01-ديسمبر-2016

أبو سنة يفوز بجائزة ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي (وكالات)

لا يطاول بؤس المشهد السياسي في مصر سوى بؤس الحياة الثقافية في بلد لا يزال يتعثّر "مثقفوه" في تعريف المعروف والشائع. مساء الأربعاء الماضي اختتمت الدورة الرابعة لـ"ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي"، بعد إعلان أحمد عبد المعطي حجازي، رئيس لجنة تحكيم الملتقى، عن فوز الشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة بجائزة الملتقى. وكان عدد من منظمي المؤتمر قد هدد بالاستقالة ومقاطعة أنشطة وزارة الثقافة إذا ذهبت الجائزة الى الشاعر سيد حجاب الذي طُرح اسمه كمرشح لجائزة الملتقى، معتبرين أن شعر العامية المصرية مجرد "زجل" لا يرقى الى المنافسة. وقد أثار استبعاد العامية، والأجيال الجديدة للقصيدة استياء بالغًا لدى الجميع.

لا يطاول بؤس المشهد السياسي في مصر سوى بؤس الحياة الثقافية

وكانت الدورة الثانية للملتقى في عام 2008 قد شهدت خلافًا مماثلًا عندما أصر أحمد عبد المعطي حجازي أن تحمل الدورة إسم الشاعر علي محمود طه، لكن سيد حجاب تساءل عن السبب الذي يمنع أن تحمل الدورة اسم أي من شعراء العامية مثل فؤاد حداد أو صلاح جاهين أو بيرم التونسي؟ وردّ عليه أحد الأعضاء بأنّه هؤلاء "مجرد زجّالين"، ومسألة تكريمهم يليق بها مؤتمر "المأثورات الشعبية"، وليس مؤتمر الشعر. بينما قال عبد المعطي حجازي: "نحن لجنة لشعر الفصحى فقط". ما أغضب حجاب، وقتها ودفعه الى الاستقالة!

اقرأ/ي أيضًا: رواية المُدمن.. صورة بانورامية للعالم السفلي

الملتقى الذي كان يريد القائمون عليه اعتباره "عُرسًا" لتأكيد رؤيتهم القديمة للشعر تحوّل إلى عرضٍ احتجاجي، مع توالي اعتذارات كبار الشعراء الكبار في مقدمتهم سعدي يوسف وقاسم حداد وأدونيس، فيما جاء الاعتذار الأبرز من جانب الشاعر اللبناني عباس بيضون الذي كتب مقالًا/بيانًا في جريدة "السفير" اللبنانية قال فيه: "عدتُ البارحة فقرأت وأنا في الطائرة مقالة للزميل محمد شعير فهمت منه أن أدونيس وسعدي يوسف اعتذرا عن عدم الحضور، وليس هذا بلا سبب، ثم علمت أن عبد المنعم رمضان وهو من شعرائي المفضلين، ومعه سرب آخر من الشعراء المصريين اعتذروا أيضًا عن عدم الحضور، وليس هذا بلا سبب أيضًا. قلت في نفسي ما شأني أنا بملتقى يغيب عنه هؤلاء". 

وجاء بيان بيضون كاشفًا عن الخلافات المستعرة في خلفية المشهد الشعري، بما فيها تجاهل الشعراء المصريين ذوي القيمة في قصيدة النثر، واللغط حول منح جائزة الملتقى. ولم تتوقف الاعتذارت عند الشعراء العرب، بل تبعهم عدد من الشعراء المصريين الذين أعلنوا مقاطعة الملتقى "احتجاجًا على توجهه والفكر الذي يمثله".

وضعت الاعتذارت اللجنة المنظمة في ورطة بسبب غياب "الشاعر النجم" عن الملتقى، خصوصًا بالنظر إلى أن الأبحاث الأكاديمية التقليدية التي يتم تدبيجها في مثل هذه المناسبات لا تضيف جديدًا، وهو ما جعل مسؤولين داخل "المجلس الأعلى للثقافة" يشعرون بالندم على ترك أمر تنظيم مؤتمر دولي كبير، بميزانية ضخمة، بيد مقرر لجنة الشعر محمد عبد المطلب، صاحب الذائقة النقدية التقليدية، الذي كان طرفًا في الهجوم على مبدعين ارتبطت قضاياهم بحرية الرأي والتعبير مثل أحمد ناجي وإسلام البحيري وكرم صابر.

وكان عبد المطلب بطلًا لحادثة أخرى حين رفض بحثًا للناقدة والشاعرة فاطمة قنديل بعنوان "جماليات قصيدة النثر: قراءة في ديوان عماد أبو صالح (كنت نائما عندما قامت الثورة)"، بحجة أنه خارج الموضوع الرئيسي للمؤتمر وهو "ضرورة الشعر الآن"، وكأن قصيدة النثر لا تنتمي الى الشعر. وقد كتبت قنديل على صفحتها الشخصية في الفايسبوك: "الموظف المسؤول عن تنظيم المؤتمر قال لي: "عادي يعني حضرتك، ما اتقدم ألف بحث واترفضوا".

منذ إعلان تشكيل لجنة "ملتقى القاهرة الشعري"، سادت الوسط الثقافي المصري حالة من عدم الرضا والتساؤل

اقرأ/ي أيضًا: "معرض الدوحة للكتاب".. الدورة 27 بدأت

كل هذا لم يكن مفاجئًا لأحد، فمنذ إعلان تشكيل اللجنة المنظمة للملتقى قبل أربعة أشهر سادت الوسط الثقافي المصري حالة من عدم الرضا والتساؤل، حول استمرار حالة الاحتكار والهيمنة لأسماء بعينها تمثل اتجاهًا محافظًا تقليديًا. حينها، خرجت بعض الأصوات للرد على تلك الانتقادات قائلة إن هذه الدورة سوف تتيح الفرصة كاملة لمشاركة "الشباب" وممثلي قصيدة النثر الذين طال تجاهلهم رسميًا، وهو ما أصرّ عليه رئيس اللجنة المنظمة محمد عبد المطلب في الجلسة الافتتاحية للملتقى، حيث أشار إلى وجود 20 شاعرًا شابًا من بين الخمسين شاعرًا المشاركين من مصر، لكن هناك شيئًا صغيرًا فات الدكتور عبد المطلب وهو حقيقة ما يمثله هؤلاء من قيمة شعرية حقيقية.

شهادات كاشفة للشعراء

في عام 2007 انعقدت الدورة الأولى لـ"ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي" وحملت اسم الشاعر صلاح عبد الصبور، وكان ذلك إثر دعوة من صاحب نوبل نجيب محفوظ، ليكون هناك ملتقى للشعر على غرار "ملتقى القاهرة للرواية". وبعد عشر سنوات، يعيد المشهد نفسه بشكل يدعو للعجب، نفس الاعتذارات ونفس الاختلافات حول أسماء المشاركين المصريين ونفس التحفظات على اسم الفائز بجائزة الملتقى!

في شهادته حول الملتقى والتي نشرها في جريدة "القاهرة"، يستعيد الشاعر علي منصور ذكرى تلقيه دعوة للمشاركة في الدورة الأولى للملتقى في 2007، ويقول "تمنيت لو أخطأتني الدعوة وجنّبتني الحيرة بين التورّط في المشاركة –على خلفية التحفظات العديدة تجاه المؤسسة الثقافية- وبين المقاطعة دونما هدف يمكن ان تحققه المقاطعة". ويشير منصور إلى إدراكه أن توجيه الدعوة له يعود إلى الإيحاء بأن لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة لا تقف موقفًا سلبيًا من قصيدة النثر  وهو ما تمثّل في توجيه الدعوة أيضًا لاثنين من شعراء قصيدة النثر هما محمود قرني وفاطمة قنديل، إلا أن "استبعاد قرني في اللحظة الأخيرة كشف عن غلبة التيار المناهض للحرية داخل اللجنة" التي استحوذ أعضاؤها على أغلب الأمسيات والمناقشات. 

وبنبرة حزينة يقول منصور "بقدر ما آنسني تواجد محمد صالح وفاطمة قنديل، فقد افتقدت إبراهيم داود وفتحي عبد الله وعماد أبو صالح (..) ولكم أحزنني أن يمرّ المؤتمر دون أدنى إشارة للراحل أسامة الدناصوري، الذي كان يوما ما عضوًا بلجنة الشعر". وكشف الشاعر عن أن السبب الحقيقي وراء قبوله للمشاركة في الدورة الأولى للملتقى هو أنه "ليس من المناسب أن يتخلّف المرء عن مؤتمر دعا إليه نجيب محفوظ وحمل اسم صلاح عبد الصبور وعمره سعدي يوسف"، غير أنه يستكمل حديثه ويبرّر سبب مشاركته في الدورة الأخيرة للملتقى بعدم مشاركة أدونيس فيها "السبب الأوحد لمشاركتي هو اعتذار أدونيس، ولو أن أدونيس لم يعتذر وحضر المؤتمر لكنت اعتذرت احتجاجًا على مشاركته، فانا لا يمكن أبدًا أن أقف مع أدونيس في خندق واحد".

عبد المنعم رمضان: لا يختلف وزراء الثقافة المصرية إلا في القدرة على خداع الآخرين

اقرأ/ي أيضًا: محمد أبو رمان.. سيرة مختصرة للسلفية الأردنية

الشاعر عاطف عبد العزيز أشار في شهادته إلى أن موافقته المبدئية على المشاركة في الملتقى جاءت لتصوره أن هناك فكرًا جديدًا يحكم تنظيم الملتقى، غير أنه وباستعراض قوائم أسماء المشاركين من المصريين والعرب أدرك أن شيئًا لم يتغير وأن الأفق الفكري الذي عانينا منه مرارًا ما زال حاكمًا. "لقد أحسست أن تطعيم تلك القوائم ببعض الأسماء الطليعية، لم يكن سوى محاولة لذر الغبار في العيون من أجل تمرير ذات الأسماء التي فرضت نفسها على المشهد الشعري الرسمي طوال الوقت دون استحقاق، مضاف إليها أسماء أخرى جديدة لا تستند إلى مواهب حقيقية، في الوقت الذي يستمر فيه إقصاء أسماء كبيرة ومهمة في جيلي".

أما الشاعر عبد المنعم رمضان فجاءت شهادته تحمل نبرة أكثر صراحة ووضوحًا، حيث أكد عدم تفاؤله بخصوص تحسين وضع الثقافة أو تحريرها من الفساد "لن أتحدث عن الوزارة ولا الوزير فالمسألة ليست موقفًا من وزير بعينه، كل وزراء الثقافة منذ فتحت عيني على الحياة لا يختلف أحدهم عن الآخر إلا في فارق المهارة، والقدرة على خداع الآخرين". وشدد رمضان على أن وزراة الثقافة ليست سوى أحد اجهزة الدولة الأيديولوجية، مضيفًا أن حلم استقلال الوزارة لا يمكن أن يحدث، بل يجب الالتفات إلى العمل على استقلالية الثقافة ذاتها عبر جماعات ثقافية مستقلة مثلما حدث في السبعينات والثمانينات. 

وختم رمضان شهادته بالإشارة إلى تهافت المسؤولين عن لجنة الشعر والقائمين على الملتقى بقوله "سلسلة الاعتذارات التي تلقاها ملتقى القاهرة للشعر تركت صدى عربيًا، لا أريد أن أسيئ لشخص بعينه أو اسم بعينه، لكني أقول هذا وأنا حزين وآسف. عندما يعتبر أحدنا أن "جائزة الملك فيصل" أهم جائزة أدبية على مستوى العالم، أهم حتى من "نوبل"، ويكون هو المسؤول عن ملتقى الشعر لا بد أن أحزن. عندما يفكر أحدنا أن أحمد ناجي لا بد أن يُجلَد في ميدان عام ويكون مشاركًا في تنظيم ملتقى الشعر لا بد أن أحزن".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الأرض الخراب".. ترجمة توفيق صايغ المجهولة

المهرجان الجزائري للمسرح المحترف.. دورة متقشّفة