22-مارس-2022
شهادات مروعة للأهالي (Getty)

شهادات مروعة للأهالي (Getty)

في مدينة ماريوبول المحاصرة والتي تعد ساحة لأعنف قتال في الحرب الروسية المستمرة منذ حوالي أربع أسابيع على أوكرانيا، وصل الناس إلى مرحلة من الجوع دفعتهم لقتل الكلاب الضالة من أجل الطعام. يقول دميترو وهو رجل أعمال غادر المدينة يوم الثلاثاء الماضي إن "أصدقاءه أخبروه أنهم لجأوا إلى هذا الإجراء اليائس في الأيام القليلة الماضية بعد نفاد المؤونة"، ويضيف "تسمع الكلمات ولكن من المستحيل أن تأخذها على محمل الجد حقًا، وأن تصدق أن هذا يحدث. إنها جهنم على الأرض".

كانت ماريوبول في يوم من الأيام أحد أهم موانئ أوكرانيا ومكانًا ساحرًا وقد أصبحت الآن مدينة أشباح، تتعرض منذ أكثر من أسبوعين لقصف روسي مكثف

تفاصيل هذا الدمار يكشفها تحقيق لصحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية عن الظروف المروعة التي عاشها سكان المدينة الساحلية المحاصرة والذين فروا منها بعد المأساة التي لحقت بها.

التلفزيون العربي

كانت ماريوبول في يوم من الأيام أحد أهم موانئ أوكرانيا ومكانًا ساحرًا وقد أصبحت الآن مدينة أشباح، تتعرض منذ أكثر من أسبوعين لقصف روسي مكثف لدرجة أن القصف حوّل أحياء بأكملها إلى أكوام من الأنقاض المشتعلة. وبعد أيام من تكثيف الهجمات الجوية والمدفعية التي دمرت خطوط الدفاع الثلاثة والتحصينات، دخلت القوات الروسية الآن وسط ماريوبول، حيث تتوارد الأخبار عن قتال عنيف في بعض شوارعها التجارية الرئيسية وبالقرب من ساحة المسرح وهو معلم رئيسي في المدينة. ومساء الأحد الماضي، منحت روسيا القوات الأوكرانية حتى الساعة الخامسة صباحًا بالتوقيت المحلي لتقرر ما إذا كانت ستسلم ماريوبول أم لا، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها "ستسمح للقوات الأوكرانية بمغادرة المدينة لكن بشرط واحد، إذا ألقوا بأسلحتهم".

Ukraine Says Mariupol Population Deported to Remote Russia, Like WWII

القوات الروسية تسيطر بالفعل على ليفوبيريجني رايون أو منطقة الضفة اليسرى في شرق المدينة، بالإضافة إلى Mikroraiony 17-23 وهي سلسلة من الأحياء السكنية في الشمال الشرقي من المدينة والتي أصبحت على تماس حقيقي مع القوات الروسية. كان دميترو الذي رفض الكشف عن لقبه  للفاينانشيال تايمز واحدًا من عدد من سكان ماريوبول الذين اتصلت بهم عبر الهاتف بعد أن تم إجلاؤهم خلال الأسبوع الماضي إلى مدينة زاباروجيا التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية وتبعد حوالي 230 كيلومترًا إلى الغرب.

يصف الجميع للفاينانشيال تايمز أن هجومًا وحشيًا للغاية دمر المدينة وقتل وشوه عددًا لا يحصى من المدنيين، وترك ندوبًا عميقة على الناجين. يتحدث ميكولا أوسيشينكو وهو الرئيس التنفيذي لقناة "ماريوبول تي في" عن أن ذاكرته ستحتفظ دائمًا بالأسابيع الثلاثة الماضية، ويصف حالة الشعور بالعجز المطلق ويقول "عندما تسقط القنابل، كنت أغطي بانتظام ابني بجسدي، لكنني علمت أنني لا أستطيع حقًا حمايته، وأنه كان عملًا يائسًا".

موقعها الاستراتيجي على بحر آزوف  بوابة البحر الأسود، جعل ماريوبول هدفًا  لروسيا منذ بداية الحرب. فبعد أيام قليلة فقط من الغزو بدأت قواتها بإطلاق الصواريخ على المدينة في هجوم تسبب في قطع إمدادات الكهرباء والغاز والمياه وترك سكانها البالغ عددهم 400 ألف نسمة مكومين في ملاجئ متجمدة يتعانقون من أجل الدفء. وتقول سلطات مدينة ماريوبول إن 2400 من سكان المدينة قتلوا منذ أن شنت القوات الروسية هجومها على المدينة.

يصف الناجون للصحيفة محاولاتهم اليائسة لتخزين المؤن بينما القنابل تنفجر من حولهم. يتحدث دميترو الذي زار سوق المدينة المركزي الأحد الماضي بعد أن دمره قصف مدفعي روسي عن أن "كل شيء كان يحترق، كانت هناك جثث في كل مكان، وكنت أمشي، وألتقط ملفوف هنا وجزر هناك، وأنا أعلم أن ذلك يعني أن عائلتي ستعيش يومًا أو يومين".

Photos: Mariupol residents escape besieged, devastated city | Gallery News  | Al Jazeera

صوّر شهود العيان من السكان مشاهد تقول عنها الصحيفة البريطانية أنها "صور من ما بعد نهاية العالم لكلاب ضالة تأكل رفات ضحايا القصف التي تناثرت في الشوارع من دون دفن". أما بقية الضحايا المدنيين فيتم دفنهم في مقابر جماعية أو في باحات المنازل، فالجنازات أصبحت مناسبة خطيرة للغاية.

تسبب الحصار الروسي لماريوبول الذي تشبهه الفاينانشيال تايمز بحصار من العصور الوسطى في نقص حاد في كل من الغذاء والماء، ومع عدم وجود الغاز أصبح السكان يطبخون الطعام على النيران التي يشعلونها من الأثاث المكسور في باحات منازلهم.

يقول أوسيشينكو إن "الناس في منازلهم يعانون من العطش الشديد. يفرغون مياه أجهزة التدفئة، يجمعون الثلج ويذوبونه، كما يجوبون الحدائق الخاصة بحثًا عن مجرى للمياه العذبة". ويضيف "تلك التجمعات تشكل هدفًا مثاليًا للصواريخ الروسية"، ويتابع "فُقدت جداول المياه العذبة لأنها سرعان ما تلوثت بالجثث". أرّخت الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي مدى الدمار في المدينة فقد تحولت مجمعات سكنية ضخمة إلى جحيم بعد تعرضها لضربة مباشرة، وأطلقت النيران المشتعلة أعمدة ضخمة من الدخان الأسود في السماء، وتناثرت على الطرق الهياكل المحترقة للحافلات والسيارات المدمرة التي تحولت إلى أكوام من المعدن، وتسببت قنبلة سقطت على أحد مستشفيات ماريوبول للأطفال في خلق حفر  يبلغ ارتفاعها 10 أمتار.

تشير الصحيفة إلى أن السلطات في المدينة دقت ناقوس الخطر بعد أن قصفت الطائرات الروسية المسرح البلدي الرئيسي بالمدينة يوم الأربعاء الماضي، ما أثار مخاوف حول مصير مئات من النساء والأطفال الذين كانوا يستخدمون قبوه كملجأ من الغارات الجوية الروسية. وتقول "لا يزال عدد القتلى والجرحى في الهجوم غير واضح"، في حين تنفي روسيا استهداف المدنيين وتتهم السلطات الأوكرانية باستخدامهم كدروع بشرية.

Hell on earth': survivors recount the assault on Mariupol | Free to read |  Financial Times

بالإضافة لعمليات القصف التي تسببت في سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، تشير الفاينانشيال تايمز إلى أن سكان المدينة يواجهون اليوم خطرًا جديدًا يتمثل في الإجلاء إلى مناطق داخل روسيا، حيث ينتظرهم بحسب وصف الصحيفة مصير مجهول. تقول رومانينكو إن "الأشخاص الذين تم إجلاؤهم يتم استجوابهم أولًا من قبل المسؤولين الروس، الذين يختبرونهم لمعرفة ما إذا كانوا جديرين بالثقة"، وتوضح "أنهم يفحصون الحسابات الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن أي شيء مناهض لروسيا".

العديد من السكان الآخرين استفادوا من لحظات الهدوء النادرة بين نوبات القصف لمغادرة ماريوبول إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، وشكلوا قوافل طويلة من السيارات الخاصة التي اضطرت  لتجاوز العشرات من نقاط التفتيش الروسية في رحلة كانت تستغرق في زمن السلم حوالي ساعتين ونصف الساعة والآن اصبحت تستغرق 16 ساعة.

بالإضافة لعمليات القصف، تشير الفاينانشيال تايمز إلى أن سكان المدينة يواجهون اليوم خطرًا جديدًا يتمثل في الإجلاء إلى مناطق داخل روسيا

رومانينكو التي ولدت ونشأت في ماريوبول وعاشت هناك طوال حياتها، تعيش الآن في زاباروجيا كلاجئة. تقول إنها حزينة على مصير مدينتها، لكنها مصممة على العودة ذات يوم، و"سأفعل كل ما في وسعي لإعادة بنائها". تؤكد "سأعود بمجرد رحيل الروس. إنه المكان الذي دُفن فيه جميع أسلافي لا يمكنني أن أكون سعيدة في أي مكان آخر".