14-يونيو-2017

نيكولاس كارون/ أمريكا

عشْ ملكًا تكنْ قانعًا

* أنسي الحاج

 

يا رب..

إن متّ فلا تحرمني من شرب قهوة في جنازتي،

هكذا صرخ المسْتحيلُ فيَّ.

والمستحيلُ اسمٌ من أسماء الموْتِ

يطْعنُ الإنسانَ في حلمه، ويفرّ..

يسْرقُ منْه خيالَهُ،

ليبيعَه في سوقِ القيامةِ بنصف الثّمن.

*

 

ما المرء بغير خياله

سوى نداء للخرس

وإشارة للعمى.

تمامًا مثل حبّة قمحٍ تُزْرعُ في البحر

أو مثل سمكة يأخذها صبيٌّ مخْبول

ليزوِّجها لحرْباء في غابةٍ.

*

 

ما دامَ المرْءُ مُحصّنًا بخيالهِ، فهو الملكُ في كوخهِ

وهو السّندبادُ في حوضِ السِّباحةِ

وهو الشاعرُ في صمته.

*

 

يبْدأ موْت المرْء من اللّحظة التي يفارقه فيها خيالُه

من اللّحظة التي يكفّ أن يكون فيها مصْباحا مضاءً في النّهار

أو أغنية حُبٍّ في أذن التّمثالِ.

*

 

هذا ما كان يذكّرني به خيالي دائمًا:

النّهْرُ هو الذي يشْربُ من فمِ الغزالةِ

الشّرفاتُ التي تُطلُّ منها البناتُ هي التي تُشْرقُ على الشَّمْسِ

الحكاياتُ هي التي تسْمعُ الصّبيانَ النّاعسينَ تحت القمرِ،

وهي التي تتنهّدُ عندما يرْحلونَ.

إذا رأيتَ عكس ذلك، فدغدغْ وعْيكَ،

وتأكّدْ من وجودك.

*

 

عشتُ ملكًا بخيالي..

وفي حياتي جلبْت البنّائين والنّجّارين من كلّ أصقاع العالم

ليُشيِّدوا قصْرًا يليقُ بحاشيتي،

وحاشيتي هي العزلة والأفكارُ الدّاميةُ والابتساماتُ السّوداءُ والجرذانُ وأرامل الحبر والرّطوبة والسّجائرُ...

جلبْتُ المؤرّخينَ ليملؤوا مكتبتي بالحبر والغبار،

ويصفوا على ضوء المصابيح ملامحي الباكيةَ للفرح الغابرِ.

جلبْتُ الفلاسفةَ ليقشّروا معي الأفكارَ النّيّئةَ تحت أشْجارِ التّفّاح

جلبْتُ الفلكيّين ليفسّروا لي معنى الخُنَّس الجوار الكُنّسِ.

....

أمّا الذين نسيتهم،

فهم الذين سيحْملون تابوتي على أكتافهم دامعين

وهم الذين سيكملون سيرتي النّاقصة بنثارة خيالاتهم

حين أوارى النّسيان ولا يُنْجدني خيالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهاية أخرى

يعود الجبل وحيدًا