05-ديسمبر-2018

لا تزال أزمة تشكيل الحكومة العراقية قائمة (Getty)

ألترا صوت ـ فريق التحرير

رغم مرور أشهر طويلة من إجراء انتخابات أيار/مايو 2018، لم تتشكل الحكومة العراقية، العقدة الأكبر والأزمة الأخطر في البلاد، نظرًا للخلافات المحيطة بها، والصراعات المحلية، المرتبطة بأبعاد إقليمية حول حقائب حساسة.

يستمر الفشل في استكمال تشكيل الحكومة العراقية بسبب الصراعات المحلية، المرتبطة بأبعاد إقليمية حول حقائب حساسة

 فشلت أكثر من جلسة برلمانية لاختيار وزراء للحقائب المتبقية، كان آخرها جلسة الثلاثاء، 4 كانون الأول/ ديسبمر الجاري، حيث كان ينتظر العراقيون أن تكتمل الكابينة الوزارية وأن يتوقف الخلاف السياسي بشأنها، لكن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وبقية مرشحي الوزارات الشاغرة غادروا البرلمان بعد ساعات من المشاجرات والخلافات والصراخ الطويل، ومن دون أن يتحقق شيء.

رسائل ما قبل الجلسة

يوم الإثنين الماضي، 3 كانون الأول/ديسبمر، بعث زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الداعم لتحالف الإصلاح والبناء، رسالة إلى عادل عبد المهدي دعاه فيها إلى المضي في استكمال حكومته واختيار وزراء مستقلين غير حزبيين خاصة لمنصبي الدفاع والداخلية، مهددًا إياه باتخاذ مسار المعارضة لحكومته في حال وجد تقصيرًا، حسب تعبيره.

أزمة استكمال الحكومة العراقية.. صراع أخير على تفاصيل المحاصصة

وتابع الصدر في رسالته أنه قد "تكاتفت بعض الأيادي من جديد لإعادة العراق إلى سابق عهده، من تحكم الأحزاب والفاسدين، ليعمقوا دولتهم، وليحذروا فسادهم، وليتسلطوا على ثروات الشعب ومقدراته، بل ودمائه من جديد، وبإملاءات ودعم خارجي".

وأشار الصدر إلى أن الفاسدين "سارعوا إلى تحالفات طائفية، وإن كانت في ظاهرها تجمع الساسة الشيعة والسنة، إلا أنها في حقيقتها مبنية على الصراعات والصدامات السابقة، فلن تدوم؛ لأنهم يتحالفون من أجل مغانم سياسية، ويختلفون على مصالح الشعب"، مخاطبًا عبد المهدي، أنه "بعد أن توافقنا على ترشيحك، فإننا نعلم أن ذلك وفق التطلعات أعلاه، وإنك (مستقل) لن تميل إلى جهة دون أخرى، ولا إلى طائفة دون أخرى، ولا تسعى لإرضاءات من أجل مناصب، بل لأجل تأسيس مرحلة جديدة، ترضي تطلعات الشعب، لا تطلعات الأحزاب، مهما كان انتماؤها".

وشدّد الصدر على عبد المهدي، بالقول "أنت ملتزم بعدم الانصياع إلى ما يجري خلف الكواليس، من تقاسم المناصب"، داعيًا إياه إلى "تأسيس دولة وفق الأسس الصحيحة".

أثارت تهديدات الصدر مخاوف من بداية انفراط التحالف المتين بين الصدر من جهة وعادل عبد المهدي من جهة أخرى، الذي ساهم بصعود الأخير إلى رئاسة الوزراء.

لم يتأخر عادل عبد المهدي في الرد غير المباشر لزعيم التيار الصدري، إذ أرسل رسالة إلى مجلس النواب في 4  كانون الأول/ديسبمر الجاري، تضمنت أسماء المرشحين المطلوب نيل ثقة مجلس النواب بهم.

وقال في الرسالة التي اطلع عليها "ألترا صوت"، إنه "ستكون لكثيرين وجهات نظر مغايرة، وقد أشاركهم الرأي، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه"، متابعًا أن "التشكيلة الراهنة هي الأقل عددًا منذ 2003 وليومنا هذا، لذلك سيكون من الطبيعي تعذر مشاركة الجميع في المناصب الوزارية"، مضيفًا أنه "تم التأكد من سلامة جميع هذه الأسماء من هيئتي النزاهة والمساءلة"، مقدمًا أسماء المرشحين، مع اسم فالح الفياض وزيرًا للداخلية، وهو الاسم الذي تجري الخلافات حوله، والذي تشير مصادر أن الإصرار عليه يتم بإرادة إيرانية.

وأشار عبد المهدي إلى أن "البعض يعتقد أن عدم اكتراثنا بالمناصب وتقديمنا الاستقالة من مناصب عليا هو هروب من ساحة المعركة، ويعتقدون أنهم بممارسة الضغط يستطيعون دفعنا للاستقالة. هؤلاء مخطئون بالمطلق". وهو كما يبدو في هذه النقطة يرد على الصدر الذي ذكر الاستقالة في رسالته له.

الاعتداء على رئيس الوزراء!

بعد عرض أسماء الكابينة الوزارية، قاطع عدد من التحالفات، الجلسة البرلمانية المزمع انعقادها لاستكمال تشكيل الحكومة، فيما غادر رئيس البرلمان القاعة إلى مكتبه، وقال مصدر من المكتب الإعلامي في مجلس النواب لـ"ألترا صوت"، إن "نواب تحالف سائرون والاتحاد الوطني الكردستاني وائتلاف النصر قاطعوا جلسة المجلس اعتراضًا على فالح الفياض، مرشح وزارة الداخلية"، مشيرًا إلى أن "نواب تحالف المحور الوطني قاطعوا كذلك جلسة مجلس النواب، اعتراضًا على مرشح وزارة الدفاع"، فيما تناقل ناشطون صورة تظهر اجتماع العديد من النواب داخل كافتيريا البرلمان، بينما تأجلت جلسة البرلمان لمدة نصف ساعة لعدم اكتمال النصاب.

وكان رئيس حزب الوطن مشعان الجبوري، كشف صباح الثلاثاء 4 كانون الأول/ديسمبر، عن تحريض رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، للاعتداء على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في جلسة البرلمان، ونشر الجبوري في تغريدة له على حسابه في "تويتر"، صورًا لمحادثات في مجموعة لتحالف المحور الوطني على "واتس آب"، علّق عليها بالقول، إنه "تظهر صورة المناقشات المرفقة تحريض رئيس البرلمان وآخرين لأحد الأعضاء بالاعتداء على رئيس الوزراء لإفشال جلسة التصويت على بقية الوزراء، لأنه لم يعتمد مرشحهم لوزارة الدفاع"، مضيفًا، أن "ذلك يؤكد أن هؤلاء مجموعة إجرامية تنتهج أسلوب العصابات لتحقيق أهدافها وليس مجموعة نيابية".

وقال المصدر لـ"ألترا صوت"، إن "هناك مطالب في الجلسة من بعض الكتل السياسية بإقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بعد فضيحة تحريضه المباشر على إفشال الكابينة الوزارية"، مضيفًا أنه "بدل الانشغال بإكمال الكابينة الوزارية انشغلت الكتل في المطالبة بإقالة رئيس البرلمان"، مبينًا أنه "لم تمر دقائق على الجلسة دون مشاجرة وصياح".

تزوير في النصاب!

بعد مضي ساعات، كشفت مصادر نيابية لوسائل إعلام محلية،عن اكتمال النصاب بـ168 نائبًا للتصويت على باقي الوزارات في حكومة عبد المهدي، لكن تحالف سائرون اقتحم قاعة المجلس، هاتفًا بصوت عال بأن "الكثير من الحضور ليسوا نوابًا وإنما مستشارين"، ما أدى إلى حدوث مشادة كلامية بين سائرون ورئاسة مجلس النواب.

اقرأ/ي أيضًا: آفاق حراك الصدريين.. فسحة لبناء عراق مدني!

وهي خطوة تكشف عن الإصرار على تمرير كابينة الوزراء، مهما حدث، لكن تحالف سائرون أصر أيضًا، مطالبًا رئيس البرلمان بتأجيل الجلسة لأنه احتسب المستشارين الحاضرين ضمن النواب كنصاب قانوني، وعلى خلفية ذلك، طالب رئيس المجلس نواب سائرون بجمع 50 توقيعًا لأجل إعادة احتساب النواب، وعلى إثر ذلك قرّر المجلس تأجيل الجلسة نصف ساعة أخرى، فيما عقد الحلبوسي اجتماعًا مع قادة الكتل للتوصل إلى حلول بشأن الجلسة لكنه فشل، وأعلن بعد احتساب عدد النواب عن عدم اكتمال النصاب، ما أدى إلى مغادرة عبد المهدي مع كابينته مبنى البرلمان، فيما يهتف نواب الإصلاح والبناء "كلا كلا للفساد"، ويطالبهم رئيس البرلمان بالتوقف.

مصدرلـ"ألترا صوت": هناك مطالب من بعض الكتل السياسية بإقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بعد فضيحة تحريضه المباشر على إفشال الكابينة الوزارية

مشاجرات وخلافات كثيرة رافقت جلسة البرلمان، والتي قال عنها عادل عبد المهدي بعد ساعة من تأجيلها إلى يوم الخميس المقبل، إن "الفوضى حالت دون إكمال الكابينة الوزارية"، لافتًا إلى أنه "لن يقدم قوائم وزراء إضافية وعلى البرلمان التصويت على الأسماء الحالية، بعد فشل جلسة اليوم من التصويت على باقي الوزارات الشاغرة".

وكما يبدو، فإن إصرار عادل عبد المهدي على مرشحي قائمته سيعمق من الخلاف بينه وبين الصدر، صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان، الذي لا يريد وزيري الدفاع والداخلية من أحزاب يصفها بـ"الفاسدة"، وهو يشير إلى إمكانية وقوف الصدر ضد عبد المهدي، الضعيف بالأصل، والذي جاء وفق توافقات بين سائرون والعامري، رئيس ائتلاف الفتح. حيث اعتبر الممثل السياسي والمتحدث باسم زعيم التيار الصدري، القاضي جعفر الموسوي، في بيان له في 4 كانون الأول/ديسمبر، أن "التمسك بالمحاصصة خلافًا للاتفاقات المعقودة يعتبر تحديًا لإرادة الشعب والمرجعية"، مرجحًا "فشل الحكومة إذا ما تضمنت شخصياتٍ غير مستقلة".

رسائل سليماني في بغداد!

بعد فشل الجلسة في التصويت على الوزراء، ظهرت الكتل المقاطعة والتي ساهمت بإفشالها في فيديو مصور هاتفين بصوت عال: قرارنا عراقي. في إشارة إلى أن اختيار بعض الوزراء، خاصة الداخلية، جاء بقرار خارجي، إيراني تحديدًا.

وفي هذه الأثناء، وبعد فشل الجلسة، أظهرت صور بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وجود قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في جامع أم الطبول وسط العاصمة بغداد، وذلك في ضيافة مفتي العراق مهدي الصميدعي، كذلك أظهرت الصور وجود نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، برفقة سليماني.

في هذا السياق، تنتشر ترجيحات بأن سليماني يحاول الضغط على القوى السياسية لتمرير استيزار فالح الفياض لوزارة الداخلية. بينما يبدو ظهوره في هذا الوقت، محملًا بأبعاد سياسية وإقليمية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

احتمالات مقتدى الصدر الشاسعة.. هدم جدار المنطقة الخضراء أم الاعتصام أمامه؟