31-يوليو-2016

عبد اللطيف صمودي/ سوريا

نفضتُ غبار الحقدِ عن كتفي 
حاولتُ إكمالَ صيامي ذلك اليوم
أفطرتُ عمدًا
أفطرتُ يدًا مقطوعةً، وأمعاءَ رجلٍ مُسنٍ تتجوّل بجانبِهِ كظلِّهِ
حاولَ منحها هديةً للمجرمِ "كعيدية"
بقيَتْ متشبثةً بهِ، سحبتْهُ إلى حتفِهِ سحبًا
عادةً كانَ يُسمى ذلك اليوم "وقفة العيد"
حتى مجيءِ الميغ فتحوّلَ إلى وقفةٍ على القبورِ 
دائمًا وفي كلّ عيدٍ أحاولُ المراوغة 
أؤجلُ شراءَ الملابسِ إلى الوقفة طمعًا بانخفاضِ الأسعار
كنتُ من روادِ شارعِ القنبور 
إلى أنْ تحوّلَ هوَ الآخر لخبرٍ عاجلٍ على الصفحاتِ الملطخةِ بالأحمرِ، لجذبِ الانتباه.
ومن يومِها أصبحنا نرثُ ملابسَ الشهداءِ 
هم ليسوا بحاجتِها بعدَ الآن 
لبستُ قميصًا مثقوبًا بفعلِ شظيّة 
فتشتُهُ مائةَ مرةٍ بحثًا عن الشريحةِ الملعونة التي تدلُّ البومَ على الخراب 
وجدتُ ورقةً كُتب عليها: 
"كيلوين سكر مطعّم للعجيان"، "سفط جوكلاطة العربي"، "سفط بسكويت"، "ولا تنسى تجيب بدربك قندرة حياة من عند الكشكار". 
أيًّا كانَ صاحبُ القميصِ فقد كانَ يطمعُ بانخفاضِ الأسعار 
وتناسى عمدًا قائمةَ المُشتريات، وغادرَ للقاءِ ربِّه
كما أنّني أفطرتُ عمدًا لكي لا أتقيَّأ المجزرةَ على أرضيّة المستشفى الملمّعة حديثًا 
خرجتُ من غيمةِ الغبارِ المطعّمة برائحةِ البارود 
وأنا أتذكّرُ ديكنا الذي هجر القنّ إلى أوروبا ووعد بلمّ شملِ الدجاجات 
كتبَ على حائطِ الفيسبوك 
"صحيح مغتربين بس ورب العزة راجعين" 
هذا الغبي إلى أين الرجعة لم يبقَ حجرٌ على حجرٍ 
استوقفني مشهدُ طفلٍ في الثامنة أو التاسعة من عمره، لا أدري قد يكونُ في السبعين، صرخَ من على كومة الركام: 
"الحمد لله لساتنا طيبين ما متنا"
والجماهيرُ الشاحبة تهلّلُ له، بدا كدكتاتورٍ يلقي بخطبتِهِ الرصينةِ على شعبه المظلوم. 
قد يكونُ له مستقبل واعد
رئيس، وزير، لاجئ، أو ديك على دجاجات 
في الحرب كلّ شيءٍ مباح 
حملتُ بطيخةً تائهة عن شهيدٍ أو جريح 
مضيتُ شمالًا أسحل جثتي 
تناسيتُ المجزرة 
تناسيتُ أنّني أفطرتُ عمدًا
وأكملتُ صيامي.

في هذه المدينة الصماء 
في هذه الغرفة المثقوبة على العدم
على هذه الجدران المشوهة كقتيل معركة ينتظر القيامة
أحيا ميتًا أو أنتظر..

أقتات خبز اليتامى مع الذكرى... أتقيؤهُ
يبتلعني الشوق 
أتلو شعر الخالدين 
تقتلعني أصوات خطوات متثاقلة من الصمت 
الجدران كوابيس ثابتة..
*

سأهرب بجسدي الضيق إلى البراري
النافذة عادة ما تكون وهمًا
والأمل لا يسكن المدن
يعيش في قصائد ما بعد الحداثة 
والجدران برمتها 
كوابيس ثابتة
*

هذه قصيدة 
والدفتر الفارغ يرمي بجثته المتفسخة أمامي 
ينظر إلي، يملأ الفراغ فراغًا 
هو قتيل الشعر أيضًا 
كما كنا دائمًا أمواتًا نمشي على الحروف 
ونسقط بين السطور..
*

كانت معركته الأولى 
والأخيرة 
سقط صريعًا على الشطر الأول كفرسان الحكايات
هكذا تنبت القصيدة بالدمع والدم 
وتبقى الجدران كوابيس ثابتة.

تتقيؤني هذي البلاد 
في صبحها وعصرها 
في طفولتها ونضجها
خرجت من الموت كشعرة من عجين
إلى حضن عاهرة 
أتقلب في ثناياها 
تقبلني مرة وتقتلني ألفًا وألف مرة..
*

في بيتنا الهزيل 
على سفح قمة البؤس 
حيث لا يصل أحد 
إلا البوم 
وفي منتصف الليل 
ليدفن عينيه القادحتين 
في صدور جثث أضناها الحلم 
ويدخن الخمس سجائر التي تركتها للصباح
هو الزائر الوحيد منذ سنتين
حيث لا يصل أحد
*

الرصاصة عاشق ينتظر اللقاء 
والمجزرة في كل مرة تطرق بابنا 
تباغتنا 
لم نحظر الأكفان بعد 
ولا القهوة المرة
حتى لم يبق من الدمع ما يكفي 
الأكف التي حملت النعش البارحة 
هل ستصفق للمجرم غدًا؟
هي الحرب كل شيء فيها مباح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أتأبّطُ فِردَوْسًا

العالمُ دونَ مستوى الرؤيا