جدل أميركي حول التعاون البحثي مع الصين يهدد عقودًا من الشراكة العلمية
14 أكتوبر 2025
في تحول لافت بالعلاقة الأكاديمية بين الولايات المتحدة والصين، يواجه نموذج "البحث المفتوح" الذي طالما اعتُبر حجر الزاوية في التقدم العلمي العالمي، انتقادات متزايدة من مشرّعين أميركيين يرون فيه ثغرة أمنية تستغلها بكين لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية.
ووفقًا لتقرير وكالة "أسوشيتد برس"، فعلى مدى عقود، عمل باحثون أميركيون وصينيون جنبًا إلى جنب في مشاريع علمية متقدمة، ضمن إطار بحثي مفتوح يتيح تبادل النتائج بحرية. لكن هذا الانفتاح، الذي كان يُحتفى به كوسيلة لتسريع الابتكار، بات يُنظر إليه في واشنطن كقناة محتملة لتسريب المعرفة الحساسة إلى خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين.
بينما يتباعد أكبر اقتصادين في العالم سياسيًا وتجاريًا، يبدو أن ساحة الجامعات باتت هي الأخرى ميدانًا جديدًا للصراع الجيوسياسي
السيناتور الجمهوري توم كوتون، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، عبّر عن هذا القلق بقوله: "لقد استغل خصومنا الجامعات الأميركية لفترة طويلة لتعزيز مصالحهم، مما يهدد أمننا القومي وابتكارنا". وقدّم مشروع قانون يفرض قيودًا جديدة على التعاون البحثي الممول اتحاديًا مع مؤسسات أكاديمية صينية مرتبطة بالجيش، وكذلك مؤسسات في دول تعتبرها واشنطن خصومًا.
تقارير وتحذيرات وتشريعات مرتقبة
لجنة مجلس النواب الأميركية المختصة بالحزب الشيوعي الصيني أصدرت ثلاثة تقارير في أيلول/سبتمبر الماضي، تناولت أبحاث ممولة من البنتاغون شارك فيها باحثون صينيون مرتبطون بالجيش، ومعاهد مشتركة أميركية-صينية، لتدريب المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى تقرير عن سياسات التأشيرات التي سمحت بدخول طلاب صينيين مرتبطين بالجيش إلى برامج الدكتوراه في الجامعات الأميركية.
التوصيات شملت تشريعات إضافية لحماية البحث الأميركي، تشديد إجراءات منح التأشيرات، وإنهاء الشراكات الأكاديمية التي قد تُستغل لتعزيز القدرات العسكرية الصينية.
أكثر من 500 مؤسسة أميركية متورطة
بحسب تقرير صادر عن مجموعة "سترايدر تكنولوجيز" الاستخباراتية الخاصة، تعاونت أكثر من 500 جامعة ومعهد أميركي مع باحثين صينيين عسكريين في السنوات الأخيرة، في مجالات تشمل الاتصالات المقاومة للتشويش والمركبات الفرط صوتية. التقرير أشار إلى أن عام 2024 شهد إنتاج نحو 2500 منشور علمي مشترك بين جهات أميركية ومعاهد صينية مرتبطة بالجيش، رغم انخفاض العدد عن ذروته في 2019 (3500 منشور)، إلا أن مستوى التعاون لا يزال مرتفعًا.
التقرير حذّر من أن هذا التعاون يسهل "نقل المعرفة بشكل غير مشروع" ويدعم جهود الصين "الموجهة من الدولة" لتجنيد المواهب الدولية، مما يضر بالمصالح الأميركية.
التهديدات الرقمية والتجسس الاقتصادي
السلطات الأميركية ترى أن الدول الأجنبية، وعلى رأسها الصين، تستغل البحث الأميركي عبر "سرقة الأسرار" لاستخدامها في المجالات العسكرية والتجارية، واستقطاب الباحثين الموهوبين للعمل في مؤسسات أجنبية، بالإضافة إلى، تجنيد الطلاب والباحثين كجواسيس محتملين، وفق زعمها.
وزارة الأمن الداخلي الأميركية قالت في تقريرها الأخير أن الصين تسعى للحصول على التكنولوجيا العسكرية والحوسبة الأميركية بشكل غير مشروع، إلى جانب أحدث الابتكارات التجارية. وتشير بيانات وزارة العدل إلى أن 80% من قضايا التجسس الاقتصادي في الولايات المتحدة تتعلق بأعمال يُعتقد أنها تخدم الصين.
ورغم تصاعد المخاوف، يحذر خبراء من أن فرض قيود صارمة قد يضر بالابتكار الأميركي. أستاذة علم الاجتماع والتكنولوجيا في كلية فاسار، أبيغيل كوبلين، قالت إن هناك بالفعل ضوابط لحماية المعلومات المصنفة، وإن البحث المفتوح يفيد الولايات المتحدة أيضًا. وأضافت: "المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية ستكون أفضل حالًا إذا زادت تمويلات البحث، بدلًا من فرض قيود مكلفة".
رجل الأعمال التقني أرني بيليني، الذي تبرع مؤخرًا بـ40 مليون دولار لإنشاء كلية بحثية في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي بجامعة جنوب فلوريدا، شدد على أهمية حماية الابتكار دون خنق التقدم. وقال: "حدودنا الرقمية تتعرض للهجوم، ومن حق الشركات أن تقلق".
جدل حول المبادرات السابقة
بعض أعضاء الكونغرس دعوا إلى إعادة برنامج "مبادرة الصين" الذي أطلقته وزارة العدل خلال إدارة ترامب للتحقيق في التجسس الفكري الصيني. لكن البرنامج أُلغي عام 2022 بعد انتقادات بأنه لم ينجح في معالجة المشكلة، بل غذّى الصور النمطية العنصرية ضد الأكاديميين الأميركيين من أصل آسيوي.
الجدل الدائر في واشنطن يعكس معضلة أعمق، فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تحمي أمنها القومي دون أن تعرقل ديناميكية البحث العلمي التي كانت دائمًا مصدرًا لقوتها؟ وبينما يتباعد أكبر اقتصادين في العالم سياسيًا وتجاريًا، يبدو أن ساحة الجامعات باتت هي الأخرى ميدانًا جديدًا للصراع الجيوسياسي.