جريمتهم الوحيدة أنهم حاولوا النجاة: مأساة لاجئين سودانيين في السجون اليونانية

في ذروة المجازر وانهيار الدولة في السودان، يواجه اللاجئون السودانيون قدرًا قاسيًا على أبواب أوروبا، حيث يُعامَل الهاربون من الموت كمتهمين جنائيين.

وفي هذا السياق، يكشف تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن واقع مأساوي يعيشه العشرات من هؤلاء اللاجئين في السجون اليونانية، حيث وُجهت إليهم تهم "تهريب البشر"، لمجرد أنهم اضطروا لقيادة قوارب الهجرة تحت التهديد، أو مقابل تخفيض أجور التهريب. وبينما يتحدث القانون الدولي بوضوح عن عدم تجريم المهاجرين في مثل هذه الظروف.

لكن السلطات اليونانية تمضي في استخدام قوانين صارمة أُقرّت لمكافحة التهريب، لكنها تُستخدم فعليًا لمعاقبة أشد الفئات ضعفًا، ممن لم يرتكبوا سوى محاولة النجاة من الموت.

السلطات اليونانية تمضي في استخدام قوانين صارمة أُقرّت لمكافحة التهريب، لكنها تُستخدم فعليًا لمعاقبة أشد الفئات ضعفًا

لاجئون يتحولون إلى متهمين​

من بين هؤلاء، الشاب السوداني صامويل، البالغ من العمر 19 عامًا، الذي اضطر إلى الفرار من مدينة الجنينة بعد أن شهد مذبحة دامية راح ضحيتها العشرات في واحدة من أبشع محطات الحرب الأهلية في دارفور. وبعد رحلة شاقة عبر ليبيا، وجد نفسه على قارب متجه إلى اليونان، حيث أرغمه المهربون تحت تهديد السلاح على قيادة القارب، رغم أنه لا يعرف السباحة.

عند وصوله إلى جزيرة كريت، ألقت السلطات اليونانية القبض عليه ووجهت إليه تهمة تهريب مهاجرين غير شرعيين. صموئيل، الذي دفع 12 ألف دينار ليبي (نحو 1660 جنيهًا إسترلينيًا) لقاء الرحلة، قال أمام الادعاء: "لم أكن أعرف كيف أُبحر، ولا حتى كيف أسبح. قالوا لي: إمّا أن تقود القارب أو نطلق عليك النار".

اليوم، يقبع صامويل في سجن أفلونا شمال أثينا، يواجه حكمًا بالسجن يصل إلى 15 عامًا، في قضية تستند فقط إلى شهادات عدد من ركاب القارب، دون أي أدلة رقمية أو مقاطع مصورة أو إثبات لوجود منفعة مالية. وعلى الرغم من كونه ضحية واضحة لشبكات التهريب، تتعامل معه السلطات كمتهم جنائي، لا كناجٍ من الحرب.

القانون اليوناني: أداة قمع لا مكافحة تهريب

تشير تقارير حقوقية إلى أن السلطات اليونانية تطبّق قوانين مشددة لمكافحة التهريب، تصل أحكامها إلى 25 عامًا من السجن، لكن هذه القوانين غالبًا ما تُستخدم ضد لاجئين فقراء يُجبرون على قيادة القوارب خلال الرحلة، إما تحت التهديد أو مقابل تخفيض في التكلفة، فيما يبقى المهربون الحقيقيون خارج دائرة الاتهام.

فمنذ عام 2014، أصبحت هذه التشريعات من بين الأشد في أوروبا، ما جعل "المهربين المدانين" ثاني أكبر فئة من نزلاء السجون اليونانية بعد متعاطي المخدرات، بحسب صحيفة بريطانية. إلا أن منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن معظمهم ليسوا مهربين، بل ناجون تحولوا إلى متهمين.

يقول المحامي سبيروس بانتايزيس، المدافع عن صامويل: "هذا القانون بات أداة بيد الحكومات لردع الهجرة، دون أن يطال الشبكات الحقيقية للتهريب". ويضيف أن صامويل "مجرد شاب شجاع حلم بمستقبل أفضل"، مشيرًا إلى أن القضية ضده تفتقر إلى الأساس القانوني، إذ لم يُستدع الشهود إلى المحكمة، ما يُعد انتهاكًا لحقه في الدفاع ومواجهة الأدلة.

انتهاك للمعايير الدولية​

تُعد هذه الممارسات انتهاكًا للبروتوكولات الدولية، إذ ينص بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة تهريب المهاجرين على عدم جواز مقاضاة الأشخاص لمجرد اضطرارهم للمشاركة في عبور غير قانوني بهدف النجاة.

لكن التقارير الحقوقية توثق أن السلطات اليونانية تتجاهل هذا المبدأ، حيث تُعامل لاجئين فارين من الحروب كمهربين، رغم وقوعهم ضحايا لظروف قسرية لا خيار لهم فيها.

وجهٌ آخر للنكبة السودانية

صموئيل ليس الوحيد. منذ بداية الحرب في السودان، أصبحت كريت – الجزيرة اليونانية – نقطة عبور رئيسية لأكثر من 2500 مهاجر إفريقي هذا العام، معظمهم سودانيون، حسب بيانات رسمية. وتشير "الغارديان"، إلى أن عدد طالبي اللجوء السودانيين في اليونان تجاوز هذا العام عدد السوريين والفلسطينيين للمرة الأولى.

قصة أخرى ترويها الصحيفة عن جاستن أنغوي، البالغ من العمر 19 عامًا، الذي شهد مقتل والده أمام عينيه في السودان، قبل أن تهرب به والدته نحو ليبيا. دفع ما جمعه من عمله في سوبر ماركت في طرابلس للوصول إلى اليونان، فقط ليجد نفسه متهمًا بالتهريب. "أمي أخبرتني أن أهرب مهما كلّف الأمر"، يقول أنغوي، الذي لم يتحدث إلى عائلته منذ ستة أشهر.

مهاجرون أم مهربون؟

يرى باحثون، من بينهم غابرييلا سانشيز من جامعة جورج تاون، أن ممارسات السلطات اليونانية تُشكّل انتهاكًا لبروتوكولات الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة تهريب المهاجرين، التي تنصّ بوضوح على عدم تجريم الأفراد الذين يُجبرون على عبور الحدود بطرق غير نظامية بسبب ظروف قهرية.

وتقول الباحثة السياسية جوليا وينكلر، معدة تقرير عن تجريم الهجرة في اليونان: "ما يحدث في كريت مثال صارخ على كيف تتحول الحرب على التهريب إلى تجريم للهجرة نفسها".

ردود باهتة ومعاناة مستمرة

وزارة الهجرة واللجوء اليونانية رفضت التعليق، لكن الصحيفة تشير إلى أن القانون لا يفرق بين مهرب محترف ولاجئ يحاول النجاة بنفسه.

ويتوقع أن تشهد المحاكم اليونانية خلال الأشهر المقبلة المزيد من القضايا المماثلة، في ظل تصاعد الضغوط الأوروبية لتقييد الهجرة، فيما يدفع آلاف اللاجئين، مثل صامويل وأنغوي، ثمنًا باهظًا لمجرد محاولتهم العيش بكرامة بعيدًا عن الحروب.

دعوات للإصلاح​

في ظل هذه الظروف، تطالب منظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحكومة اليونانية بمراجعة سياساتها وقوانينها المتعلقة بالهجرة واللجوء، بما يضمن عدم تجريم اللاجئين الساعين إلى الأمان والحياة الكريمة. كما يدعو هؤلاء الجهاتُ الدوليةَ المعنية إلى التدخل، لضمان احترام حقوق الإنسان والمعايير الدولية في التعامل مع قضايا اللجوء.

وتُسلط هذه القضية الضوء على التحديات الكبيرة التي يواجهها اللاجئون السودانيون في رحلتهم للبحث عن الأمان، وتُبرز الحاجة الملحة لإصلاح السياسات والقوانين التي تُجرم الضحايا بدلًا من حمايتهم.​