08-يناير-2022

يستضيف لبنان أكثر من ربع مليون عاملة من المهاجرات، صورة تعبيرية (Getty)

موجة من الغضب اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو يظهر اعتداء رجل لبناني على عاملة منزلية أجنبية بالضرب والسحل، أسفر ذلك عن اعتقال قوى الأمن الداخلي في لبنان المعتدي الأربعاء، وفتحت تحقيقًا في الحادثة، لكن سرعان ما تم الإفراج عنه، بعد إسقاط العاملة حقها، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا، وأعاد قضية "نظام الكفالة في لبنان" وما يحمله من ظلم واضطهاد للعاملات إلى الواجهة من جديد.

وتداول ناشطون منشورًا على فيس بوك لعصام أبو جوده مختار بلدة جورة البلوط مكان الحادثة، والذي يبدو أنه حذف المنشور فيما بعد، يقول فيه إن "العاملة الأجنبية تم استقدامها البارحة إلى منزل المخدومين وهم من سكان البلدة وبرضاها التام وبعد موافقتها وذلك من خلال مكتب توظيف، حاولت الفرار في الليلة نفسها وتم القبض عليها وإعادتها إلى المكتب، وعليه أعيد المبلغ المالي إلى المخدومين".

وأشار أبو جوده في معرض كلامه إلى ما أسماه "الاستثمار الإعلامي المجتزَأ"، موضحًا أن الهدف منه تشويه اسم البلدة لحصد متابعات أو مشاهدات، فيما رأى أن واقع الموظف اللبناني أصبح أسوأ بكثير من العامل الأجنبي، وهو ما أثار غضب لبنانيين، باعتباره برر فعلة المعتدي.

من جانبها، ذكرت منظمة كفى غير الحكومية عبر صفحتها في تويتر، أن السلطات اللبنانية أفرجت عن المعتدي، وذلك بعد اكتفاء العاملة الضحية بطلب تحريرها من "جلادها"، مشيرة المنظمة إلى إخلاء سبيل المعتدي بسند إقامة كون النصوص القانونية تشترط وجود ادعاء الشخصي لتحريك الحق العام، إذا كان التعطيل والإيذاء الناتجان عن العنف هما دون العشرة أيام.

وتقول منظمة العفو الدولية إن لبنان يستضيف أكثر من مئتين وخمسين ألف عاملة منزلية من المهاجرات، أتين من دول إفريقية وآسيوية، ويخضعن حاليًا لنظام الكفالة الذي يقيّد الإقامة القانونية للعاملة، بالعلاقة التعاقدية مع صاحب العمل ويمنعها من ترك أو تغيير عملها من دون موافقة صاحب العمل، منوّهة إلى توثيقها حالات عديدة لانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق العمال تعرّضت لها عاملات المنازل المهاجرات في لبنان.

بدورها، ذكرت منظمة العمل الدولية، أن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم ضحايا "للرق الحديث"، الذي يستخدم كمصطلح شامل يتضمن ممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، والاتجار بالبشر، وما تحتويه هذه الممارسات من استغلال لا يمكن للشخص أن يرفضه أو يغادره بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع أو إساءة استعمال السلطة.

لا لنظام الكفالة

الحادثة حظيت بتعاطف كبير من قبل الشعب اللبناني والعربي، معتبرين أن مقطع الفيديو يصوّر واقع العبودية الذي ما زال قائمًا في بعض المجتمعات العربية، وتكفّلَ  القانون بضمان استمراريته.

وغرّد لبنانيون عبر تويتر بمنشورات تضامنية، مطالبين بإلغاء نظام الكفالة في لبنان.

وكتب المحامي أدهم الحسنية عبر حسابه في تويتر، "متل ما في مافيات بالمحروقات والمولدات والدواء وغيرها، في مافيا تجارة البشر، اللي مسميين حالهن مكاتب استقدام خدم"، واصفًا وزارة العمل بالمافيا، ومشيرًا إلى وقوفها وراء استمرار نظام الكفالة في لبنان.

من جهته، دعا المغرد حنا حداد عبر وسم #لا_لنظام_الكفالة إلى إلغاء هذا النظام حول العالم، واصفًا إياه بالعبودية الحديثة.

المغردة نور تفاعلت بدورها مع الحادثة، وقالت "أي حدن بيطلّع عالعاملة الأجنبية على أنها استثمار وبفكر انه بحق له ياخد وراقها حتى ما تهرب لازم أقل شي يتعامل معو الواحد كمجرم"، لافتة إلى أن العلاقة بين العاملة وصاحب العمل هي علاقة عمل وليست استملاكًا.

"هيدا مش قادر يعمل فيا زلمي ع يلي متلو، فحب يثبت رجوليته على امرأة ضعيفة بتشتغل عنده مفروض تكون أمانة، نحنا بأسوأ زمن"، غرّدت نانسي طالب، واصفة ما يحدث بالبدائي والجاهلي.

ويفيض سجلّ العاملات الأجنبيات في لبنان وسوء معاملة بعض العوائل لهن بسنوات من معاناة ليست حبيسة فترة، إذ كانت "بي بي سي عربي" قد سلطت الضوء في وقت سابق على واقع العاملات الأجنبيات في لبنان، اللاتي روين قصص معاناتهن من تهديد وضرب وإهانة، إلى جانب إجبارهن على العمل في أكثر من منزل وليس لدى المخدوم فقط، ولفت التقرير كذلك إلى حادثة قتل راحت ضحيتها عاملة منزلية هي وجنينها في ظروف غامضة.

وفي تقرير سابق أعدّه موقع درج، نقلَ عن قوى الأمن الداخلي أنها كل أسبوعين تفتح تحقيقًا في حادثة وفاة عاملة بالخدمة المنزلية، ففي عام 2017 بلغ عدد التحقيقات 28 تحقيقًا، وفي 2018 سجلت فتح 25 تحقيقًا، أما في عام 2019 وحتى الشهر الرابع منه فبلغت 13 تحقيقًا بحوادث وفاة عاملات منازل، فيما أوضح التقرير أن هذه الإحصائيات لا تشمل الحالات التي لم تفتح فيها القوى الأمنية محاضر تحقيق، كما لا يتضمن على سبيل المثال وفيات العاملات في المستشفيات نتيجة سوء الرعاية الصحية، في حين تساءل التقرير عن حالات الانتحار التي تم تسجيلها لعاملات بالخدمة المنزلية في لبنان، إن كنّ انتحرن فعلًا أم تم دفعهن للانتحار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "مخدومين" ..جانب من الخراب اللبناني العظيم

بعد فضيحة ليبيا.. 6 دول أخرى تستشري فيها العبودية!