12-ديسمبر-2015

(Getty)

لطالما كانت هيكيلية الشركات تأخذ شكل الهرم مع ما يحمل ذلك من دلالات حول تمرّكز السطة في الأعلى. وهذا الأمر الذي يدّل إلى النموذج القيادي السلطوي والنظرة الدونية إلى الموظف. الموظف في هذا النموذج هو الشخص المحبط من العمل ولكنه لا يملك سبيلًا سوى تنفيذ قرارات وخطط المدير أوالمدراء دون جدال. فهو أداة لذلك وهو عنصر من عناصر الإنتاج كالماكينات والمواد الاولية والرأسمال.

كل شيء في جوجل مختلف فلا زيّ رسمي للعمل ولا مسافات بين الموّظف والمدير ولا مكاتب مغلقة ولا ألوان داكنة

مع الوقت ومع بروز ما يعرف باقتصاد المعرفة، أصبح الرأسمال البشري يكتسي أهمية أضافية كونه المساهم الأول بإعطاء الشركات الميّزة التفاضلية المنشودة وأدرك حينذاك مدراء الشركات أن تحفييز الموظف شرط مسبق لزيادة الانتاجية ولضّخ الافكار المبدعة التي تأتي غالبًا من قاعدة الهرم. لذا تم قلب الهرم في العديد من الشركات المتعددة الجنسيات وتفويض للسلطة إلى أدنى، وبرز مصطلح تمكين الموظف وجعل مكان العمل ملاذًا له.

وبالفعل أصبحت الشركات في منافسة لتصبح المكان المنشود للعمل من خلال تحويل مكان العمل إلى ما يشبه الحلم وأقرب إلى مكان الاسترخاء الذي يدغدغ الخيال ليمارس إبداعه ولحّث النفحة الريادية لدى العمّال. وبرزت تصنيفات كثيرة أجمعت على كون العملاق البحثي جوجل الذي يضم حوالي الأربعين ألف موظف المكان الأول الذي يحلم الموظفون حول العالم بشغل وظائفه الشاغرة ولعل تصنيف مجلة "فورتشين" الأكثر تعبيرًا عن ذلك. ويبقى السؤال، لماذا جوجل؟

منذ وجدت  ظاهرة جوجل برزت إجابات عديدة لهذا السؤال. البعض ربط الإجابة بكون جوجل تقدّم العديد من المنافع لعمّالها الذين ينظر اليهم كشركاء، ومن هذه المنافع والتقديمات نلحظ التسهيلات الصحية والطبية كافة والتي تقدّم بشكل مجاني، خدمة "الفاليه باركينغ"، خدمة تصليح السيارات والدراجات والانتباه إلى منسوب الزيت خوفًا من أي عطل من شأنه إغضاب "الجوجلير" أي العامل في جوجل.

ولعلّ بعض التقديمات الأخرى تساهم في إعطاء الاجابة الوافية. ففي جوجل هناك خدمات مجانية كغسل الملابس وكيّها، وجبات طعام تتناسب مع كافة الأذواق. الأمر الذي يؤدي إلى بروز "حجر جوجل" أي خمسة كيلوغرامات يكتسبها الموظف بعد أشهر قليلة من عمله في الشركة. ولكن الحلّ لذلك يكمن في الأندية الرياضية التي وجدت للحفاظ على رشاقة العامل المبدع في جوجل. العامل في هذة الشركة يمكنه أن يرتقي أكثر بدراسته لفترة تصل إلى خمسة أعوام مقابل 150 ألف دولار لا تبخل جوجل يتقديمها لمن يريد ذلك فالاستثمار بالبشر هو الأهم. 

عمّال هذا العملاق البحثي هم أشخاص مساهمون في خدمة مجتمعهم، لديهم الوقت الكافي لعائلاتهم وللترويح عن أنفسهم، لديهم الوقت الكافي لخلق منتجات جديدة يكونون أبطالها من حيث العائد المادي والمعنوي الكبيرين. كل شيء في جوجل مختلف فلا زيّ رسمي للعمل، لا مسافات بين الموّظف والمدير، لا مكاتب مغلقة، لا ألوان داكنة، لا قواعد وإجراءات وقوانين جامدة فالابداع يتطلّب مخالفة القوانين غالبًا.

نموذج جوجل وبعض الشركات التي آمنت أن الموظف أينما كان موقعه في الهيكلية، هو مصدر الإبداع والخلق في عصر لا يمكن للشركات أن تكون مستدامة دون هذين الشرطين. كل من يملك عقلًا مبدعًا ومختلفًا عن السائد يجد ملاذه لدى هذا العملاق البحثي الذي غدا المكان الحلم.

إقرأ/ي أيضًا:
"جوجل ويوتيوب" هل تتعاونان فعلًا مع إسرائيل؟
ألعاب الفيديو.. إدمان قد يحمل المنافع!