17-يناير-2023
gettyimages

كريستين لامبريخت لم تتمكن من تطبيق خطط تطوير الجيش الألماني (GETTY)

أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبريخت، عن استقالتها من الحكومة الألمانية، وذلك عقب سلسلة من الهفوات أثارت شكوكًا حول قدرتها على إتمام مهامها كوزيرة للدفاع، بالإضافة إلى الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، حول الاختلالات والأزمات التي يعاني منها الجيش الألماني وفشل الحكومة في الاستجابة لأهداف حلف شمال الأطلسي، فيما يتعلق بالتسليح والإنفاق العسكري.

إن قبول أولاف شولتز هذه الاستقالة يعني أيضًا اعتراف المستشار الاشتراكي الديمقراطي بأنه أخطأ في اختيار الشخص المناسب لتلك الوظيفة الحساسة

وقالت لامبريخت في بيان، يوم الإثنين: "طلبت من المستشار إعفائي من منصب وزيرة الدفاع الفيدرالية"، ملقيةً باللوم على وسائل الإعلام التي ركزت عليها شخصيًا خلال الفترة الماضية بالانتقادات، مما حال دون تمكُّنها من اتخاذ "قرارات متعلقة بالسياسات الأمنية بما في ذلك مصلحة مواطني ألمانيا"، بحسب قولها.

وفي هذا الصدد، أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية، في مؤتمر صحفي، بأن المستشار أولاف شولتز قبل طلب وزيرة الدفاع بالاستقالة، وذلك قبل أن يعلن المستشار الألماني، يوم الثلاثاء، عن تعيين الاشتراكي الديمقراطي بوريس بيستوريوس بدلًا من لامبريخت.

تفاصيل استقالة معلنة

قبل هذه الاستقالة، نشرت وسائل إعلام ألمانية، يوم الجمعة الماضية، أخبارًا عن احتمالية تقديم لامبريخت استقالتها، وقالت صحيفة "بليد" الألمانية، في تقرير لها، بأن الأخطاء المتكررة لوزيرة الدفاع دفعت حكومة شولتز إلى حالة من عدم اليقين، قبل أقل من أسبوع من اجتماع مهم لمسؤولي الدفاع الغربيين.

وفي هذا الصدد، أكد مسؤولان في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، أن رحيل لامبريخت الفوري قد تمت مناقشته في اجتماع حزبي، يوم الجمعة، واعترف أحد المسؤولين بأن المعلومات التي سربت وقتها عن الاستقالة تركت الحكومة في حالة تخبط، حيث لم يكن شولتز قد اتخذ قرارًا رسميًا بشأن الخليفة المحتمل لها على رأس وزارة الدفاع، مما تسبب في فشل بعض الاتصالات.

getty

ووصفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، هذه الاستقالة بأنها "انتكاسة مريرة لشولتز"، الذي دافع منذ فترة طويلة عن وزيرته ضد الانتقادات المتصاعدة لها، وهو ما أكده قبل أسبوعين فقط، المتحدث باسمه، بالقول: إن "المستشار يعتبر لامبريخت وزيرة دفاع من الدرجة الأولى". مما يعني أن قبول شولتز لهذه الاستقالة هو اعتراف منه بأن أخطأ في اختيار الشخص المناسب لهذا المنصب، بحسب الحصيفة الأمريكية.

وتحدَّثت تقارير إعلامية عن أسماء محتملة في خلافة كرستين لامريخت، أبرزها المفوض البرلماني للقوات المسلحة إيفا هوغل، ووزير الدفاع في حكومة الشباب سيمتجي مولر، كما تمت الإشارة إلى أن شولتز يفضل لارس كلينجبيل، قيادي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينحدر من عائلة عسكرية.

هذا قبل أن يعلن شولتز، في تغريدة صباح الثلاثاء، عن اختيار الاشتراكي الديمقراطي بوريس بيستوريوس في منصب وزير الدفاع، خلفًا للامبريخت،واصفاً إياه بـ "السياسي ذو الخبرة الواسعة، والذي شارك في السياسات الأمنية، وهو الشخص المناسب لقيادة البوندسفير (القوات المسلحة) في عصر التغيير هذا". وحسب صحيفة "تسايت" الألمانية، اختار شولتز بيستوريوس للمنصب بعد سنوات من شغله منصب وزير الداخلية المحلي في ولاية ساكسونيا السفلى، ثاني أكبر الولايات الألمانية مساحةً، منذ عام 2013.

هفوات متكررة

ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، تعرضت وزيرة الدفاع الألمانية إلى ضغوطات كبيرة، خصوصًا بشأن موقفها المتحفظ من الدعم العسكري لكييف. وهذه الانتقادات تعود إلى ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، ففي الوقت الذي كانت تحذر التقارير الاستخبارية من الغزو، وقامت عدة دول غربية بإرسال الأسلحة إلى كييف، اكتفت لامبريخت بإرسال 5 آلاف خوذة، ما جعل منها مادةً لسخرية الأوكرانيين.

وفي حينها، علَّق عمدة كييف فيتالي كليتشكو، بأنه لا يفهم تخلف ألمانيا عن دعم بلاده، وصرح لصحيفة بيلد الألمانية، قائلًا: "سلوك الحكومة الألمانية يتركني عاجزًا عن الكلام (...) من الواضح أن وزارة الدفاع الألمانية لم تدرك أننا نواجه قوات روسية مجهزة تجهيزًا كاملًا ويمكنها غزو أوكرانيا في أيّ وقت"، قبل أن يضيف ساخرًا: "أي نوع من الدعم سترسله ألمانيا بعد ذلك، الوسائد؟".

getty

وفي اليوم الثالث من عمر الحرب، وبعد أن أصبح الغزو الروسي أمرًا واقعًا تعيشه كييف، سارعت الحكومة الألمانية إلى الإعلان عن زيادة تاريخية في إنفاقها العسكري، بما يتوافق مع توصيات حلف الناتو برفع الأعضاء فيه إنفاقهم العسكري إلى 2% من الناتج الداخلي. وفي شهر حزيران/ يونيو الماضي، أعلن المستشار أولاف شولتز تأسيس صندوق خاص لزيادة الإنفاق الدفاعي بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، ضمن الاستجابة لهدف الناتو بحلول 2023.

ولم يتحقق الكثير من هذه الوعودات، إذ فشلت الحكومة الألمانية في تنفيذ المخططات على أرض الواقع، ففي مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت حكومة شولتز عن تخلفها الوفاء بوعود زيادة الإنفاق العسكري، كما قللت من احتمالية الوصول إلى هدف الناتو في عام 2023، بحسب تصريحات المتحدث باسمها ستيفن هيبيستريت.

getty

وتُحمَّل وزيرة الدفاع كرستين لامبريخت جانبًا كبيرًا من مسؤولية التخلف عن الوفاء بهذه الأهداف، ووفقاً لتقرير "الغارديان" البريطانية، ومع الإعلان عن حزمة الإنفاق العسكري الجديدة، "ظهر أن لامبريخت تكافح مع حجم التحدي المتمثل في إعادة هيكلة الجيش، غير أنه لم يتحقق على أرض الواقع، أي شيء بخصوص أنظمة الأسلحة الجديدة والمعدات التي تعهد شولتز بتوفيرها".

وبالإضافة إلى هذه الهفوات المتعددة والوعود غير المتحققة، ظهرت شبهات المحسوبية التي حامت حول وزيرة الدفاع، وذلك بعد الحديث عن استعمالها مروحيةً حكوميةً من أجل السفر مع ابنها في عطلة، وافتضح أمر هذه العطلة بعدما نشر الابن صورًا له وهو على متن المروحية، ما أثار موجة انتقادات واسعة، بالرغم من تبرير لامبريخت بأن ابنها دفع ثمن تلك الرحلة من ماله الخاص.

جيش ألماني مترهّل

ويعد المأزق الأكبر الذي واهجته وزيرة الدفاع الألماني كريستين لامبريخت، محدودية جاهزية الجيش، نتيجة سنوات من الإنفاق العسكري المنخفض وضعف التجهيز، وهو ما كشف عنه تقرير سري أعدته وزارة الدفاع وقدمته إلى لجنة الدفاع البرلمانية، جاء فيه أنه لا يمكن للجيش الألماني أداء واجبات الناتو إلّا في نطاق محدود، مشيرًا إلى أن الجيش يعاني من قصور في الأسلحة والمعدات والعمليات.

وأضاف التقرير، مسلطًا الضوء على أن الوضع المادي ووضع الأفراد والتدريب في الجيش الألماني كان سيئًا، ولافتاً النظر إلى أن البحرية الألمانية لن تتمكن من إرسال أي سفينة إلى بعثة الأمم المتحدة قبالة لبنان.

getty

وفي ذات السياق، وخلال مقابلة له الشهر الماضي مع صحيفة "سود دويتشه تسايتونغ"، أكَّد رئيس المجموعة الألمانية-الفرنسية لشركات الدفاع KNDS فرانك هاون، أن الجيش الألماني يعاني حاليًا من أزمة مادية في جوانب عديدة، مضيفًا: "الجيش الألماني كان يمتلك 2000 دبابة ليوبارد 2، وأصبح يمتلك حاليًا 300 دبابة فقط، وبواسطتها يمكن حماية مدينة بحجم أوغسبورغ، ولكن ليس برلين بالتأكيد". وحول التجهيزات التي يفتقر إليها جيش ألمانيا، قال هاون: "كل شيء تقريباً ينقصه، وإذا نظرنا إلى الحرب في أوكرانيا فسنرى أولًا وقبل كل شيء أننا نفتقر إلى المدفعية".

وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، خلال تمرين تدريبي للجيش الألماني، تم إخراج جميع الدبابات من طراز "بوما" من الخدمة بسبب مشاكل فنية، على الرغم من كونها واحدةً من أكثر المعدات العسكرية تقدمًا في ترسانة الجيش الألماني. وعقب ذلك الحدث تم تسريب رسالة من بريد إلكتروني لأحد القادة الكبار في الجيش الألماني موجهةّ إلى قائد القوات المسلحة الألمانية، يتأسف فيها على الحالة المتردية لمركبات المشاة القتالية التابعة لفرقته.

وتذكر الرسالة أن دبابات "بوما" تعاني من عدد لا يحصى من الأعطال الميكانيكية والإلكترونية، إضافةً إلى "عيوب اللاسلكي"، مشيرًا إلى تخلي الجنود عن إحدى الدبابات بعد أن اشتعلت النيران في أسلاكها. وهذا ما جعل موقع "بوليتيكو" الأمريكي، يخلص إلى أنه "ربما يكون رفض ألمانيا تسليم هذه الدبابات إلى كييف، في مصلحة الجيش الأوكراني"، في دلالة على أنها كانت سوف تضعف أداء قوات كييف في المعارك مع الجيش الروسي.

يعد المأزق الأكبر الذي واهجته وزيرة الدفاع الألماني كريستين لامبريخت، هو محدودية جاهزية الجيش، نتيجة سنوات من الإنفاق العسكري المنخفض وضعف التجهيز

وفي هذا السياق، يتهم الرأي العام الألماني وزيرة الدفاع بالمسؤولية عن الترهل الذي وصل إليه "البوندسفير" (الجيش الألماني)، وذلك لتأخرها –بحسب تصورهم- في تسليم التقارير حول الفجوات التي يعاني منها الجيش، وتخبطها الكبير في إصلاحها دون أن تكون لتلك المحاولات أي نجاعة تذكر، رغم التحديات الجيوسياسية التي تعرفها برلين منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.