جبهة رفض التطبيع تتّسع في شوارع المغرب وموانئه

بعد أكثر من خمس سنوات على توقيع المغرب اتفاق التطبيع مع إسرائيل ضمن "اتفاقات أبراهام"، أصبح هذا القرار السياسي محطّ غضب شعبي متصاعد. فالاحتجاجات التي انطلقت تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، تحولت إلى حركة رفض جماهيري لا تستهدف فقط السياسات الرسمية، بل توجهت هذه المرة نحو الموانئ الاستراتيجية التي يرى النشطاء أنها أصبحت بوابات عبور للأسلحة نحو الاحتلال.

في تحقيق نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، رُصدت مظاهر تصعيد جديدة وغير مسبوقة في مشهد الاحتجاج المغربي، الذي بات أكثر تنسيقًا ووضوحًا، حيث يربط الشارع بين ما يحدث في غزة، وما يُمرّر عبر سواحل المغرب.

الاحتجاجات التي انطلقت تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، تحولت إلى حركة رفض جماهيري

من شوارع الرباط إلى موانئ طنجة: التطبيع في مرمى النار

في مشهد بات يتكرر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، يخرج الآلاف في مدينة طنجة، رافعين الأعلام الفلسطينية ومرددين شعارات تندد بالتطبيع والعدوان الإسرائيلي على غزة. لكن ما ميّز هذا الاحتجاج تحديدًا هو تنظيمه قرب ميناء طنجة المتوسط، أحد أبرز رموز التبادل التجاري مع الخارج، في رسالة رمزية ضد العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.

ما بين الحاويات والرافعات العملاقة، سار المهندس الزراعي، إسماعيل الغزاوي، البالغ من العمر 34 عامًا، وسط حشود تهتف "امنعوا السفينة". السفينة المقصودة كانت واحدة من اثنتين قادمتين من هيوستن، تكساس، يُعتقد أنهما محملتان بقطع تُستخدم في تصنيع طائرات F-35 الأميركية التي تشكل ركيزة القوة الجوية الإسرائيلية.

الغزاوي، الذي سُجن سابقًا بسبب نشاطه في حملة مقاطعة شركات متعاونة مع إسرائيل، أعيد اعتقاله بعد مظاهرة في الدار البيضاء، اتُّهم بالتحريض وحُكم عليه بالسجن، قبل أن يُفرج عنه بشروط صارمة. ورغم ذلك، عاد للشارع قائلًا: "يريدون إخافتنا... لكننا نُدرك أن الصمت اليوم يعني التواطؤ".

دعم شعبي ونقابي وديني: الجبهة تتّسع

الاحتجاجات التي بدأت شعبية وعفوية، بدأت تأخذ شكلًا مؤسساتيًا منظمًا. فقد أعلنت أكبر نقابة عمالية في المغرب، الاتحاد المغربي للشغل، دعمها العلني لمطالب النشطاء، وطالبت بمنع السفن العسكرية الإسرائيلية من الرسو في الموانئ المغربية.

كما أصدرت مجموعة من العلماء والدعاة، أغلبهم من حركة "العدل والإحسان"، فتوى تحرّم التعامل مع هذه السفن، داعين العمال إلى عدم المشاركة في تفريغ شحناتها. وشهد أحد أيام الجمعة تنظيم أكثر من 110 تظاهرة متزامنة في 66 مدينة مغربية، في استعراض واضح للقدرة التنظيمية للحراك المناهض للتطبيع.

شركة "ميرسك" في مرمى الاتهام

شركة "ميرسك" الدنماركية، المتورطة في نقل شحنات عسكرية إلى إسرائيل، أصبحت هدفًا مباشرًا لحملات المقاطعة الشعبية والاحتجاجات الميدانية في المغرب، أصبحت الاسم الأكثر تكرارًا في الشعارات والهتافات. وقد أصدرت الشركة بيانًا اعترفت فيه بأن سفنها عبرت بالفعل الموانئ المغربية وهي تحمل مكونات تدخل في تصنيع طائرات F-35، لكنها نفت أن تكون تنقل أسلحة إلى مناطق النزاع مباشرة، وأكدت أنها تطلب من عملائها شهادات استخدام نهائي للأسلحة.

لكن ناشطين مغاربة اعتبروا هذا التوضيح "ذرًا للرماد في العيون"، مؤكدين أن مرور الشحنات عبر المغرب في حد ذاته شكل من أشكال التورط، خاصة مع الغموض الذي يحيط بسياسة التفتيش في الموانئ.

الصمت الرسمي... والمواقف الملتبسة

رغم تصاعد الاحتجاجات، لم تُصدر وزارة الخارجية المغربية أي بيان بشأن هذه الشحنات أو موقفها من عبور المواد العسكرية الخاصة بإسرائيل عبر الموانئ الوطنية المغربية.

وفي تصريحات سابقة لمسؤولين مغاربة، تم تبرير العلاقة مع إسرائيل بأنها "أداة لتعزيز دور المغرب في دعم حل الدولتين، وتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة". إلا أن هذا الطرح لم يعد مقنعًا لكثيرين، خصوصًا بعد ما كشفت عنه "أسوشيتد برس" من تفاصيل تؤكد ضلوع شركات تنشط من الأراضي المغربية في سلاسل الإمداد العسكري لإسرائيل.

القمع لا يُخمد الغضب

في الوقت الذي يتوسع فيه الحراك المناهض للتطبيع، تُواجه السلطات الانتقادات الموجهة للملك أو المؤسسة الملكية بالقمع والملاحقة القضائية. وقد تم اعتقال وسجن عدد من النشطاء على خلفية منشورات تنتقد التطبيع أو تشير إلى دور مستشارين ملكيين في دعم الاتفاقات مع إسرائيل.

ورغم هذا القمع، فإن الحراك لم يتراجع، بل يزداد اتساعًا، مدعومًا من قواعد شعبية واسعة، ومن تيارات سياسية كانت سابقًا مترددة. حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي شارك في الحكومة أثناء توقيع اتفاق التطبيع، عاد ليغيّر موقفه، إذ وجه دعوة لمسؤولين من حركة حماس لحضور مؤتمره العام في الرباط، وإن كانت السلطات قد رفضت منحهم التأشيرات.

في كلمة له خلال المؤتمر، قال الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران: "فلسطين ستظل قضيتنا الأولى... ولا مساومة على الدم الفلسطيني مقابل الاعتراف بالصحراء".

الموازنة المستحيلة

منذ توقيع "اتفاقات أبراهام" عام 2020، حصل المغرب على اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن هذه الصفقة بدأت تبدو مُكلفة سياسيًا وشعبيًا، خصوصًا مع اتساع الهوة بين السلطة والشارع.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن الحكومة تجد نفسها اليوم في مأزق أخلاقي وشعبي. فالتراجع عن التطبيع "يهدد مكتسباتها الدبلوماسية"، والمضي فيه يضعها في مواجهة دائمة مع الشارع، كما تقول "أسوشيتد برس".