20-يناير-2017

عصام زيتون وسيروان كجو (فيسبوك)

في الطريق إلى مخيم اليرموك، ثمة هاجس يمر بك في دوار "البطيخة" لطالما اعتراني؛ أين أذهب من شارع اليرموك أو من شارع فلسطين... فالمدخل المقوس يقسم المخيم الفلسطيني الكبير إلى نصفين، وكلاهما عزيز رغم الفارق الاقتصادي والعمراني بينهما، فشارع فلسطين يجاور عشوائيات جنوب العاصمة، واليرموك تحول إلى سوق تجاري يضارب أسواق العاصمة، عدا أن أغلب تجارها فتحوا فروعًا لهم في "لوبيا"، الشارع الأشهر في اليرموك.

لماذا يعتريني المخيم كلما ذكرت فلسطين، ولماذا لم أصدق للآن أنه استحال ككل البلاد إلى خراب؟

الهاجس هذا لم يكن يفضي في النتيجة إلا إلى أمرين، في طريق الذهاب يمكن أن تختار أيًا منهما، وفي العودة سيكون الحظ للطريق الذي لم ينل حظ الدخول. في كل مرة كنت أدخل من فلسطين لأعود من اليرموك وبالعكس، كان لا بد من السير مشيًا في شوارع المخيم لتنهض فكرتي الأولى عن مخيم يساوي بلدًا مفقودًا موجودًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يساهم "مناهضو التطبيع" في تفتيت الإجماع ضده؟

الآن يعتريني ما يلي: لماذا يعتريني المخيم كلما ذكرت فلسطين، ولماذا لم أصدق للآن أنه استحال ككل البلاد إلى خراب؟

من بعيد شاهد أبنية مهدمة في المخيم. لم أجرؤ على الاقتراب من أبوابه التي في البال، ربما رحمة بذاكرتي ألا يقيض لي رؤية خرابه إلا في الفضائيات أو في أحاديث الأصدقاء، وأعلم أنه أوسع وأوجع، ولكنها إرادة ألا يذهب الأحباء مع كل أشيائهم من القلب.

بالأمس ظهر عصام زيتون وسيروان كجو كمعارضين سوريين في صورة مفجعة عن أولئك الذين ذات وقت صرخوا بالحرية، بالضبط وكما لا يمكن لسوري أن يتخيل أن سوريًا يذبح ابن بلده وقعت هذه الصورة في قلبي. ثمة من يذبحني أنا السوري، ببساطة ومن دون سبب سوى عقدة القتل.

المعارضان يمارسان طقوسًا يهودية أمام حائط المبكى، وإن كانت صورة مفبركة كما قد يقول البعض، لكنهما قبل ساعات من التقاط الصورة الفاجعة كانا يحاضران عن السلام مع إسرائيل، في ندوة لمعهد ترومان للأبحاث في القدس، إلى جانب عدد من كبار مسؤولي الدولة الصهيونية، وهكذا ببساطة يمكن أن تتخيل مشهد الذبح كما لو أنه قبلة على العنق.

من يجعل قبلته إسرائيل ليس سوريًا، ولا يمكن لأي قيمة بشرية أن تغطي على جريمة كهذه

اقرأ/ي أيضًا: عشقي في تل أبيب.. تعقيب بشأن التطبيع

من المؤكد أنهما لا يمثلان سوى نفسيهما. سينكرهما كل السوريين معارضة وموالاة، وبالضبط كل من مرّ ذات يوم بالمخيم، أي مخيم كان. شارعا اليرموك وفلسطين هما مخيم واحد في سوريا واحدة، ولا يمكن لفلسطين أن تكون أكثر من فلسطين واحدة.

من يجعل قبلته إسرائيل ليس سوريًا، ولا يمكن لأي قيمة بشرية أن تغطي على جريمة كهذه، لا يمكن أن تطالب بالحرية وتقبّل يد القاتل... أي قاتل كان.

اليرموك كان بعضًا من فلسطين في سوريا، وطنًا صغيرًا ليس بديلًا لكنه أيقونة عودة، بمقابل كتل من المتآمرين والمصفقين وأعوان الأنظمة العربية التي جعلت منهم مطايا لابتزاز شعوبها، لكن المخيم كان شعبًا في قلب شعب، وهكذا سيبقى، ولو كانت ثلة مارقة خرجت الآن تبكي ضيمها في جوار الحائط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوروبا القلقة على اتحادها من اللاجئين

"اليمين البديل في أمريكا.. "هايل ترامب!