جدل أسعار المحروقات في المغرب.. توالي الزيادات غير المبرّرة

يعود الجدل في المغرب حول أسعار المحروقات إلى الواجهة تزامنًا مع ذروة فصل الصيف، بعدما سجلت أسعار الغازوال والبنزين زيادات جديدة خلال شهر تموز/يوليو في محطات التوزيع بجميع أنحاء البلاد.

فقد تجاوز سعر لتر الغازوال 9.5 دراهم، والبنزين 10.6 دراهم في النصف الثاني من الشهر، فيما بلغت الأسعار الفعلية في بعض المحطات 11.2 درهمًا للغازوال و12.9 درهمًا للبنزين.

ويكشف الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أن تحليل أسعار منتصف تموز/يوليو يُظهر تحقيق شركات المحروقات لأرباح مفرطة.

وأوضح اليماني في تصريح لـ"الترا صوت"، أن "السعر الدولي للغازوال مضاف إليه مصاريف النقل والتخزين لا يتجاوز 5.62 درهم، لكن السعر في المحطات بلغ 11.2 درهم، منها 2.4 درهم أرباح موزعين. وفي البنزين لا يتجاوز السعر القاعدي 5.13 درهم، بينما يباع بـ 12.9 درهم، منها 3.27 درهم أرباح".

ويؤكد الخبير في مجال المحروقات، أن" أرباح شركات توزيع الوقود تجاوزت حاجز 80 مليار درهم في نهاية2024، مع توقعات بزيادة 12 مليار درهم أخرى خلال 2025".

السعر الدولي للغازوال مضاف إليه مصاريف النقل والتخزين لا يتجاوز 5.62 درهم، لكن السعر في المحطات بلغ 11.2 درهم، منها 2.4 درهم أرباح موزعين

تحرير أسعار المحروقات

يرى الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، الحسين اليماني أن "هذه الأرباح الفاحشة هي نتيجة مباشرةلتحرير أسعار المحروقات في غياب شروط المنافسة النزيهة"، متهمًا الحكومات السابقة والحكومة الحالية، التي يترأسها صاحب شركة محروقات، عزيز أخنوش، بـ"منح هدية مفتوحة لشركات التوزيع على حساب المواطنين".

في الوقت الذي تم فيه تبرير رفع الدعم بتحويل موارده إلى مجالات التعليم والصحة، يؤكد اليماني لـ"الترا صوت" أنه "لا أثر واقعيًا لهذا التحول، بل إن ما يسمى بالدعم الاجتماعي الموجه للأسر الهشة يبقى غير كافي ظل ارتفاع غير مسبوق لتكلفة المعيشة".

ويعتقد المتحدث ذاته، أن "الحل الجذري يكمن في إلغاء قرار تحرير الأسعار، وإحياء نشاط التكرير الوطني عبرإعادة تشغيل مصفاة سامير، بالإضافة إلى مراجعة الضريبة المزدوجة على الغازوال والبنزين".

المواطن يدفع الفاتورة

يذهب المحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، إلى أن " المستفيد الوحيد من هذه الأرباح المفرطة هو شركات توزيع الوقود"، مضيفًا أن "الدولة قد تجني ضرائب مهمة، لكنها ليست المستفيد المباشر من ارتفاع السعر، بخلافالفاعلين الكبار في القطاع، الذين يتحكمون في سلسلة التوريد والتوزيع، ويجنون هامش ربح كبير مقارنةبتكلفة الاستيراد والتخزين".

ويشدد الغنبوري في حديثه لـ"الترا صوت"، أن" ارتفاع أسعار الوقود يؤثر بشكل مباشر على جيب المواطن،سواء عبر نفقات النقل الخاصة أو عبر زيادات غير مباشرة في أسعار السلع والخدمات"، قائلًا: "إذا كانالمواطن يستهلك 50 لترًا من الغازوال شهريًا، فإن السعر الحالي يضيف ما يقارب 120 درهمًا إضافيًا مقارنةبالسعر الدولي مضافا إليه تكاليف النقل والتخزين".

ويحذّر نفس المصدر، من أن "الوقود هو عصب الاقتصاد، وارتفاع أسعاره يرفع تكاليف النقل العام، والشجن، والتوزيع، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والمنتجات الأساسية، ويعمّق معدلات التضخم".

سوق محروقات غير تنافسي

تدعم خلاصات مجلس المنافسة الأخيرة الانتقادات الموجهة لتركيبة سوق المحروقات في المغرب، إذ أشار المجلسإلى أن 9 شركات كبرى تهيمن على أكثر من 84 % من سوق المحروقات بالمغرب، مما يضعف آليات التنافسالحر ويفتح الباب أمام تفاهمات ضمنية أو صريحة بشأن الأسعار وهوامش الربح.

ورغم تغريم بعض الفاعلين بمبالغ تصالحية بلغت نحو 1.8 مليار درهم، إلاّ أن الوضع العام لم يشهد تغييرًاهيكليًا حقيقيًا. ووفق المجلس، فإن غياب الشفافية في آليات تسعير المحروقات، إلى جانب هيمنة عدد محدود منالشركات، يجعل السوق في وضعية شبه احتكارية.
ويحذّر مراقبون من أن هذه البنية تكرّس "ريعًا مقنّنًا" في قطاع استراتيجي، يكون فيه المواطن هو الضحيةالأولى، في ظل غياب رقابة صارمة أو إرادة سياسية واضحة لإعادة تنظيم السوق.