08-أبريل-2017

تلميذات يمنيات (أحمد الباشا/أ.ف.ب)

لا تسرف كثيرًا في غضبك على بشار الأسد فيما يفعله في أطفال سوريا، ولا في آل سعود وآل زايد  والحوثي وصالح لما يفعلونه في اليمن، فالمنظومة الحياتية من قيم وأفكار وطموح التي ننتصر لها في حياتنا تشارك في هذه المذبحة، التي قد تتكرر في مناطق أخرى كروتين حياة مثل استيقاظك من النوم مبكرًا، ومنح الفكة لفقيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة على قارعة الطريق. لا تسرف كثيرًا في غضبك وحزنك على أطفال سوريا، لعل غضبك يكون مداراة للجريمة التي ارتكبتها وترتكبها في حق أطفال سوريا واليمن الذين تتباكى من أجلهم.

الناس فعلًا على دين ملوكهم، ونحن البنك الدولي هو مالكنا ومليكنا وولي نعمتنا، وقيمتك لدى البنك الدولي من قيمتك السوقية

الإنسان سواء أنت أو غيرك أو أنا  لا وجود له في المنظومة العالمية الحاكمة، وفي الثقافة الوطنية لمعظم الدول سوى  كقيمة سوقية، سواء كعامل مهني أو كمستهلك، نعم لو دخلت أي مكان وأنت "مليونير" أو غني ستعامل بطريقة تختلف عنك وأنت فقير أو "محدود الدخل"، حتى وأنت في حزب أو عائلة أو سكن وضعك هو من يحدد قيمتك، حسنًا قد يبدو هذا في أعين "الزومبي" أمرًا واقعيًا وطبيعيًا، ولكن عندما تتحول نسبة كبيرة من البشر إلى عاطلين عن العمل، أو ذوي دخل لا يستطيع تحمل الحد الأدنى من الأعباء الضرورية، السكن والمطعم والملبس والعلاج وتكوين أسرة، حينها لو كنت من هذه الفئة ستتحول إلى عبء، هم وثقل على عائلتك وعلى دولتك، وعندها لا قيمة لك في المجتمع، ولا في النظام الدولي فأنتم مجرد شعب عاطل يعيش على المعونات والقروض التي نهبها لهم.

اقرأ/ي أيضًا:  من عصر الدول الاستعمارية إلى عصر الشركات المستعمرة

حينها لو جاء حاكم مستبد وأباد نصف الشعب، فالحمد لله ويكفينا إدانة وتنديدًا، وإن جاء العالم كله يتقاتل على أرضك فالأمر عادي، فدمك لا قيمة له أمام قيمتك المهنية والاستهلاكية، وبالنسبة لأجهزة المخابرات الحاكمة فأنت أيضًا لا قيمة لك مثل الأرض وحدود السيادة، تقوم حروب ومعارك من أجل شبر أرض، ولا يحدث شيء إذا أهدرت حقوقك.

الناس فعلًا على دين ملوكهم، ونحن البنك الدولي هو مالكنا ومليكنا وولي نعمتنا، وقيمتك لدى البنك الدولي من قيمتك السوقية لذا أنت تمثل عبئًا عليه، تعيش على القروض، أي في النهاية وفي ظل تقلص سوق العمل، والفرص التي توفرها، وفي ظل وقوع شريحة كبرى من الشعب تحت ظل دائرة محدودي الدخل، يتحول الإنسان  بعيدًا عن  كينونة حية من حقها أن تعيش وتنعم بالحياة بغض النظر عن مستوى تعليمه وعمله، إلى عبء يريد من الدولة الدعم المادي، ويريد من الأسرة الدعم المادي، ولا يستطيع أن يحيا دون هذا الدعم والقروض التي يقترضها من أصدقائه أو من البنوك، أو تقترضها دولته من بنوك العالم.

حتى إحساسنا بالمكان تدمر، أصبح المكان الذي يحوي رؤوس الأموال هو مركز تجمع بشري، إما وطني أو إقليمي أو دولي مثل دبي ونيويورك، اختلاط البشر فيه ليس اختلاط ثقافة بثقافة، حضارة بحضارة، بقدر ما هو اختلاط سوقي اختلاط مهارات واستهلاك، لا أحد يأتي من أماكن مثل دبي ونيويورك بتجربة إنسانية بقدر ما هي تجربة مهنية واستهلاكية، وعلى المستوى الشخصي لم أسمع شخصًا واحدًا جاء من الخليج تحدث معي عن الطبيعة، عن الصحراء والسماء بقدر حديثه عن حسن ترصيف الشوارع، ونظافة المباني، والنظام الذي ينتظم فيه الناس.

حتى إحساسنا بالمكان تدمر، أصبح المكان الذي يحوي رؤوس الأموال هو مركز تجمع بشري، إما وطني أو إقليمي أو دولي مثل دبي ونيويورك

إن الرجل الذي يركب الطيارة ويلقي الكيماوي على أطفال ومدنيين، هو في النهاية رجل مثلك "بياكل عيش" لديه أسرة ولا يشغله حقًا سوى ترقية في منصبه، وزيادة في مرتبه.

اقرأ/ي أيضًا: مكانة الذات في النظم الاستهلاكية

أن تستيقظ مبكرًا وتذهب إلى عملك 8 ساعات أو أكثر كل يوم، وتطور من مهاراتك لتحوز على مناصب أرفع ومرتبات أكبر، هذا يبدو حقيقيًا جدًا للإنسان العادي، السوي نفسيًا، أما أن تفكر أن الرجل الذي تعمل لديه حرامي أو مفسد، أو تفكر في جرائم النظام في حق متظاهرين سلميين مطالبين بحقوق هو نفسه "الإنسان العادي" يعرف أنها مسلوبة منه عنفًا واقتدارًا، أن تفكر معارضة هذا النظام، النظام الذي يدعم أنظمة أخرى تقتل المدنيين لا لشيء سوى تعزيز السلطة والنفوذ، أن تفكر في تغييره، في تغيير الواقع الذي يترك الكثير من الناس عرضة لمخاطر الحياة من فقر وعوز ومرض وعجز وكثير من الشعوب عرايا أمام مدافع وطائرات وكيماوي إلى واقع إنساني ورحيم بالبشر خاصة الضعفاء والفقراء وقليلي الحيلة والموهبة، كل ذلك يبدو في نظر الإنسان العادي، على أفضل تقدير، رومانسية شاعرية قد تستهويه في زمان المراهقة ثم ينساها حين يحين الجد، ويدخل إلى سوق العمل.

كأن الطبقة الوسطى فكرة انبثقت من مخيلة رجل جشع لإبقاء قطاع كبير من الناس تحت السيطرة، تحت عبودية ما يرميه لهم نهاية كل شهر

ويبقى السؤال الكبير..

ماذا فعلنا كطبقة وسطى مصريين وغير مصريين، مسلمين ومسيحيين أو ملاحدة ولا إدريين، ماذا فعلنا ليسترد الإنسان قيمته المستمدة من وجوده، مجرد وجوده حيًا، من قبضة سوق العمل والاستهلاك،  ماذا فعلنا لنقاوم الأخلاقيات التي تقول إن الإنسان المسلم أو المصري أو العربي أو الغربي أو الإنجلوساكسوني دمه أغلى من دم الآخر، أن السلطة والحدود أثمن من حياة "المدنيين"، وكأن الطبقة الوسطى فكرة انبثقت من مخيلة رجل جشع للمال والسلطة لإبقاء قطاع كبير من الناس تحت السيطرة، تحت عبودية "العظم" الذي يرميه لهم في نهاية كل شهر.

نحن وإن لم نكن كطبقة وسطى من أبدعنا هذا النظام، ولكن الأخلاقيات التي نتبناها في حياتنا اليومية تدعمه، هناك غياب كامل للأخلاقيات والثقافات المقاومة للمنظومة التي تقدس المال والسلطة والطموح على حساب الإنسان وحياته وكبريائه وإحساسه بغيره من البشر خاصة الضعفاء والفقراء، يجب أن ننتبه لحقيقة قد ترعبنا هو أن ما يحدث في سوريا من جرائم ليس منفصل عنا، فنحن جزء من منظومة واحدة، ولا يوجد خيار إما أن نكون جزءًا منها أو نقاومها.

 

اقرأ/أيضًا: 

الوقاية من سرطان الثدي:توعية نيوليبرالية استهلاكية

المول في الجزائر.. برجوازية ليوم واحد