لتحقيق الاستسلام السياسي".

مذكرات أنيس صايغ وثيقة تاريخية تتضمن ما يؤرخ للعمل الثقافي النضالي الفلسطيني خلال مرحلة زمنية حرجة وفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، عمل فيها على ضمان استمرارية النضال الثقافي الفلسطيني وبناء الذاكرة الفلسطينية عبر إدارته لـ "مركز الأبحاث" الذي نُصَّب على عرش الثقافة الفلسطينية في السبعينيات، وتأسيسه لمشروع "الموسوعة الفلسطينية" التي صدر منها 10 أجزاء وانطفأت بعد استقالته من رئاسة هيئتها بسبب اشتداد خلافه مع ياسر عرفات. والمركز والموسوعة هما أهم مؤسستين ثقافيتين فلسطينيتين على الإطلاق.