22-سبتمبر-2017

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت صباح الأحمد جابر الصباح (QNA)

خلال أحد ظهوراته بالأمم المتحدة، توقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية سريعة للحصار المفروض على قطر من جانب بعض جيرانها الخليجيين، قائلًا: "نحن نعمل الآن على حل مشكلة بالشرق الأوسط، وأعتقد أننا سنحلها سريعًا جدًا". وبينما كان ترامب يُلقي بحديثه، أطلقت 53 شخصية كويتية، نداءً لقادة دول الخليج لحل الأزمة بين كافة الأطراف، وفقًا لمبادرة أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح.

أطلقت 53 شخصية كويتية ما بين دبلوماسي وأكاديمي وإعلامي، "نداءً" لقادة دول الخليج لحل أزمة حصار قطر

وفي وقت سابق، كشف مصدر سياسي مطلع على الشأن الخليجي لوكالة أنباء الأناضول، عن ملامح مبادرة أمير الكويت، التي نشرها في دول الحصار الأربعة عبر وفود رفيعة المستوى، كان في مقدّمة أحدها وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الله المبارك الصباح معًا. وتنصّ مبادرة الكويت، التي سُمّيت بـ"وسيط الخير" خلال الأزمة الأخيرة، وفق مصادر دبلوماسية لم تحددها الأناضول، على "الحفاظ على البيت الخليجي ككيان موحَّد في مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة".

اقرأ/ي أيضًا: منظمات حقوقية: "حصار" قطر انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير

وكانت الرسالة التي نقلها مبعوث أمير الكويت إلى قادة الدول التي زارها، قد تضمنت ضرورة تجاوز السعودية والإمارات من جانب، وقطر من جانب آخر، للخلافات حفاظًا على منظومة مجلس التعاون، مع استعداد الكويت لتقديم ضمانات مشتركة مع الولايات المتحدة إلى جميع الدول تضمن عدم المساس بها.

وحلّ النداء الكويتي، الذي استند إلى بيانٍ حمل توقيع 53 دبلوماسيًا وأكاديميًا وسياسيًا وإعلاميًا كويتيًا، أول أمس الأربعاء، معنونًا بـ"نداء حول أزمة الخليج وتداعياتها"، محذِّرًا من استمرار الأزمة ما قد يحوّلها إلى "معضلة غير قابلة للحل"، وفق وصف البيان الذي يأتي على رأس موقعيه، عبدالله بشارة أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي.

ونجمت الأزمة الخليجية عن حملة افتراءات واسعة بحق قطر، أسفرت عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة من جانب دول الحصار من جانب، وحصار سياسي واقتصادي لم يتمكّن من إضعاف إيمان قطر بسلامة موقفها، وهو ما التفتت إليه الشخصيات الكويتية، في بيانها، الذي قالت فيه إن "تواصل الأزمة سيفجر نزيفًا لن يتوقف، ويزيد من التوظيف السلبي لها من قوى دولية تأمل في زيادة التوتر بين دول المنطقة".

خوف الموقعين على البيان من تفكك مجلس التعاون الخليجي، كان دافعهم إلى إصداره في دعوة لحل الأزمة، "رفقًا بكيان مجلس التعاون ومكوناته ومصالح شعوبه، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الخطيرة المحيطة بنا"، على حد تعبير البيان، مطالبين "زعماء وحكومات الدول المتخاصمة بتجنيب المنطقة مخاطر إطالة الأزمة الراهنة والتصعيد القائم في محيطها".

واختتم الموقّعون نداءهم إلى رؤساء وأمراء دول الحصار، بدعوتهم لتفعيل المبادرة التصالحية لأمير الكويت، فذلك، وفقًا لهم، "سيعيد اللحمة وينتهي إلى أرضية مشتركة تعيد المياه إلى مجاريها، وتجنب منطقتنا النتائج الخطيرة المحتملة من تداعيات الأحداث في الخليج العربي".

وفي نهاية النداء، صاغ الموقّعون بأملٍ أخير: "كلما أسرعنا بمحاصرة الأزمة وتذويب آثارها السلبية، كلما استطعنا تحصين مصالح شعبنا الخليجي الواحد".

دلالات نداء 53 شخصية كويتية للحل

يد الكويت لا تزال ممدوة بالسلام للدول المقاطعة والدولة المحاصَرة، بعد اشتداد الحرب الإعلامية القائمة على الفبركة، من تلك البلاد المتآمرة على قطر، عبر نوافذها الهزيلة التي لا تنقطع عن البث، بما يهدد عرش الخليج ككل. ويوحي التزامن مع تصريح ترامب بأن حل الأزمة اقترب، بأن الصورة ينقصها بعض الرتوش الصغيرة لتكتمل، في محاولة لغسيل وجه دول الحصار، أي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بعدما خرجوا من حصارٍ اعتقدوا أنهم أعدّوا له جيدًا، دون مكاسب تذكر، فيما خرجت قطر دون خسائر تذكر، فظلّ الأمر على ما هو عليه، وفشلت العزلة.

خرجت دول الحصار من حصارها فارغة اليد، بل بسمعة سيئة بعد أن راجت فضائحها حول العالم بما كسبت أيديها

وتحاول الكويت أن تجمع شمل البيت الخليجي، خاصة بعد أن نمت فضائح السعودية والإمارات، إلى أسماع منظمات حقوق الإنسان في العالم، بعد اعتقال معارضين للمقاطعة بشراهة خلال الأيام الماضية من باب المكايدة السياسية على ما يبدو.

اقرأ/ي أيضًا: جولة أمير قطر الخارجية.. استمرار تحقيق المكاسب وزيادة في إحراج دول الحصار

ويُمكن القول إن حصاد دول الحصار صفر، فلم يعد إذن يُجدي نفعًا لأحد. وتبدو الكويت حتى الآن، الوحيدة القادرة على احتواء جميع الأطراف وحل الأزمة، خاصة بعدما عادت الولايات المتحدة إلى مربعها الطبيعي، وهو المصالحة بين الرباعي المقاطع من جانب والدوحة من جانب الآخر، بعدما سهّلت لها السعودية عملية ابتزاز العرب لحصد مئات مليارات الدولارات؛ فآن الأوان –بالنسبة لها– أن يعودَ كل شيء إلى نصابه.

السعودية.. حملة تغييب الأصوات مستمرة

كانت الأمور في السعودية والإمارات، قائدتي حصار قطر، تتجهان إلى الأسوأ خلال الأيام الماضية بشهادة عددٍ من النشطاء، إذ إن الأولى لم تكتفِ بقيادة حصار دولة شقيقة وجارة، وإنما نفذت حملة اعتقالات واسعة لمثقفين ودعاة وأكاديميين، دعت أقرانهم في الكويت إلى الدعوة لهامش من السلام مع الآخر، والذكاء في تعاطي الأزمة، على الأقل حتى لا ينقلب السحر على الساحر.

وعن الحملة التي تأتي في سياق مستمر من القمع، قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، الجمعة الماضية، إن حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات السعودية بحق عشرات الأشخاص، بينهم رجال دين بارزين، هي الأحدث في حملة القمع المستمرة ضد معارضين. بينما رصدت عدّة منظمات حقوقية القمع البيّن للرأي الآخر في السعودية، إذ إن الدافع لاعتقالهم كما يبدو معارضتهم لحصار قطر، أو حتى اتخاذهم موقف "الصلح"، لذا قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن لهذه الاعتقالات دوافع سياسية".

بينما انتقدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، عبر كاتبها الأهم ديفيد جاردنر، حملات الاعتقال الواسعة التي تنفذها الرياض لقمع المعارضين، ومن بينهم أكاديميون وكتاب ورجال أعمال ومسؤولون وعلماء دين.

هيومن رايتس ووتش: "رؤية ابن سلمان للسعودية هي معتقل عملاق لا يمكن لأحد أن يتكلم فيه بحرية أو يحمل آراء مستقلة"

ونقلت عن آدم كوغل، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش قوله: "يبدو أن رؤية محمد بن سلمان هي معتقل عملاق لا يمكن لأحد أن يتكلم بحرية أو أن يحمل آراء مستقلة فيه".

اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟

كما نقلت نصًا ما تحدث به الصحفي السعودي البارز، جمال خاشقجي، الذي يعيش خارج المملكة: "في الماضي، كان يتم استدعاء الشخص وإبلاغه بأمر اعتقال، فلم يكن هناك رجال ملثمون، ومثل هؤلاء الملثمين كان يتم الاحتفاظ بهم حصرًا لمواجهة الإرهابيين".

الإمارات.. لا تراجع عن سعار قمع حقوق الإنسان

في الإمارات، لم يكن القمع مختلفًا، ففي تموز/يوليو الماضي، حذّرت هيومن رايتس ووتش من حملات ضد حرية التعبير في أبوظبي، بينما طالبت منظمة العفو الدولية، قبل يومين بالإفراج عن الناشط الحقوقي أحمد منصور، المسجون في معتقلات الإمارات الآن.

وللإمارات سجل حافل في قمع الحقوق والحريات على عدة مستويات، منها ما حدث مع الأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث، الذي كتب جملة ساخرة عن بناء معبد هندوسي في دبي على موقع تويتر، أودت به إلى المعتقل لأيام لم تنتهِ حتى الآن. 

لكن يبدو أن ذلك الاعتقال لم يكن بسبب التغريدة فقط، وإنما عقابًا له على موقفه ككل؛ فقد أدان منع الحرية في عدّة بلدان من بينها الإمارات، وآخر ما فعل قبل اعتقاله، أن غرّد عن مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية.

وجرى آخر حصر دقيق على أساس ميداني، لحالة الخوف والقمع في الإمارات العربية المتحدة، قبل خمس سنوات، من بعدها لم تُطلع الإمارات أية منظمات عن حالة حرية الرأي والتعبير داخلها، فقد قال معهد كارنيجي للسلام، عام 2012، إن عدد السجناء السياسيين في الإمارات ارتفع إلى 54 بينهم أكاديميون ونشطاء حقوق إنسان، وإسلاميون، وعضو متمرّد في العائلة الحاكمة.

تضم المعتقلات الإماراتية الكثير من الأكاديميين، فضلًا عن نشطاء حقوقيين وأفراد من الأسر الحاكمة بآراء سياسية معارضة

وأوضح نصّ تقرير كارنيجي، أن "من بين الموقوفين المدير السابق لمنطقة أبوظبي التعليمية، والرئيس السابق لجمعية الحقوقيين إلى جانب عدد من المحامين. اللافت هو أن الموقوفين الأربعة والخمسين يتوزّعون على الإمارات السبع، وكانوا جميعهم تقريباً يملكون حسابات ناشطة على موقع تويتر قبل اعتقالهم".

ويذكر أن الكويت منذ بداية الحملة المدبرة ضد قطر كانت قد باشرت بجهود للتوسط وانشاء طاولة حوار، إلا أن أيًا من جهودها لاقى التوفيق في ظل تعمد دول الحصار المضي قدمًا في حصارهم والادعاءات التي بني عليها على الرغم من تكشف حقائق الحملة تباعًا وتوالي الفضائح بالجملة لكل من السعودية والامارات. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الوجه الحقيقي لبلاد وزارة السعادة.. تمييز عنصري رسمي وممنهج تفرضه أبوظبي

4 سيناريوهات لزيادة الضغط على قطر.. دول الحصار المتضرر الأكبر