04-يونيو-2020

مارتن فولترينك/ هولندا

لا أستطيع التنفس، أيها الضابط...

بحشرجةٍ وصعوبة، تخرج كلمات الرجل الأمريكي، جورج فلويد ذي الأصول الأفريقية، وهو مقيد اليدين فيما يجلس الضابط بكل ثقله فوق جسده الممدد الذي تكاد تنخلع رقبته من الضغط الذي يقوم به الضابط، مركزًا ثِقل جسده المدرب في عضلات فخذه التي تضغط بإصرار على رقبة جورج. بينما تبدو يده التي وضعها في جيب بنطاله من ناحية رجله اليسرى التي تضغط على الرقبة بهدوء وإصرار، وكأنها تبحث عن شيء ما، يخرجه الضابط فيما بعد حين يحاول أحد الناس المجتمعين من الاقتراب، إنها عبوة غاز.

أزهق ضابط الشرطة روح جورج فلويد، لكنه فعل ذلك محميًا بقوة القانون الذي يعرفه جيدًا من موقعه كضابط في شرطة يعلم تاريخها وسلوك أفرادها

حضرت سيارات الإسعاف بعد المشهد الرهيب الذي حضره مواطنون، قام أحدهم بالتقاط مقطع الفيديو الذي رأيناه، فيما بدأ الآخرون بالطلب من رجال الشرطة بالتوقف عن ممارسة العنف مع الرجل المقيد والممدد أرضًا.

اقرأ/ي أيضًا: أن تتعرف على جورج فلويد من فلسطين

اجتاحت المظاهرات شوارع مدن أمريكية، وتم إحراق مركز شرطة مينابولس. وهدد ترامب بإطلاق الرصاص على المحتجين الذين يقومون بعمليات التخريب والعنف. عن أي عنف يتحدث ترامب وكل هذا الهدوء الذي رافق ضابط الشرطة في قتله للمواطن المسجى على الأرض؟

طريقة تشبه تلك التي تستخدم في المعتقلات لتعذيب السجناء. وفي لحظة ما يبدو، وكأنه يقوم بتحدٍّ مع زميل له في ابتداع طرق جديدة للفتك بضحاياهم.

هذه هي رسالة ترامب ـ السلطة، للمحتجين.

تاريخ الشرطة ومراكز الاعتقال والأمن في العالم التي تخضع للسلطات الحاكمة، تتسابق في ابتداع الوسائل الجهنمية للحصول على اعترافات من المعتقلين والموقوفين، بعضها يودي بحياة الكثيرين، لكنهم أيضًا أوجدوا الوسائل التي تخفي جرائمهم، وأوجدوا القوانين التي يمكن أن تنقذهم.

يبدو الضابط وكأنه ينفذ أمرًا اعتاد وتدرب عليه. هو بمنتهى الهدوء لأن القوانين تسمح له بذلك. القوانين الذي تم تعديلها بعد جائحة كورونا، القوانين الجديدة في سلوكنا وتفرقنا الاجتماعي، القوانين التي ستجعل منا عبيدًا للسلطة ورجالها من البوليس، ونحن نشاهد كيف يموت البعض منا خنقًا تحت أرجل الشرطة، فيما نقف متفرجين.

نعم أزهق ضابط الشرطة روح جورج فلويد، لكنه فعل ذلك محميًا بقوة القانون الذي يعرفه جيدًا من موقعه كضابط في شرطة يعلم تاريخها وسلوك أفرادها.

أزهق ضابط الشرطة روح جورج فلويد محميًا بتواطئنا نحن، شهودًا غير قادرين على الدفاع عن أنفسنا، مثل خراف تشاهد بعضها بأعين مذهولة وهي تساق للذبح.

هذا زمن الكورونا.. هذي بداية المأساة والفوضى العارمة ـ القادمة القريبة.

ربما أخطأ جورج فلويد في الرجاء الذي حملته كلماته، إذ ثمة حقيقة أخرى تكمن في عبارته: لا أستطيع التنفس، أيها الناس.. كيف تستطيعون الاكتفاء بالمشاهدة؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

"علينا أن نكون جميعًا غاضبين".. العالم يصرخ بصوت جورج فلويد

قانون السوق وأزمة كورونا