اصطحب محمد الشعبان والده المسنّ من منطقة مخيمات سرمدا في ريف إدلب الشمالي إلى بلدة حاس الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، بعد سيطرة مقاتلي إدارة العمليات العسكرية عليها في اليوم الثالث عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، عقب طرد قوات نظام الأسد المخلوع منها.
الشعبان تهجّر مع عائلته من بلدته مع آلاف العائلات، إثر حملة عسكرية شنّها نظام الأسد عام 2019، تمكّن خلالها من السيطرة على عشرات القرى والمدن في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
عند وصول محمد ووالده إلى البلدة، شهدا كارثة حقيقية لم تكن في الحسبان، إذ كانت قريتهم مدمّرة بالكامل، بعد أن قام جنود النظام المخلوع بنهب الحديد من أسقف المنازل المهدّمة وقلع آلاف أشجار الزيتون.
يتحدث محمد بحرقة لموقع "ألترا صوت" عن دموع والده المسنّ التي انهمرت أمام أرضه، التي كانت تحتضن مئات أشجار الزيتون التي اعتنى بها لسنوات طويلة قبل أن يقوم جنود النظام المخلوع بقلعها من الجذور وبيعها كحطب في الأسواق.
ويضيف محمد أن والده توفّي قهرًا بعد يومين من عودته إلى البلدة، بعدما رأى المشهد المروّع. وأوضح أن تلك الأشجار كانت بالنسبة لوالده بمثابة ابن مدلّل أفنى عمره في رعايته، وفقد الأمل في أن تعود للحياة مجددًا.
وبعد سقوط النظام السوري السابق وهروب جنوده من جميع المحافظات السورية، عاد آلاف المزارعين إلى قراهم ومناطقهم ليجدوا كارثة حلت عليهم، حيث قلع جنود النظام عشرات آلاف أشجار الزيتون التي يزيد عمر بعضها على مئة عام.
ولم يكتفِ الجنود بقطع الأشجار وبيعها كحطب في الشتاء، بل عمدوا إلى قلع الجذور أيضًا لمنعها من النمو مجددًا، علمًا بأن الزيتون يُعدّ المصدر الرئيسي للدخل في إدلب وشمال حماة.
وكان آلاف المزارعين يعتمدون على بيع زيت الزيتون سنويًا لتأمين احتياجات معيشتهم، لكن قطع الأشجار حرم المنطقة من عشرات آلاف النباتات المثمرة، مما ينذر بكارثة بيئية.
ياسر العوض، وهو مزارع يمتلك هكتارات من الأراضي الزراعية في ريف إدلب الجنوبي، كان يعتمد سنويًا على بيع زيت الزيتون من أراضيه التي كانت تمنحه مواسم وفيرة. يقول العوض لموقع "ألترا صوت" إنه فقد جميع أشجاره، التي يزيد عمر بعضها على مئة عام. وأوضح أنه كان يوفر مبلغًا ماديًا كل عام لشراء المزيد من أراضي الزيتون لزيادة دخله السنوي، لكن هذا الرزق بات في مهب الريح.
وأشار العوض إلى أن جنود النظام السوري السابق بدؤوا في بداية سيطرتهم على القرى بقطع الأشجار وبيعها كحطب، مما ترك بصيص أمل في عودة الحياة للأشجار لاحقًا. ولكن بعد طول بقائهم، استخدموا آليات ثقيلة لاقتلاع جميع الأشجار من الجذور، لتحوّل المنطقة إلى صحراء جرداء.
وكان مقاتلو المعارضة السورية المرابطون على خطوط التماس مع النظام السابق يسمعون يوميًا صوت المناشير التي تقطع الأشجار ليلًا في القرى التي كان يسيطر عليها النظام السابق. كما انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل تظهر الجنود وهم يقطعون أشجار الزيتون، إلا أن المزارعين كانوا يأملون في نجاة جزء من أشجارهم.
ويؤكد المهندس الزراعي مجد الفيصل أن ما فعله جنود النظام السابق جريمة بحق الزراعة والبيئة، إذ كبّد المزارعين خسائر تقدّر بعشرات ملايين الدولارات. وأضاف أن المنطقة التي سيطر عليها النظام السابق كانت تضم ملايين الأشجار من الزيتون والفستق الحلبي والتين، وكانت مواسمها تُصدَّر لدول مختلفة. وبيّن أن اقتلاع تلك الأشجار غيّر ملامح القرى وأضرّ بالبيئة، حيث كانت كثافة الأشجار تمنح المنطقة طقسًا نقيًا.
ويناقش المزارعون في مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي إمكانية تعويض مواسمهم عبر زراعة أنواع من شتول الزيتون الإسباني التي تثمر خلال سنوات قليلة. بينما فضّل آخرون زراعة أشجار التين التي تعطي ثمارًا في وقت قصير. وهناك من قرر زراعة الزيتون السوري التقليدي، على أمل أن يحصد أبناؤهم ثماره بعد سنوات طويلة.
وطالب آلاف المزارعين بوضع آليات قانونية لملاحقة الجنود والورشات التي ارتكبت أعمال تخريب وقلع للأشجار وتدمير المنازل، بالإضافة إلى المطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم، كجزء من تحقيق العدالة.
محمد السليم، وهو حقوقي سوري، أكد على ضرورة تشكيل محاكم خاصة للنظر في هذه القضايا، ورفع دعاوى ضد الجنود والورشات التي استقدمها ضباط النظام السابق. وأشار إلى أن بعض المزارعين يمتلكون صورًا وأدلة توثق هذه الانتهاكات، ما يسهل عملية التحقيق معهم.
جدير بالذكر أن معظم المهجرين من قرى ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي لا يزالون يعيشون في الخيام، بسبب الدمار الذي لحق بمنازلهم وأراضيهم، وعدم قدرتهم على ترميم بيوتهم أو استعادة أرزاقهم.