08-مارس-2018

الرئيس عمر البشير لا يرى مشكلة في بيع جوازات السفر للاجئين السوريين (مجاهد سافودين/ أ.ف.ب)

ننقل لكم في السطور التالية ترجمة بتصرف لتقرير مُطول نشره موقع "News Deeply" عن شبكة سودانية غير مشروعة لبيع الجنسية وجوازات السفر للاجئين السوريين، يتورط فيها كبار المسؤولين السؤولين الأمنيين السودانيين.


إذا كنت سوريًا، أو ذهبت مرةً إلى السودان، فمن المحتمل أنك قد رأيت إعلانًا على فيسبوك يقول: "هل أنت مهتم بالجنسية السودانية؟ اتصل بهذا الرقم..." يتم الإعلان عن الخدمات السريعة التي تقدم الجنسية السودانية علنًا ​​على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير منها يستهدف السوريين، فمنذ اندلاع الحرب في سوريا، كان السودان أحد الملاذات للسوريين الأثرياء. في حين انتشر اللاجئون في تركيا ولبنان والأردن ومصر في وقت مبكر من الصراع، واتخذت هذه الدول التدابير لوقف تدفق اللاجئين، في حين يسمح السودان للسوريين بالدخول حتى دون تأشيرة.

بإمكان اللاجئين السوريين الأكثر ثراءً في السودان، شراء جواز سفر سوداني عبر شبكة غير قانونية يتورط فيها مسؤولون أمنيون كبار

تقف وراء إعلانات فيسبوك المبهجة تلك شبكة غير مشروعة، يبدو أن صلاتها تصل إلى أعلى مستويات الحكومة في العاصمة الخرطوم، ويُقال إنها تضم الأخ الأصغر للرئيس عمر البشير. أما بالنسبة للسوريين الذين لديهم الإمكانات المادية، تُوفر جوازات السفر التي يحصلون عليها من السوق السوداء بديلًا مكلفًا، بدلًا من عبور البحر الأبيض المتوسط، ​​من ليبيا أو من مصر، المحفوف بالمخاطر.

اقرأ/ي أيضًا: فظائع الجرائم ضد اللاجئين والمهاجرين.. متى تُحاسب عليها "الجنائية الدولية"؟

ووفقًا لتقديرات الحكومة السودانية، يقيم أكثر من 100 ألف سوري في البلاد. ويلاحظ وجودهم في شوارع الخرطوم، حيث تتضاعف المخابز السورية والمطاعم بسرعة منذ عام 2012. ولكن ليس كل السوريين يريدون البقاء في السودان، الذي عانى اقتصاده من مزيج من العقوبات والصراعات الداخلية التي لا نهاية لها، لكن بالنسبة لمعظم اللاجئين، ينطوي الطريق إلى أوروبا على معبر بحري قاتل. ومع ذلك، يمكن لمجموعة مختارة من اللاجئين الأكثر ثراء تجنب هذا الخطر عن طريق شراء جواز سفر سوداني غير قانوني، من أجل مغادرة البلاد بشكل قانوني.

الرجل "القرش"

للتحقيق في الاتجار غير المشروع بجوازات السفر للسوريين في الخرطوم، تحدثنا إلى السماسرة والمهربين ومسؤولي سلطة الجوازات، وكذلك قمنا بفحص الوثائق السرية. وأشارت جميع المصادر إلى عبدالله البشير، وهو طبيب يبلغ من العمر 71 عامًا، معروف في أسواق الخرطوم باسم "القرش". تأكدت مزاعم تورطه أيضًا من قبل شخص معروف أن لديه إمكانية الوصول إلى الدائرة الداخلية لأسرة البشير وأعلى مستويات النظام السوداني. حاولنا مرارًا على مدار شهور التواصل مع عبدالله البشير لكنه لم يرد.

وعبدالله البشير هو شقيق الرئيس السوداني عمر البشير البالغ من العمر 74 عامًا، والذي يحكم السودان منذ الانقلاب العسكري عام 1989، والذي أسماه بـ"ثورة الإنقاذ". وتولى الرئاسة رسميًا في 1993. 

والسودان الآن في خضم تحول عميق في علاقته مع أوروبا، إذ يعامل الآن كشريك في الجهود الرامية إلى التغلب على الهجرة غير النظامية. وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 187 مليون دولار من المساعدات والتمويل لمراقبة الحدود. لقد وجد النظام الذي كان ينظر إليه حتى وقت قريب باعتباره منبوذًا من الغرب، أن استعداده لاستقبال اللاجئين قد يفيد في إعادة تأهيل سمعته.

وتشير التقارير والتحقيقات إلى أن النظام لا يستفيد فقط من تطبيق اتفاقات الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى احتواء الهجرة، بل من الواضح أن بعض مواطنيه الأكثر نفوذًا يستفيدون من السماح لبعض اللاجئين بالدخول إلى أراضيه.

اللاجئون السوريون للسودان، يمثلون مصدر ربح لمتنفذين في الدائرة المقربة من البشير (UNHCR)
اللاجئون السوريون للسودان، يمثلون مصدر ربح لمتنفذين في الدائرة المقربة من البشير (UNHCR)

باستخدام وثيقة سفر سودانية، يستطيع اللاجئون السوريون ركوب طائرة من الخرطوم. يتم الإعلان عن هذا من قبل وكالات السفر ووسطاء المهربين الذين يعملون في شوارع الخرطوم. وبينما يستخدم البعض الرحلات لتجنب السفر البري إلى مصر أو ليبيا أو تركيا، قال التجار السودانيون، إذا دفع اللاجئون المزيد من المال، يستطيعون الذهاب في رحلة مباشرة إلى بلد أوروبي، عن طريق الحصول على جواز سفر يتضمن تأشيرة دخول.

ويمكن للاجئين، الذين يطلب منهم التخلص من جواز السفر والتأشيرة فور وجودهم على متن طائرة، التقدم بطلب للجوء بمجرد هبوطهم، وذلك باستخدام وثائقهم السورية الأصلية. عدد السوريين الذين يسافرون إلى أوروبا، إما عن طريق الجو أو البر، عبر السودان ليس معروفًا. ولكن عدد المهربين في شوارع الخرطوم والإعلانات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن هناك تجارة جوازات سفر مزدهرة في البلاد.

الحد الأدنى لأسعار الجوازات السودانية المباعة يبلغ 10 آلاف دولار، وتصدر هذه الجوازات وغيرها من الوثائق المباعة بمرسوم رئاسي!

اللاجئون الذين يحاولون شراء جواز سفر سوداني لديهم خيارات متعددة. فقد أطلعنا تاجر من سوق العربية على أسعاره: جواز سفر سوداني بسيط من 48 صفحة يكلف 10 آلاف دولار. هذا هو أرخص أنواع جوازات السفر. فجواز سفر رجال الأعمال ذو الأربع والستين صفحة له صلاحية أطول ويكلف أكثر من ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: من السودان إلى أوروبا.. رحلة الشك والمخاطر

أمّا النوع الأكثر تكلفة فهو جواز السفر الدبلوماسي. وأخبرنا موظف في الهيئة المصدرة للجوازات، أن معظم السوريين يختارون جواز السفر العادي. ويختار الأفراد الأكثر ثراء شراء النسخة التجارية. ولتأكيد أقواله، أطلعنا على جواز سفر سوداني يزعم أنه يستخدم من قبل من قال إنه "مغن سوري شهير يعيش في الكويت".

ورسميًا هذه الجوازات ووثائق السفر غير مزورة، فتجار السوق بالأحرى ليسوا إلا وسطاء لوسطاء، ولا يعلمون المصدر الحقيقي لهذه الوثائق، التي يمررها لهم وسطاء آخرون. كما أن المهربين لا يبدو أنه يعرفون بالضبط كيفية إصدار جوازات السفر غير المشروعة. كلهم يشيرون إلى شخص قوي يطلق عليه اسم "القرش"، العديد من المصادر تُرجّح أنه عبدالله البشير.

الدائرة الداخلية لآل البشير

أكد الأمين عمر الأمين، المعروف أيضًا باسم الشيخ الأمين، وهو رجل أعمال ثري وزعيم صوفي، مدى تورط عبد الله البشير في تجارة الجوازات.

وللأمين مريدون كثر بين الشباب السوداني، وكان لفترة من الزمن مستشارًا روحيًا لأسرة البشير وكانت مسؤولياته تشمل مراسم الزواج والمناسبات الرسمية الأخرى. يقول: "كانت علاقتي بالرئيس جيدة. لم أكن أتحدث إليه يوميًا - بطبيعة الحال، فهو الرئيس، لكني كنت أهاتفه فقط إذا كان ذلك ضروريًا حقًا".

يعيش الأمين عمر الأمين الآن بين لندن والقاهرة حيث التقينا به. في غرفة المعيشة المليئة بالأثاث المذهب المنجد باللون الأحمر، حيث تنتشر صوره في كل ركن من أركان الغرفة، يوضح الشيخ نقطة دخوله إلى الدائرة الداخلية للبشير: "كان النظام في عام 2015، يبحث عن نقطة اتصال. شخص يمكنه أن يقوم بأعمال تجارية مع الإمارات العربية المتحدة نيابة عنهم. كنت أستطيع أن أمهد لهم هناك، وبالفعل قمت بذلك".

لم يعد الأمين عمر مقربًا من الأسرة السودانية الأولى. فقد دب خلاف بينهما في صيف عام 2017 بشأن ما يدعي أنه إساءة استخدام أموال معارف له في الإمارات من قبل سياسي سوداني مؤثر. ولكن بصفته مقرب سابق لدوائر النخبة في الخرطوم، تمكن الأمين من تأكيد تورط عبدالله البشير في تجارة جوازات السفر غير المشروعة. يقول: "أعرف الكثير من الناس الذين اشتروا جوازات سفر من خلال عبدالله، على الرغم من عدم شراء أحدهم لجواز سفر منه شخصيًا. كان عبدالله يتعاون مع رجل أعمال سوري راحل يدعى أبو حسن".

وكان أبو حسن والأمين شركاء في ثلاثة مشاريع عقارية في الخرطوم. وقد بدا الأمين مترددًا في الكشف عن تفاصيل كثيرة عن عمليات أبو حسن، لكنه أكد أنه "كان لديه ثلاثة أو أربعة أشخاص يعملون معه في مكتبين بالقرب من مدينة العمارات بالخرطوم".

وتقع المكاتب بجوار شارع المشتل، حيث أكدت لنا عدة مصادر أن مقر عبدالله البشير كان هناك. وقال الأمين: "يجمع موظفو أبو حسن حوالي 20 عميلًا في وقت واحد. يحضرون المال، صورة جواز السفر والاسم الذي يريدون استخدامه. ثم يقوم عبدالله بجمع الأموال والمعلومات ويؤمن لهم استلام جوازات السفر بعد أيام قليلة من هيئة الهجرة".

أصبح احتمال مشاركة شقيق الرئيس في تجارة جوازات السفر غير المشروعة موضوع تكهنات مكثفة في الخرطوم في شباط/فبراير 2017، بعد أن تم نشر تلك المزاعم على وسائل إعلام سودانية مستقلة تعمل خارج البلاد.

وتُظهر الوثائق التي اطلعنا عليها أنّ جوازات السفر السودانية التي يحصل عليها سوريون، تصدر بموجب مرسوم رئاسي. وأظهرت وثيقة رسمية بتاريخ السادس من أيلول/سبتمبر 2016، أن 18 سوريًا مُنحوا الجنسية. وأظهرت وثائق أخرى ذات صلة، المزيد من جوازات السفر التي يتم تسليمها بنفس الطريقة.

الشيخ الأمين (يسار) وقد كان من المقربين من البشير، يُؤكد تورط عبدالله البشير في عمليات بيع جوازات سفر وجنسيات سودانية (مواقع التواصل الاجتماعي)
الشيخ الأمين (يسار) وقد كان من المقربين من البشير، يُؤكد تورط عبدالله البشير في عمليات بيع جوازات سفر وجنسيات سودانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

ولم تذكر الوثائق اسم عبدالله البشير، إلا أن الرئيس عمر البشير رد على هذه الادعاءات بعقد اجتماع في 22 شباط/فبراير 2017 مع عدد من الصحفيين السودانيين. وبحسب ما دار في الاجتماع، قال الرئيس البشير إنه لا يرى أي مشكلة مع منح السوريين الجنسية السودانية، ولكنه أنكر تورط أخيه.

في اجتماع مع صحفيين سودانيين، أكّد عمر البشير على أنّه "لا يرى أية مشكلة" في قضية منح جوازات سفر وجنسيات سودانية لسوريين لاجئين

ونقلت عنه وسائل الإعلام المحلية قوله بأن وزارة الداخلية سوف تجري تحقيقًا حول أفراد "يتربحون" من وراء ذلك. ولم تصدر بعد مزيد من التفاصيل حول هذا التحقيق بعد عام تقريبًا. وفي الوقت نفسه، يصر الشيخ الأمين على أنه طالما هناك مال يمكن الحصول عليه من اللاجئين، فإن النظام سيبقى شريكًا يتطلع إلى تحقيق الربح من التهريب ومراقبة الحدود: "لن يتم الالتزام بهذه الصفقة إلا إذا دفعت أوروبا للسودان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"طلبكم مرفوض".. هل انتهى ربيع اللاجئين في أوروبا؟

ما حقيقة التقارير التي تدعي ارتكاب اللاجئين في ألمانيا لجرائم اغتصاب؟ (2-2)