15-ديسمبر-2019

جوخة الحارثي بوكر مان 2019

إن أخذنا بعين الاعتبار أنّ جائزة "نوبل" للآداب هي الحدث الأدبيّ الأبرز عالميًا، يكون الخلط بين الثقافة والسياسة عنوانًا عريضًا لعام 2019، ومعهُ موسمه الأدبيّ الذي شارف على الانقضاء، حاملًا معهُ في جعبته أحداثًا أدبية مهمّة، شغلت الصحافة العالمية وصفحاتها الثقافية، ولكنّها، مُجتمعةً، لم تفعل ما فعلتهُ الأكاديمية السويدية، ولم تُثر الجدل الذي أثارته بمنحها الروائي النمساوي بيتر هاندكه جائزتها، وتسليمها لهُ يوم الثلاثاء، 10 كانون الأول/ ديسمبر، مُتجاهلةً الجدل الذي أثاره هاندكه نفسه لجهة مواقفه السياسية المتطرّفة، وتأييده الزعيم الصربيّ سلوبودان ميلوشيفيتش المّتّهم بارتكاب جرائم حرب، من بينها الإبادة الجماعية.

"الكتاب يستولي على العقول والقلوب، بنفس المقدار" بهذه الكلمات أعلنت جائزة "مان بوكر" الدولية فوز الكاتبة العمانية جوخة الحارثي

هكذا، تكون الأكاديمية السويدية، ومعها الجدل الذي أثارته بتتويجها هاندكه بـ "نوبل"، وتسليمها له غير آبهة بالوقفات الاحتجاجية التي شهدتها العاصمة السويدية استكهولم رفضًا لمنحه الجائزة؛ نهاية ما يُمكن أن نسمّيه "موسم الجوائز الأدبية الرفيعة" للسنة الحالية، وختامه الذي صنعته بفضيحة رأى البعض أنّها تُعادل الفضيحة الجنسية لجان كلود أرنو، زوج عضوة الأكاديمية السابقة كاترينا فروستنسن، في السنة الماضية. ولأنّنا نرى في هذا الجدل الحاد عنوانًا لهذا الموسم المُقبل على نهايته، يكون لزامًا علينا أن نبدأ جردنا للعناوين المتوّجة بأبرز الجوائز الأدبية لهذه السنة، بجائزة نوبل نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: حصاد الثقافة السوري في 2019.. بين جبهتين

بإعلان مزدوج، وبُجمل موجزة أيضًا، أعلن السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية السويدية ماتس مالم في الـ 10 من تشرين الأول/ أكتوبر، فوز النمساوي بيتر هاندكه بجائزة "نوبل" لسنة 2019، مُقدّمًا أعماله على أنّها مؤثّرة، استكشفت "خصوصية التجربة الإنسانية ببراعة لغوية". بينما أعلن البولندية أولغا توكارتشوك متوّجة بـ "نوبل" عن سنة 2018 المؤجّلة بسبب تلك الفضيحة الجنسية، وذلك عن "خيالها السردي وشغفها الموسوعي الذي يُقدّم تجاوز الحدود كشكل من أشكال الحياة". وبينما كان فوز اليسارية المشاكسة أولغا توكارتشوك مُفاجئًا، بدا أنّ فوز بيتر هاندكه، تبعًا لمواقفه السياسية المتطرّفة، حدثًا صادمًا، أخرجه من عزلته التي عاشها لمدّة ثلاثة عشرة سنة.

العزلة نفسها تقريبًا كان الروائي الفرنسيّ بيار ميشون يعيشها. نقول تقريبًا لأنّها ليست متعلّقة بأي مواقف سياسية متطرّفة، وإنّما برغبة الكاتب نفسه بالاحتجاب عن المنابر، والابتعاد قليلًا عن الأضواء، إلى أن قرّرت أخيرًا لجنة تحكيم لجنة جائزة "فرانز كافكا" التي ترعاها جمعية كافكا برفقة العاصمة التشيكية براغ؛ إخراجه من صومعته، وإعادته إلى الواجهة مُجدَّدًا، من خلال ضمّه إلى قائمة المتوّجين بالجائزة. "كم يصعب عليّ القول، بأي عزّة أو زهو أشعر بانضمامي إلى كوكبة الفائزين بجائزة كافكا". يقول صاحب "حيوات صغيرة" بعد تلقيه نبأ فوزه بها، الجائزة.

"الكتاب يستولي على العقول والقلوب، بنفس المقدار". بهذه الجملة الموجزة، أعلنت رئيسة لجنة تحكيم جائزة "مان بوكر" الدولية، بيناتي هوز، فوز الكاتبة العمانية جوخة الحارثي بالجائزة التي تُمنح لأفضل عمل أدبيّ مُترجم إلى اللغة الإنجليزية، وذلك عن روايتها "سيدات القمر" (2010). الروائية التي تُعدّ أول كاتبة عربية ضمن لائحة المتوّجين بـ"مان بوكر" منذ انطلاقتها سنة 2005، أنجزت عملًا أدبيًا يتوسّل الغوص في طبقات المجتمع العُماني، وسبر أغواره، وكشف أحواله عبر أربعة أجيال عايشت أحداثًا سياسية واجتماعية أعادت تكوين الهوية الشخصية للفرد العُمانيّ.

أولغا توكارتشوك وبيتر هاندكه خلال تسلم نوبل 

عند ذكر الجوائز الأدبية الرفيعة والمرموقة عالميًا، لا بدّ من التوقّف قليلًا عند جائزة "غونكور" الفرنسية، والتي تُمنح منذ تأسيسها سنة 1892، للمؤلّفين الذين يكتبون باللغة الفرنسية. هذه السنة، حصد الصحافي والروائي الفرنسيّ جان بول دوبوا الجائزة الفرنكوفونية العريقة عن روايته المعنونة بـ"لا يسكن الناس جميعهم هذا العالم بالطريقة نفسها". الرواية الصادرة عن دار (لوليفي)، تأخذ على عاتقها تفكيك العلاقة بين الإنسان غير السويّ، وأشباهه الذين يتفوّقون عليه في هذه الصفة التي لا بدّ لأصحابها من النزوع نحو الجريمة.

بالإضافة إلى "الغونكور"، ثمّة جوائز أخرى لها قيمتها في المشهد الأدبيّ الفرنسيّ، منها جائزة "ميديسيس" التي نالها الروائي الفرنسي لوك لانغ عن روايته التي عنونها بـ"المحاولة" (دار ستوك). الرواية التي وصلت إلى اللائحة النهائية لجائزة "فيمينا"، وصفتها جريدة "لوموند" الفرنسية بأنّها: "كتاب يحتوي على عدّة مشاهد من الأفعال المليئة بالعبر". بينما ترى جريدة "لوفيغارو" أنّ الرواية: "كتاب سوداوي وقوي، يحكي عن عالم في طريقه إلى الانهيار". بالإضافة إلى "ميديسيس"، هناك جائزة "فيمينا" التي حصدها هذه السنة سيلفان برودوم عن روايته "من الطرقات". أمّا جائزة "رينودو"، فذهبت إلى الكاتب والرحّالة سيلفان تيسون عن كتابه "فهد الثلوج" (دار غاليمار).

نُغادر بلاد مارسيل بروست باتّجاه بلاد ميغيل دي ثربانتس، إسبانيا، ونتوقّف عند الجائزة التي تحمل اسم هذا الروائي الكبير الذي أهدى العالم روايته المدرسة "دون كيخوته". الجائزة التي يُقال إنّها النسخة الإسبانية من جائزة "نوبل"، والتي تُمنح للكتّاب في البلدان الناطقة باللغة الإسبانية، حصدها هذه السنة الشاعر الكتالوني جوان مارجريت عن مشروعه الشعريّ الطويل والفارق في المشهد الأدبيّ الإسبانيّ. أمّا بالنسبة لجائزة "أميرة أستورياس" التي لا تقلّ لجهة العراقة عن جائزة "ثربانتس"، نالتها هذه السنة الروائية الأمريكية سيري هستفيدت عن مجمل أعمالها. بينما ذهبت جائزة "بلانيتا" التي تعدّ ثاني أكبر جائزة أدبية في العالم بعد جائزة نوبل، بناءً على قيمتها المالية المرتفعة، نحو 600 ألف يورو؛ فقد توّج بها الروائي والأكاديمي الإسبانيّ خافيير سيركاس عن روايته "تيرا ألتا".

كانت "البوكر" لسنة 2019 من نصيب الروائية اللبنانية هدى بركات عن روايتها "بريد الليل"

في رحلة التجوال هذه من بلدٍ إلى آخر بحثًا عن عناوين متوّجة، صنعت المشهد الأدبيّ لموسم 2019، نُغادر بلاد لوركا، مُجدّدًا، باتّجاه بلاد غوته، ألمانيا، حيث جائزة "الكتاب الألماني" التي تُمنح على هامش معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. هذه السنة، حصد الكاتب الألماني من أصول بوسنية ساشا ستانيشيك الجائزة عن روايته "الأصل". بينما حصد السويسري لوكاس بيرفوس جائزة "جورج بوشنر". وبعيدًا عن القارّة العجوز، وتحديدًا في بلاد إدغار آلان بو، أمريكا، توّج الروائي الأمريكيّ ريتشارد باورز بجائزة "بوليتزر" عن روايته "ظلّة الغابة".

اقرأ/ي أيضًا: "الطلبية C345" لشيخة حليوى تحصد جائزة الملتقى للقصة القصيرة

عربيًا، كانت "الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر" لسنة 2019 من نصيب الكاتبة والروائية اللبنانية هدى بركات التي نالتها عن روايتها "بريد الليل". أمّا جائزة "كتارا للرواية العربية"، وتحديدًا في فئة الرواية المنشورة، ذهبت هذه السنة أيضًا للجزائري الحبيب السائح عن روايته "أنا وحاييم"، والإيريتري حجي جابر عن روايته "رغوة سوداء"، واليمني حبيب عبد الرب سروري عن روايته "وحي"، والأردنية ليلى الأطرش عن روايتها "لا تشبه ذاتها"، برفقة مواطنها مجدي دعيني عن روايته "الوزر المالح". بينما توجّت جائزة "الطيب الصالح" العراقي حسن النواب عن روايته "ضحكة الكوكوبارا"، والعراقي علي حسين عبيد عن مجموعته القصصية "لغة الأرض".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل المؤرخ عصام سخنيني.. حياة في حراسة التاريخ الفلسطيني

رحيل أمجد ناصر.. مرتقى أنفاس الشاعر