13-ديسمبر-2016

صورتان للقتل في حلب والقاهرة الأيام الأخيرة (Getty)

يقف ملك الموت فينفخ نفخته الأولى على الصور العظيم، تهتز إلى اليمين قليلًا جمجة سليمان الحلبي، تظل كلمة "مجرم" المكتوبة تحت رأسه في متحف بول ريفيه "بلا اهتزاز".

تذهل مائة ألف مرضعة عما أرضعت في حلب. السماء تردد كلمات الدراويش. تعاويذ الموت في كل مكان. يسأل بعض العقلاء هل "يجوز" قتل أنفسنا قبل أن تُقتل كرامتنا؟ يلوك رجال الدين السواك في أفواههم ويهزون رؤوسهم بالنفي.

المحاصرون على حدود الحضارة والأوراق والباسبور، وكروت المرور والفيزا، ومنطق عُباد الدولار، والشركات الكبيرة والصغيرة، وبؤساء الجغرافيا مثلي، يهرعون للاطمنئان على النبض الأخير للموتى الأحياء في حلب، والذين بدؤوا في تسجيل رسائلهم الأخيرة.

بعض الرسائل تصل، والبعض الآخر يعترضه العجز أو الاستحالة.

كان لابد من إطفاء غضب الأقباط في مصر حتى ولو بتخطي كل الأدلة المنطقية وتحليل الـDNA الذي يتطلب 4 أيام على الأقل لمعرفة الجاني

امرأة تميل على رجل ميت نصف عار مقلوب على بطنه وبجواره حقيبة كبيرة بها آخر ما تبقى من دنياه. لا تلتقط الحقيبة، تفتحها. تضع الرضيع الذي تحمله جوارها. تبحث بهمة. تجد خبزًا. تقطعه وتأكل، وتطعم الصغير. ينتهي المشهد.

ينفخ الملك النفخة الثانية في الصور : "حدث تفحير في الكنيسة فاذهبي وانظري من لكِ في المشرحة".

أم البنتين تركض في الطريق وتقع على وجهها عدة مرات. تفتح الممرضة الدرج الأول فترى ابنتها الأولى، ثم تفتح الدرج الثاني لترى الثانية مشوهة تمامًا. يغمى عليها. "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ، لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِين". إصحاح متى: 13

اقرأ/ي أيضًا: ماذا نفعل بالمسيحيين؟

يزدرد الكاهن الأكبر ريقه ويعلن: انتظروا القصاص. ويلمز وزير خارجيته عن القرابين. العراف الكبير يهز رأسه ويستند إلى عصا الرعاية. صورة المصلوب على الحوائط ليست ليسوع، إنما هو كبش الفداء. شاب له أنف أثيوبي ضخم نصفه في مصر وأهل الخطوة رأوه في السودان. يرعى ماشية الملك ويصلي لكي يحميه الرب من الكهنة في مصر.

النفخة الثالثة في الصور 
بعد حادث تفجير الكنيسة البطرسية في الحادي عشر من كانون الأول\ديسمبر بأربع وعشرين ساعة أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الذي قام بالعمل الخبيث شاب اسمه محمود شفيق محمد مصطفى يبلغ من العمر 22 عامًا، وأنه فجر نفسه بحزام ناسف، وتم إلقاء القبض على 3 رجال وسيدة، وأن البحث لا يزال جاريًا عن شخصين آخرين.

كان لابد من إطفاء غضب الأقباط. حتى ولو بعد 24 ساعة ولو بإنكار دخول سيدة بـ12 كيلو من المتفجرات، ولو بإنكار صور الكاميرات. ولو بتخطي كل الأدلة المنطقية وتحليل الـDNA الذي يتطلب أربعة أيام على الأقل لمعرفة الجاني.

النفخة الرابعة في الصور 

أيام القيامة الأولى في حلب. القاهرة تنتشر في أرجائها سرادقات العزاء. الحبل السري بيننا وبين الكآبة لا تقطعه القابلة. المشعوذون يهنئون أنفسهم في حلب. طائرات الهليكوبتر تحلق فوق البيوت في القاهرة، دخان سجائري لا يجعلها تختفي.

أيام القيامة الأولى في حلب. القاهرة تنتشر في أرجائها سرادقات العزاء. الحبل السري بيننا وبين الكآبة لا تقطعه القابلة

أدخر البذاءة للجار الذي تعطل جهاز إنذار سيارته ويجرجر ويصرصر منذ ساعة. أدوية الصداع اختفت. قنوات النظام تزيل الغطاء عن طبخة استغلال الحدث الأخير لتوسيع المحاكمات العسكرية للمدنيين. السيسي يقول: القانون يكبلنا. يصرخ عادل إمام وهو يرفع حاجبًا دون آخر في مسرحية "الزعيم": يُحاكم محاكمة عادلة ويُعدم!

النفخة الخامسة في الصور 

"لقي أكثر من اثنين وخمسين شخصًا مصرعهم أثناء اقتحام قوات الأمن العراقية كنيسة سيدة النجاة بوسط بغداد، وذلك لتحرير الرهائن الذين تم احتجازهم من قبل مسلحين".

اقرأ/ي أيضًا: خسرنا النصر

بعض شهود العيان من العراقيين تحدثوا إلى بي بي سي عن مشاهداتهم. وواحد منهم كان ضمن الرهائن الذين احتجزوا في الكنيسة". -المصدر- 3 نوفمبر\تشرين الثاني 2010 بي بي سي. حي الكرادة -بغداد- العراق.

النفخة السادسة في البوق

لوحة لاجورينكا التي رسمها بيكاسو مرسومة على سور القيامة، امرأة بين ذراعيها طفل، ثور، رجل مسجى بيده اليمنى سيف، مصباح معلق في السقف. لا صورة للسماء. تدقق في الصورة: الطفل ميت بين يدي أمه، تبدو الأم كتمثال الباكية لمايكل أنجلو.

تضع أذنيك على الصورة، تسمع الطفل يقول بصوت واضح: سأخبر الله بكل شيء!

النفخة السابعة والأخيرة

يتقدم الموكب وزير السلطان بلغده الكبير، عار إلا من إزار واحد. أين سلطان الأقاليم السبعة والبحور السبعة؟ يهتف الحارس الغليظ. فيقول ذو اللغد بخجل: يغط في نوم عميق. تُنصب المحكمة، فتقول الوصيفة:
"يستعجلنا الموت/ لكنًنا نتشبث بحبال العيش المبتوتة"
"ما الوقت؟ / خمسة عشر خريفًا مذ فارقنا قصر الورد / ونولنا هذا الوادي المجدب / إلا من أشجار السرو الممتد /كتصاوير الرعب"
"هل حملتنا قسرًا؟ / كنا نحلم بالحب كما يحلم كهف بالنور/ ولذلك أحببنا أن نصحبها / خدعتنا الأحلام/ ما الوقت الآن؟"
"خمسة عشر ظلامًا"
"هذا ميعاد مواجدنا الليلية"

  • من مسرحية الأميرة تنتظر – صلاح عبد الصبور (الاقتباس بتصرف)

 

اقرأ/ي أيضًا:

تفجير الكاتدرائية.. الرب لن يقاتل عنكم
 

الموت على كرسي متحرك