03-فبراير-2025
جنوب إفريقيا

ترامب يمنع أي تمويل مستقبلي لجنوب إفريقيا (رويترز)

 

اضطُرّت جنوب إفريقيا، الإثنين 3 فبراير/ شباط 2025، للدفاع عن نفسها في مواجهة حملة الانتقادات والاتهامات التي تزعّمها ترامب وحليفه الملياردير الأميركي من أصل جنوب إفريقي إيلون ماسك ضدّ  سياسة "مصادرة" الأراضي وما يدّعون أنها معاملةٌ تمييزية ضدّ فئات لم يسمّوها بالاسم، وإن كان من الواضح أنّهم يعنون السكان البيض. وقد وصلت الحملة حدّ إعلان ترامب قطع أي تمويل مستقبلي عن جنوب إفريقيا.

وكان ترامب قد ادّعى الأحد ـ دون تقديم أي أدلة ـ أنّ "جنوب إفريقيا تصادر الأراضي" وأنّ "فئات معينة من الناس تُعامل بشكل سيئ للغاية" على حدّ وصفه، مضيفًا القول "سأقطع كل التمويل المستقبلي لجنوب إفريقيا حتى يتم الانتهاء من التحقيق الكامل في هذا الوضع".

وفي ردّه  الإثنين على تهديدات ترامب، قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إن الحكومة "لم تصادر أي أرض، وأتطلّع إلى التواصل مع ترامب لتعزيز التفاهم بشكلٍ أفضل بشأن هذه المسألة".

ترى جنوب إفريقيا أنّ السياسة المتبعة في مجال الأراضي تأتي في إطار معالجة آثار الماضي الاستعماري والفصل العنصري

وكانت واشنطن قد تعهّدت عام 2023، بتقديم ما يقرب من 440 مليون دولار كمساعدات لجنوب إفريقيا، وذلك وفقًا لأحدث بيانات صادرة عن الحكومة الأمريكية، ويذهب جلّ هذا المبلغ، وبالتحديد 315 مليون دولار، إلى برنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.

وقلّل رامافوزا من أهمية التمويل الأميركي، قائلًا إنه "يمثل 17% من برنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في جنوب إفريقيا"، مؤكّدًا عدم  اعتماد بلاده على  "أي تمويل آخر مهم" من الولايات المتحدة.

ومع ذلك بمجرّد إعلان ترامب تعليق أي تمويل مستقبلي انخفض الراند الجنوب أفريقي بنحو 2% مقابل الدولار في وقت مبكر من يوم الإثنين، كما تراجعت الأسهم والسندات الحكومية القياسية.

لكنّ هذا التأثير يبقى محدودًا حسب تشارلز روبرتسون، المتخصص في الأسواق الناشئة، حيث يرى أنّ "الدول الإفريقية في وضع جيد نسبيًا لتحمل هجوم ترامب لأن الولايات المتحدة كانت مستثمرًا أقل أهمية بكثير من الصين وأوروبا".

ومع ذلك يؤكد روبرتسون أنه "لا يمكن إهمال حقيقة أنّ أي إجراءات أمريكية ضد جنوب إفريقيا ـ من قبيل رفع التعريفات الجمركية أو إلغاء الاتفاقية التجارية الأميركية مع القارة السمراء المعروفة باتفاقية النمو والفرص في إفريقيا ـ  ستمثل تحديًا خطيرًا لرامافوزا، الذي كان يحاول تعزيز الاقتصاد الراكد وجذب المستثمرين الأجانب".

 

ملف الأراضي المصادرة ومعالجة التفاوتات:

وقّع رئيس جنوب إفريقيا كانون الثاني/يناير المنصرم على مشروع قانون يُسهّل قيام الدولة بمصادرة الأراضي لصالح المصلحة العامة. ويهدف القانون  إلى معالجة التفاوتات العرقية الصارخة في ملكية الأراضي التي استمرت بعد ثلاثة عقود من انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994.

وقّع رئيس جنوب إفريقيا يناير المنصرم على مشروع قانون يُسهّل قيام الدولة بمصادرة الأراضي لصالح المصلحة العامة. ويهدف القانون إلى معالجة التفاوتات العرقية الصارخة في ملكية الأراضي التي استمرت بعد ثلاثة عقود من انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994

ونفت الرئاسة أن يكون القانون الذي تم تبنيه مؤخرًا "أداةَ مصادرةٍ"، مؤكّدةً أنّه على العكس من ذلك "عملية قانونية تضمن وصول الجمهور إلى الأراضي بطريقة عادلة ومنصفة وفقًا لتوجيهات الدستور"، فضلًا عن ذلك لا يسمح القانون للحكومة في جنوب إفريقيا "بمصادرة الممتلكات بشكل تعسفي، إذ يجب عليها أولا أن تسعى للتوصل إلى اتفاق مع المالك".

كما أنه بموجب قانون نزع الملكية، "يجب استيفاء شروط خاصة قبل نزع ملكية الأرض مثل وجود شاغلين غير رسميين لفترة طويلة، أو عدم استخدامها واحتجازها للمضاربة البحتة، أو التخلي عنها".

ومع ذلك لا يمكن تجاهل حقيقةِ أنّ مسألة إصلاح الأراضي وملكيتها ظلّت مسألةً مشحونة سياسيًا للغاية في جنوب إفريقيا، بسبب الإرث الاستعماري والفصل العنصري، حيث تم تجريد السود من أراضيهم وحرمانهم من حقوق الملكية. وبمقتضى ذلك باتت الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا التي لا تشكل سوى 9% من سكان البلاد تستحوذ على 75% من الأراضي الصالحة للزراعة.

 

إيلون ماسك يحشر أنفه في الملف:

أثارت سياسة الحكومة الهادفة إلى معالجة اللامساواة في الملكية العقارية الموروثة عن حقبة الفصل العنصري انتقاداتٍ من المحافظين في جنوب إفريقيا، لكن كان من اللافت للانتباه مسارعة الملياردير الأميركي إيلون ماسك إلى حشر أنفه في القضية، وهو المعروف بقربه من ترامب وبامتلاكه منصة إكس وبكونه أغنى رجلٍ في العالم.

اضطُرّت جنوب إفريقيا للدفاع عن نفسها في مواجهة حملة الانتقادات والاتهامات التي تزعّمها ترامب وحليفه الملياردير الأميركي من أصل جنوب إفريقي إيلون ماسك ضدّ  سياسة "مصادرة" الأراضي وما يدّعون أنها معاملةٌ تمييزية ضدّ "فئات" ويقصدون بها "البيض"

وفي أحدث تدخلٍ له في القضية قال ماسك ردًّا على تصريحات رامافوزا "لماذا لديكم قوانين ملكية عنصرية صريحة؟". مشيرًا حسب رويترز إلى أنّ "البِيض هم ضحايا العنصرية التي يزعمها".

أسلوب ماسك دفع المتحدث باسم الرئاسة في جنوب إفريقيا فينسينت ماجوينيا إلى تنبيهه إلى ضرورة "التحدث بشكل لائق وبنّاء مع رئيس جنوب إفريقيا"، موجّهًا إليه الخطاب قائلًا "أنت تعلم أنه بسبب الإرث المدمر لقرون من الاستعمار القمعي والوحشي والفصل العنصري، فإن دستورنا ينص على معالجة أمراض الماضي" بما فيها التفاوتات المتعلقة بملكية الأراضي.