1. سياسة
  2. سياق متصل

جوع بغطاء إنساني: كيف عمّق برنامج المساعدات الجديد المجاعة في غزة

22 يوليو 2025
المجاعة في غزة
فلسطينيون ينقلون أكياس الطحين على طول شارع الرشيد في غرب مدينة غزة (Getty)
الترا صوت الترا صوت

أثار برنامج لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بالتنسيق مع إسرائيل، موجة من الانتقادات والغضب في أوساط المدنيين الفلسطينيين. وبينما رُوّج له على أنه "قناة إنسانية مبتكرة"، وصفه سكان القطاع بأنه إهانة ومهزلة في وجه المجاعة التي تتفاقم منذ أشهر، بسبب الحصار الخانق والحرب المستمرة.

البرنامج الذي تشرف عليه مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF) المثيرة للجدل بدأ تنفيذه قبل أسابيع، بتمويل من مانحين غربيين وبدعم أميركي إسرائيلي، تمثل في توزيع مساعدات غذائية مغلّفة تحتوي على وجبات معلبة وصناديق بلاستيكية تحمل شعار المؤسسة. لكن ما تلقّاه السكان في الواقع كان صادمًا: كميات صغيرة من الطعام المعلّب، بعضها غير صالح للاستهلاك، وبعضها الآخر لا يلبّي الحد الأدنى من احتياجات العائلات.

"وجبات أشبه بالحصص التي تُقدَّم في السجون"

تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الكثير من العائلات الفلسطينية التي استلمت هذه الطرود فوجئت بكونها تحتوي على وجبات أشبه بالحصص التي تُوزّع على الجنود على الجبهات أو ما يُقدّم في السجون. أحد الطرود التي حصلت عليها عائلة أبو سامي، المكوّنة من 11 فردًا، احتوى على ثلاث علب بلاستيكية من الأرز المطبوخ، دون أي مصادر بروتين أو خضار، بالإضافة إلى زجاجة ماء صغيرة وقطعة بسكويت.

ما تلقّاه السكان في الواقع كان صادمًا: كميات صغيرة من الطعام المعلّب، بعضها غير صالح للاستهلاك، وبعضها الآخر لا يلبّي الحد الأدنى من احتياجات العائلات

"كأنهم يطعموننا كما تُطعم الحيوانات"، قال أحد المواطنين الغاضبين في شمال غزة للصحيفة، مضيفًا: "هل هذا ما يراه العالم كافيًا لبقاء أطفالنا على قيد الحياة؟"

من جهتها، تقول المؤسسة إن صناديقها تحتوي على دقيق، أرز، معكرونة، زيت، سكر، شاي، تونة، بطاطا وبسكويت، غير أن فلسطينيين أشاروا إلى أن المحتويات تختلف من مرة إلى أخرى، وغالبًا ما تفتقر إلى البروتين الحيواني.

وقال جميل النحال (21 عامًا) من رفح، إنه إذا كان محظوظًا، يحصل على دقيق وعدس وزيت. وأضاف: "الازدحام شديد والكميات قليلة. أُعيل والديّ وأخواتي، وما أُحضره لا يكفي سوى ليوم أو يومين".

وفي محاولة لتهدئة الفوضى، اقترحت مؤسسة "غزة الإنسانية" استخدام أعلام للإشارة إلى حالة الموقع: الأحمر يعني مغلق، والأخضر مفتوح. لكن خلال زيارة مراسل الصحيفة لأحد مراكز التوزيع في خانيونس، بقي العلم الأحمر مرفوعًا رغم استمرار توزيع المساعدات، بينما كانت حالة التوتر تتصاعد أمام أعين الجنود داخل مركز مراقبة مشترك مزوّد بطائرات مسيّرة.

مشهد من "الموت البطيء"

تصف "وول ستريت جورنال" الوضع في غزة بأنه قريب من المجاعة الجماعية، إذ يعتمد أكثر من مليون شخص اليوم على المعونات للبقاء على قيد الحياة، في ظل دمار واسع للبنية التحتية، وغياب تام لسلاسل الإمداد، وانعدام شبه كامل لمصادر الدخل.

وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل سمحت بإدخال هذه المساعدات عبر قوافل محدودة تمر من معبر كرم أبو سالم، بالتعاون مع مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF). لكن هذه الشحنات غالبًا ما تكون محدودة، وغير منتظمة، وتحوي أصنافًا لا تناسب الاحتياجات الغذائية للسكان.

في أحد مراكز التوزيع في رفح، تكدّس العشرات في طوابير طويلة بانتظار الحصول على وجبات كتلك التي توزّعها شركات الطيران منخفضة التكلفة. "كأنهم يريدون أن نقول شكرًا لأننا لم نمت اليوم"، قالت أم محمد، وهي تحمل طفلها النحيل على ذراعها.

"علاقات عامة أكثر منها إغاثة"

مصدر في منظمة إغاثية أوروبية – فضّل عدم ذكر اسمه – قال للصحيفة إن البرنامج صُمّم على عجل لتهدئة الضغوط السياسية على إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، لكنه لم يُراعِ احتياجات الناس الحقيقية، ولا خصوصياتهم الثقافية والغذائية.

"تم إرسال وجبات مصمّمة لجيوش غربية، لا لأسر تعيش تحت الحصار منذ تسعة أشهر"، أضاف المصدر، مؤكدًا أن التنسيق مع السلطات الإسرائيلية قيّد قدرة المنظمات على إرسال مواد طازجة أو كميات كافية من البروتين، بسبب ما وصفه بـ"شروط التفتيش المشددة".

قتل تحت لافتة المساعدات الإنسانية

يشهد مركز توزيع المساعدات التابع لمؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF) فوضى عارمة، حيث يتجمّع آلاف الفلسطينيين الجائعين أمام الأسلاك الشائكة المحيطة بالموقع. وبمجرد أن تُفتح البوابة، تتدفق الحشود إلى الداخل، ويندفع العشرات نحو صناديق الطعام قبل أن تُسمع طلقات نارية.

مشاهد كهذه باتت متكرّرة منذ انطلاق عمل مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF) قبل شهرين. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، أسفرت الفوضى عند مراكز توزيع المساعدات عن استشهاد المئات وإصابة الآلاف أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء من أربعة مراكز توزيع تابعة للمؤسسة. وقد أقرت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على حشود اقتربت كثيرًا من الجنود، وفق ادعائها.

وقد قوبل هذا البرنامج بإدانات دولية من قِبل الأمم المتحدة وعشرات الدول والمنظمات الإنسانية، إذ حلّ محل شبكة توزيع المساعدات الأممية. وتدّعي إسرائيل أن الهدف من البرنامج هو "منع حركة حماس من الاستيلاء على المساعدات وتحويلها لخدمة أنشطتها"، دون أن تُقدّم دليلًا على ذلك.

ومع اتساع رقعة الجوع، أصبح التوزيع مصحوبًا بأعمال عنف وفوضى، لا سيما أن البرنامج يعتمد على قوات الجيش الإسرائيلي لحماية مراكزه، الأمر الذي يجعل من المدنيين في تماس مباشر مع الجنود. وعلى عكس الأمم المتحدة، التي كانت توزع المساعدات عبر حوالي 400 موقع داخل التجمعات السكنية في غزة، فإن مراكز "غزة الإنسانية" محدودة، ويغيب عنها التوزيع المنتظم.

في إحدى زيارات صحيفة "وول ستريت جورنال" لأحد مواقع المؤسسة في خانيونس، لم يُسجّل سقوط ضحايا وفق الصحيفة، لكن في اليوم التالي استُشهد 20 شخصًا. وقالت المؤسسة إن عناصرها استخدموا رذاذ الفلفل ضد المندفعين، لكن شهودًا تحدّثوا عن رائحة خانقة وإطلاق نار وجثث متناثرة.

اعترف الجنود الإسرائيليون بأنهم أطلقوا النار، أحيانًا بشكل مباشر، على أشخاص اقتربوا من المناطق المحظورة، مؤكدين أنه يُطلب منهم إطلاق النار في الهواء أو على الأرجل، لكن الأخطاء تقع، وفق ادعاءاتهم. فيما أشار متحدث باسم المؤسسة إلى أنها طلبت مرارًا تحسين إجراءات الأمان حول المواقع.

كشفت الصحيفة أن خطة المساعدات الجديدة وُضعت من قبل مجموعة تضم نحو 12 شخصًا من جنود الاحتياط ورجال الأعمال الإسرائيليين، بدأوا اجتماعاتهم في كانون الأول/ديسمبر 2023 بهدف إقصاء الأمم المتحدة من عملية توزيع المساعدات

مؤسسة "غزة الإنسانية"، التي تأسست في ولاية ديلاوير الأميركية في شباط/فبراير، يقودها القس الإنجيلي ومستشار حملة ترامب السابق، جوني مور، وقد تعاقدت مع شركة أمنية أميركية اسمها "سيف ريتش سولوشنز" (Safe Reach Solutions)، ولم يُكشف عن تفاصيل التمويل، في حين ترفض منظمات ودول عديدة التعاون مع البرنامج، رغم موافقة وزارة الخارجية الأميركية على تخصيص 30 مليون دولار له في حزيران/يونيو الماضي.

ضباط ورجال أعمال إسرائيليون

كشفت الصحيفة أن خطة المساعدات الجديدة وُضعت من قبل مجموعة تضم نحو 12 شخصًا من جنود الاحتياط ورجال الأعمال الإسرائيليين، بدأوا اجتماعاتهم في كانون الأول/ديسمبر 2023 بهدف إقصاء الأمم المتحدة من عملية توزيع المساعدات. ووفقًا لضابط عسكري كبير سابق شارك في إعداد الخطة، فقد نال البرنامج الموافقة الرسمية عقب تعيين إسرائيل كاتس وزيرًا للأمن، وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا في الولايات المتحدة.

وتُظهر وثائق اطّلعت عليها الصحيفة أن بعض الإسرائيليين نبّهوا المسؤولين في ذلك الوقت إلى أن الخطة تفتقر إلى عدد كافٍ من المواقع، فضلًا عن سوء اختيار مواقعها، مما قد يؤدي إلى ازدحام شديد وتصاعد عمليات قتل المجوعين.

جوع منظَّم خلف غلاف إنساني

إن ما تكشفه "وول ستريت جورنال" لا يسلّط الضوء على فشل برنامج إغاثي فحسب، بل على سياسة أوسع لتطبيع الجوع تحت غطاء "العمل الإنساني". فبينما يُروَّج لهذا البرنامج بوصفه خطوة نحو التهدئة، يراه الفلسطينيون محاولة لإدارة الأزمة لا حلّها، وتكريسًا للوضع القائم لا تفكيكه.

وفي ظل غياب أي أفق لوقف إطلاق النار أو فتح ممرات إنسانية حقيقية، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه المساعدات إلى سياسة ممنهجة لإبقاء السكان على حافة الموت، في مشهد عبثي من المعاناة المُراقبة عالميًا، دون أي تحرّك فعلي لوقفها.

كلمات مفتاحية
نيكولاس ساركوزي

القضاء الفرنسي يُفرج عن نيكولاس ساركوزي

أصدرت محكمة الاستئناف في باريس، اليوم الاثنين، قرارًا بالإفراج عن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، بعد 20 يومًا قضاها في سجن لاسانتيه

الإغلاق

الولايات المتحدة تقترب من طي صفحة أطول إغلاق حكومي في تاريخها

يبدو أن الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأميركي يقتربون من إنهاء الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، والذي استمر لأربعين يومًا

زهران ممداني

تقدير موقف| دلالات فوز ممداني وانعكاساته على المشهد السياسي الأميركي

يمثّل صعود ممداني أحد التحولات السريعة واللافتة في المشهد السياسي الأميركي الحديث

تركيا
رياضة

فضيحة المراهنات في تركيا: اعتقال رئيس ناد وتعليق أكثر من ألف لاعب

تشهد كرة القدم التركية واحدة من أكبر الفضائح في تاريخها الحديث

جورجينيو
رياضة

إصابات وخيبات وليالي أرق طويلة: الوجه المظلم لكرة القدم

خلف عالم كرة القدم المبهر، هناك وجه آخر مظلم للعبة، ممتلئ بالدموع والخيبات ومشاعر الندم

هواوي
تكنولوجيا

أوروبا تدرس حظر هواوي.. هل تنجح في فك ارتباطها التكنولوجي بالصين؟

تأتي هذه الخطوة في وقت تتدهور خلاله العلاقات التجارية والسياسية بين الاتحاد الأوروبي والصين

أُنس جابر
رياضة

أٌنس جابر تبتعد عن الملاعب بسبب الحمل.. هل تنهي الأمومة مسيرتها؟

يظن الكثيرون أن تجربة الأمومة قد تنهي مسيرة لاعبات التنس، لكن تاريخ اللعبة حافل بالأمثلة التي تناقض ذلك