13-مارس-2019

جدل مستمر حول لغة التعليم في المدارس المغربية (MWN)

لا يزال جدل المصادقة على مشروع قانون إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، مستمرًا في البرلمان المغربي. وقد انقسمت الفرق البرلمانية إلى فريقين، الأول يطالب باستمرار تدريس جميع المواد باللغة العربية، في الوقت الذي طالبت فيه أخرى بضرورة تغيير لغة تدريس المواد العلمية من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، كما كان معمولًا به أيام الاستعمار الفرنسي في المغرب قبل 63 سنة.

لا يزال الجدل قائمًا في المغرب حول لغة التدريس، ما بين مؤيد لاستمرار التدريس بالعربية، ومن يدعون إلى تدريس المواد العلمية بالفرنسية

ويسعى مشروع قانون الإطار الذي تقدمت به الحكومة، في البند الخامس من المادة 31، إلى "إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد، ولا سيما المواد العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين أو المجزوءات بلغة أو لغات أجنبية"، ما معناه فرض تعليم كل من الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية باللغة الفرنسية منذ المستوى الإعدادي، والحفاظ على تدريس الجغرافيا والتاريخ والتربية الإسلامية باللغة العربية".

اقرأ/ي أيضًا: اللغات الأجنبية في المغرب.. حلم العمل والهجرة

وكان المغرب قد تخلى تاريخيًا عن استعمال اللغة الفرنسية في التدريس منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وبعد نضال كبير لأحزاب الحركة الوطنية التي رفعت شعار "لا للفرنسية" حينها، عادت اللغة العربية كلغة تدريس أساسية، مع الاحتفاظ بالفرنسية كلغة ثانية واستمرار التدريس بها في مرحلة التعليم العالي.

"لا للتعريب"

يعتبر سعيد أمزازي، وزير التعليم والتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، من أول المساندين لعودة التدريس باللغة الفرنسية، بل إنه استبق الزمن، وقرر إلزام 1363 إعدادية خاصة في المغرب، بتدريس كل من الرياضيات، وعلوم الحياة والأرض، والفيزياء بالفرنسية، بالإضافة إلى فتح باب تكوين ألف أستاذ لتمكينهم من التدريس باللغة الفرنسية.

التعليم المغرب
استغنى المغرب عن الفرنسية في التعليم منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي

وسوّغ وزير التعليم المغربي موقف دعمه لعودة التدريس باللغة الفرنسية، بأن التلاميذ يجدون صعوبات في فهم الدروس في المرحلة الجامعية، لأنهم يدرسونها باللغة العربية في مرحلة ما قبل البكالوريا، ما يُحدث عدم تكافؤ للفرص بين خريجي التعليمين العمومي والخصوصي، هذا الأخير الذي اختار تدريس جميع المواد باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى انفتاحه على لغات أخرى كالإنجليزية والإسبانية والألمانية.

وحشد الوزير المعني بحقيبة التعليم في المغرب، فرقًا برلمانية من الأغلبية والمعارضة، للدفاع عن مشروع القانون من خلال التصويت عليه بعد انتهاء المناقشة، ما جعل الفرق تبسط أسباب دفاعها عن عودة اللغة الفرنسية للتدريس، منها تهييء التلاميذ إلى مرحلة ما بعد البكلوريا، وأيضًا تسهيل مهمة التحاقهم بسوق الشغل في المغرب.

ومن جانب حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، فقد عارض موقف وزير التعليم، إلى جانب حزب الاستقلال، معتبريْن أن توجه الوزير يعارض توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والذي تبنى إستراتيجية جعل اللغة العربية هي لغة التدريس الرسمية، وذلك في إطار إستراتيجية إصلاح التعليم في المغرب.

اللوبي الفرنكفوني

وفي لقاء حزبي، دافع نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال عن ضرورة إبقاء اللغة العربية لغة تدريس رسمية في جميع المواد، معتبرًا أن سياسة "فرنسة" التعليم "خطأ وإجرام"، الأمر الذي وضعه في مدفع الانتقاد، خاصة أن تكوينه الشخصي فرنسي، وأغلب قادة حزب الاستقلال درسوا في فرنسا، ويدرسون أبناءهم في مدارس البعثات الفرنسية.

أيضًا، فإن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، دعم رأي نزار بركة، بضرورة تدريس المواد العلمية باللغة العربية، مبسطًا أسباب الدفاع عن رأيه، كون أن المستوى التعليمي للأساتذة لا يسمح بالتدريس باللغات الأجنبية أو الفرنسية.

واستشهد بنكيران بالملك الراحل الحسن الثاني، قائلًا: "ملك البلاد لم يدرس أبناءه في مدارس البعثات رغم أنه يتقن الحديث باللغات"، معتبرًا أن الأساتذة الذين درسوا التلاميذ في مرحلة ما قبل الاستقلال، كانوا متمكنين من اللغة الفرنسية عكس المستوى الحالي للأساتذة في المغرب.

واتهم رئيس الحكومة السابق، لوبيات فرنكفونية بسعيها إلى فرض الفرنسية داخل المدرسة العمومية المغربية، رغم أن اللغتين الرسميتين في البلاد والمذكورتين في الدستور هما اللغتان العربية والأمازيغية.

من جهتها قالت خديجة الزومي، البرلمانية والقيادية في حزب الاستقلال وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين في حديث مع "ألترا صوت"، إن "المشكلة لا تتمثل في لغة التدريس، وهذا نقاش في تقديري جانبي، حيث أرى أن لغة التدريس ليست مسؤولة عن أزمة التعليم ببلادنا، إذ المشكل في نظري هو مشكل متعدد الزوايا والأركان، إلى حد التشابك والالتقاء المفضيين إلى وضعية مأزومة وقفنا عندها كثيرًا".

التعليم في فرنسا
لا تدخل الفرنسية في نطاق اللغات الرسمية وفقًا للدستور المغربية الذي يقر العربية والأمازيغية لغتين رسميتين

واعتبرت الزومي أن "هناك حاجة إلى تعبئة نساء ورجال التعليم، ولن يتأتى ذلك إلا بالمصالحة الحقيقية معهم، لأن امرأة ورجل التعليم هما الأساس"، مضيفة، "لذا يتعين في نظري أن يفتح نقاش حقيقي حول مشاكلهما، لأنهما نقطة الانطلاق في أي إصلاح". 

مصلحة الوطن

وتزامنًا مع النقاش تحت قبة البرلمان، خرج رؤساء الجامعات المغربية بموقف يدعمون من خلاله تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية مع الإعداد لتدريس تلك المواد، وأيضًا باللغة الانجليزية في المستقبل. جاء ذلك خلال ندوة خلصت ببيان حصل "ألترا صوت" بنسخة منه.

واعتبر رؤساء الجامعات أن التلاميذ الذين يتابعون دراستهم بالمدرسة العمومية حاليًا، يعيشون شرخًا حقيقيًا بين الثانوي والجامعة، بالنظر لكونهم تلقوا المواد العلمية باللغة العربية خلال السلكين الابتدائي والثانوي، في حين تدرس هذه المواد بالجامعة باللغة الفرنسية.

وقد أسهم هذا الأمر في اعتقادهم في "فارق اجتماعي مسّ بالأساس الفئات الهشة، أما الفئات المقتدرة ماديًا فتتجه مبكرًا للمدارس الخاصة التي تقدم في الغالب تعليمها باللغة الفرنسية أو باللغة الانجليزية"، مطالبين بضرورة إرساء تعلم المواد العلمية باللغات الأجنبية في كل مستويات التعليم الابتدائي والثانوي لتحقيق العدالة الاجتماعية.

اتهم رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، لوبيات فرنكفونية بسعيها إلى فرض الفرنسية داخل المدارس العمومية المغربية

وأضاف البيان أن "العلم والتكنولوجيا والمعرفة تنتج باللغات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية والفرنسية، فمن غير الممكن في الوضعية الراهنة التحكم في المعلوميات والرقمنة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المرتبطة بالطيران والسيارات والطاقات، دون التمكن من هذه اللغات. وبالتالي فإنه من واجبنا تهييئ الأجيال المقبلة لمواجهة التطور السريع للمهن، حيث إن 80% منها ستتغير في المستقبل القريب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

العامية أم الفصيحة.. أيهما أصلح للتعليم؟

"الدارجة" المغربية بديلًا للعربية في المغرب؟