23-أكتوبر-2016

لم ينتظر النظام المصري قليلًا حتى يختمر الغضب لدى معارضيه، وبدأ مداهمة ومحاكمة أعداءه المحتملين.

في الواجهة، كان المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، الذي نجا من الحبس على ذمة قضية ملفَّقة بتهمة "بث دعاية مغرضة وترويج شائعات" فزرع النظام المصري مطبًا آخر في طريقه، وهو "سب وقذف" أحمد الزند، وزير العدل المصري السابق، الذي خرج من منصبه بفضيحة إهانة "النبيّ محمد" الشهيرة، حين قال: "لو النبي محمد غلط فيَّا هسجنه".

بدأت المواجهة بين هشام جنينة والنظام المصري باكرًا بعد انتخاب السيسي رئيسًا

وقال "الزند" في بلاغه إن "جنينة" تعمّد سبه وقذفه في حوار مع صحيفة "التحرير" المصرية، متهمًا "المستشار" المعزول من منصبه كرئيس لـ"المركزي للمحاسبات" بـ"سبه وقذفه" هو وجهة النشر، الصحفيين الثلاثة، إبراهيم منصور، رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة في ذلك الوقت، والمحررين، هدى أبو بكر وإسماعيل الوسيمي.

اقرأ/ي أيضًا: نقيب الصحفيين السابق يضع النظام المصري في مأزق

نظرت محكمة مصرية، صباح اليوم، الثالث والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، اتّهام "الزند" لـ"جنينة"، وقررت تأجيل القضية إلى 27 تشرين الثاني/نوفمبر للنطق بالحكم. ويتوقع خبراء وقانونيون ألّا يصل الحكم إلى أكثر من الغرامة المالية، فهو رسالة -فقط- إلى "جنينة" بالبعد عن السيرك السياسي، والعدول عن مواقفه.

ورغم أن "جنينة" فقد جميع أدواته للدفاع عن نفسه وسط طوفان حملة المباخر، والمشانق، التي يستعدون لتعليقه عليها، إلا أنه قد قدَّم طعنًا على قرار إقالته، ورفع دعوى قضائية يختصم فيها "السيسي" بسبب إعفائه من منصبه، واصفًا القرار بـ"فاسد مخالف لصحيح القانون"، وهي القضية التي من المنتظر أن يتم النطق بالحكم فيها يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

واستند "جنينة" في طعنه إلى النصوص القانونية التي "لا تجيز إصدار قرار بعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات إلا بعد العرض على مجلس النواب، وموافقة الأغلبية على القرار".

ودشنت صفحة "الموقف المصري" حملة واسعة للتضامن مع جنينة، ودعت المتضامنين معه لحضور المحكمة معه لإيصال رسالة أنه لا يقف وحيدًا.

تلفيق "تهمتين"

في إطار العداء ضد "مستشار المركزي للمحاسبات"، كانت محكمة جنح القاهرة الجديدة أحالت "جنينة"، في تموز/يوليو الماضي، إلى محاكمة عاجلة بتهمة نشر أخبار وبيانات كاذبة بسوء قصد للإضرار بالمصلحة العامة، بعد تصريحه بوصول حجم الفساد في مؤسسات الدولة إلى 600 مليار جنيه مصري.

شكل النظام المصري لجنة تقصي حقائق، ادَّعت أن "تصريحاته أكاذيب"، بينما قال هو إن "التحقيق معه استند لتهم كيدية وسياسية للنيل من كفاحه ضد الفساد، قائلًا إن عمله بالمركزي للمحاسبات وسام على صدره يدفعه لتحمل أي ثمن حتى لو كان حريته دفاعًا عن الوطن"، رافضًا دفع الكفالة للخروج من حبسه، إلا أنّ ذويه قرروا دفعها بعد احتجازه في قسم القاهرة الجديدة.

يرى الكثيرون أن تقارير جنينة المهنية عن حجم الفساد في مؤسسات الدولة، هي ما سرعت الإطاحة به، رغم عدم معارضته المباشرة للنظام

اقرأ/ي أيضًا: تبنته حركة مجهولة..اغتيال عميد بالجيش المصري

وأصدر جنينة بيانًا عقب رفضه دفع الكفالة قال فيه: "أنا على يقين من أنني أؤدي واجبي إرضاء لله وللوطن والأمانة التي اؤتمنت عليها، مثلت أمام القضاء الذي شرفت بالعمل فيه قبل تبوئي رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات وتمكينًا من الوصول إلى العدالة التي ينشدها أي مواطن أمام قضاء عادل مستقل لا يقطع سيف المعز وذهبه، ولكني فوجئت بتحريات ملفقة تم بناء اتهامات كيدية على أساسها وانتهى الأمر إلى إلزامي بدفع كفالة، وعليه بات دفع الكفالة تسليمًا مني بصحة هذه الاتهامات".

بعد دفع الكفالة. خرج "جنينة" من فخ الحبس على ذمة قضية، في سلسلة الألغام التي زرعها له النظام المصري لحبسه، انتقامًا منه على كشفه فساد أجنحة داخل النظام، أبرزها وزارة الداخلية، التي أصرَّت على اقتياده داخل مدرعة لمحلّ حبسه، وكان ذلك نوع من "كسر العين" لأحد قضاة "تيار الاستقلال"، الذي نشط في عهد حسني مبارك، الرئيس الأسبق.

بداية المواجهة

بدأت المواجهة بين "جنينة" والنظام المصري بعد انتخاب السيسي رئيسًا، فقد اعتبره الرئيس المصري الجديد محسوبًا على نظام "مرسي"، الذي أتى به رئيسًا لـ"المركزي للمحاسبات"، وقرر نصب الشباك حوله حتى الإطاحة به بطريقة مهينة، حين قرر "السيسي" عزله دون إبلاغه، وعلم بقرار إقالته وتعيين نائبه هشام بدوي مكانه من الإعلام.

وجرى في ذلك الوقت إغلاق مكتب "جنينة" وتفتيشه والتحفظ على الملفات والمستندات، ومنع خروج الموظفين من مبنى الجهاز، لتأكيد حقيقة أن خيوط شباك النظام تحاصر الجميع أمنيًا وقضائيًا وإعلاميًا.

كان غريبًا العداء المجاني، الذي اعتبر جاهزًا، لـ"جنينة" من طرف النظام المصري، خاصة أنه ضابط شرطة سابق، استقال ليدخل السلك القضائي، حتى وصل إلى رئاسة محكمة الاستئناف، ولم تعرف عنه أي نزعة معارضة للأنظمة. فيما عدا مشاركته بـ"تيار الاستقلال"، الذي اعتبر شأنًا قضائيًا وليس جبهة معارضة، ولكن يرى الكثيرون أن تقارير جنينة المهنية عن حجم الفساد في مؤسسات الدولة، هي ما سرعت الإطاحة به، رغم عدم معارضته المباشرة للنظام.

اقرأ/ي أيضًا:

صور وفيديوهات..غلابة مصر على صفيح ساخن

البرلمان المصري..ظل هزيل للسلطة